تأخذ المبارزاتُ السياسية في الطريق الى تأليف الحكومة الجديدة في لبنان شكْلَ «المونديال» وطقوسِه ولا سيما لجهة العبور الصعب لمساعي تركيب «بازل» التوازنات الى «تصفيات ربع النهائي» قبل التتويج المنتظَر لحكومةٍ من المرجّح ان تستمرّ لأربع سنوات مقبلة.
فاللاعبون في «المستطيل الأخضر» أَكْثَروا من مَهاراتِهم في مناوراتِ السقف العالي وشروطهم الخشنة ومن التدافُع بالأحجام والحقائب وتَمادوا في «الهجمات المرتدّة» والاستعانة بأوراق الاحتياط وكأنهم أمام وقتٍ مفتوح من البدل الضائع، وسط أعصابٍ مشدودة في الداخل ومعاينة لصيقة من الخارج.
وعشية «الوقت المستقطع» الذي يأخذه الرئيس المكلف سعد الحريري ابتداء من اليوم حيث يُمضي إجازة عائلية لأيام قليلة في الخارج، يبدو الأسبوع الطالع محكوماً بمحاولة تعطيل «الصواعق» التي أَنْذرتْ بتفجير مسار التأليف، والتي استولدت ملامح أزماتٍ ذات صلة بالصلاحيات الدستورية لرئاستي الجمهورية والحكومة ومهلة التأليف غير المحدّدة السقف في الدستور ولا العُرف.
وفي هذا السياق، اتجهتْ الأنظار الى العشاء الذي حصل بين الحريري وبين رئيس تكتل «لبنان القوي» (كتلة الرئيس ميشال عون) الوزير جبران باسيل والذي بدا في سياق السعي الى ترجمة المناخ التبريدي الذي خلص اليه اجتماع الرئيس المكلف والرئيس عون قبل أيام قليلة على جبهتيْ معاودة تثبيت التسوية السياسية التي كانت أفضتْ الى انتخاب عون رئيساً واحتواء «سجال الصلاحيات».
ودَخل الحريري الجولة الجديدة من تَفاوُض ما قبل الإجازة العائلية على وهج وحدة الموقف السني اللافتة التي عبّر عنها اجتماع الرئيس المكلف مع رؤساء الوزراء السابقين (فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي وتمام سلام) الذين وإن كانوا اكتفوا في بيان صدر عنهم بتأكيد «أهمية التعاون مع الرئيس المكلف والتضامن على دعمه في مهمته لتأليف الحكومة العتيدة وما يلي التأليف من مسؤوليات»، فإن اللقاء الذي جمَعَهم حمَل أبعاداً بالغة الدلالات سواء في غمرة الرسائل التي وُجّهت الى الحريري وهدّدت ومن «خارج الدستور» بسحب التفويض النيابي بتكليفه او في عزّ محاولات «مدّ اليد» على «البيت السني» من خلال سعي «حزب الله» الى تمثيل النواب السنّة الموالين له في الحكومة.
وتركّزتْ محادثات الحريري - باسيل على مسألتيْ التمثيل المسيحي والدرزي وتحديداً حصة حزب «القوات اللبنانية» في الحكومة ومطلب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بحصْر كامل الحصة الدرزية الوزارية بحزبه (التقديم الاشتراكي) وكتلته (اللقاء الديموقراطي)، وهما النقطتان الرئيسيتان اللتان ما زالتا تعترضان ولادة الحكومة واللتان تنطويان على صراعٍ خفي على التوازنات السياسية حكومياً بات له اسم حَركي هو «حكومة نتائج الانتخابات» و«المعيار الواحد» وفق ما دعا اليه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله يوم الجمعة في إشارةِ ضغْط أو أكثر على الرئيس المكلف للإسراع بالتشكيل.
وفي حين يتم التعاطي مع حركة الحريري في اتجاه باسيل وجنبلاط، الذي يفترض ان يكون الرئيس المكلف التقاه ايضاً امس، على أنها في سياق الدفْع نحو تفكيك العقد الحكومية «عقدة عقدة»، فإن الزيارة المرتقبة «في أي لحظة» لرئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع لقصر بعبدا حيث سيلتقي الرئيس عون يفترض ان تساهم بدورها في إعطاء محركات التأليف زخْماً إضافياً باعتبار ان تسوية العلاقة بين «القوات» وعون وتياره الرافض حتى الساعة منْح الأولى حصة وزارية وازنة ومؤثّرة من شأنه ان يذلّل عقبة أساسية تعترض مسار التشكيل مع المشكلة المرتبطة بالاعتراض القاطع لجنبلاط على اي تخلٍّ من جانبه عن مقعد وزاري درزي لمصلحة النائب طلال ارسلان، العضو في تكتل «لبنان القوي»، معتبراً ان اي تجاوُز لهذا الرفض هو قفْز فوق قواعد «الميثاقية» التي غالباً ما شكلت معيار تعاطي فرق الرئيس عون مع الاستحقاقات الدستورية والانتخابية.
ورغم هذا الحِراك، تحاذر أوساط سياسية الدخول في «نوبات تفاؤل» جديدة، داعية الى ترقٌّب ما ستسفر عنه اللقاءات المتتالية التي تسبق عودة رئيس البرلمان نبيه بري من إجازته أواخر هذا الأسبوع حيث يُنتظر ان يلتقيه بعد رجوعه الرئيس الحريري الذي يفترض في ضوء ما تكون حملتْه الأيام المقبلة ان يضع مسودة تشكيلة لعرْضها على رئيس الجمهورية، وسط إعراب دوائر عليمة عن «نفحة» إيجابية قد تُترجم بحلحلة في الفترة المقبلة بعدما وضع الجميع أوراقهم على الطاولة وبدأ موسم تدوير الزوايا.
وفي موازاة ذلك، اتّخذتْ وتيرة عودة النازحين السوريين الى بلدهم منحى تصاعُدياً على وقع سحْب «حزب الله» راية هذا الملف من الجميع، وحتى من السلطة السياسية والحكومة العتيدة رغم أبعاده الاقليمية والدولية، وهو ما عبّر عنه كلام نصر الله الأخير عن نيته الاستفادة من «طبيعة علاقاتنا الجيدة والمتينة مع الدولة السورية، للمساعدة في اعادة النازحين»، معلناً تشكيل ملف لـ «العودة» و«اننا سنتواصل مع هؤلاء (النازحين) مباشرة ونحدد آلية لاستقبال طلباتهم ونشكل لوائح ونعرضها على الجهات المعنية في الدولة السورية بالتعاون مع الامن العام اللبناني لاعادة أكبر عدد من السوريين».
وبعد عودة نحو 400 نازح من عرسال الى القلمون الغربي، شهد يوم أمس رجوع 42 نازحاً من البقاع إلى بلداتهم في ريف دمشق عبر حافلتيْن نقلتهم عبر نقطة المصنع الحدودية، إضافة الى مغادرة البعض بسياراتهم الخاصة.
وأشار بيان صدر عن «الامن العام» اللبناني الى «ان النازحين الـ 42 انطلقوا بواسطة حافلتين من نقطة التجمع في المصنع بمواكبة دوريات من المديرية العامة للأمن العام حتى نقطة جديدة يابوس الحدودية. وتمت عودتهم الطوعية بالتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR وحضورها».