أولاً: توافق المصالح...
عندما كان أحدٌ من مُعارضي النظام السوري يتفوّه بكلمة أو عبارة أو مقولة ترى بأنّ العدوّ الإسرائيلي يقوم بالعمل الدّؤوب للحفاظ على النظام السوري بعد اندلاع الانتفاضات الشعبية ضدّه، انطلاقاً من اعتباراتٍ عدة أبرزها اطمئنان الإسرائيليّين على سلامة حدودهم الشمالية مع سوريا-الأسد، نقول ما إن يتفوه أحدٌ بمثل هذه الدعوى حتى تنصبّ على رأسه التُّهم الشنيعة، لعلّ أبرزها وأسهلها: الصّهينة والعمالة والخيانة، وأصعبها الارتزاق بالمال السعودي والإصابة بالجهل والعمى، ليتبيّن اليوم بعد موافقة ومباركة "العدو" الإسرائيلي على دخول الجيش "العربي" السوري إلى الجنوب بمحاذاة الحدود مع الأرض المحتلة والمملكة الأردنية، وإخراج "المارقين" من هناك (يعني إيران وميليشياتها)، مع إعطاء الإيرانيّين جوائز ترضية في دمشق ونواحيها، صدق استشراف الذين رأوا (منذ اندلاع الثورة السورية) لإسرائيل مصلحة استراتيجية في حماية النظام السوري، للاطمئنان الدائم لسلوك النظام في حماية حدودها، واستمرار احتلالها لهضبة الجولان السورية، لتتوافق هذه المصلحة مع مصلحة النظام في استمرار قمع شعبه وإطالة عمره، وهذا التبادل الاستراتيجي للخدمات بين إسرائيل والنظام سبق للملياردير رامي مخلوف أن نظّر له منذ الأيام الأولى لانطلاقة الثورة، لتصدُق اليوم رُؤاهُ الإستراتيجية، للأسف طبعاً.
إقرأ أيضًا: سالم زهران ومرسوم التجنيس .. خذوا أسرارهم من صغارهم
ثانياً: بركات التّدخُل الروسي...
هذه التوافقات والتّطمينات والمهادنات وتوطئة رقاب السوريين للنظام الأسدي ما كانت لتجري لولا بركات الطيران الروسي والفيتو الحاضر في مجلس الأمن الدولي، وتعهداته بحماية الكيان الإسرائيلي والنظام السوري جنباً إلى جنب.دون أن ننسى حرص الولايات المتحدة الأميركية الراعية الدائمة لمصالح إسرائيل على عدم إسقاط النظام في سوريا، لذا يتقدّم اليوم النظام لحماية حدود إسرائيل الشمالية كما فعل خلال أكثر من أربعين عاماً، حافظاً للجميل، متبادلاً معها خدمات استراتيجية لا يقوى على حملها إلاّ الأنظمة العميلة والخائنة، والطاغية بحقّ شعبها أولاً، وجيرانها المسالمين ثانياً، والصّاغرة أمام القوى الاستعمارية، يستوي في ذلك الإقليمي منها مع الدولي، ولا يسلم بعد ذلك سوى شعارات الممانعة التي فقدت معانيها ومضامينها، ولن تلبث أن تذهب هباءً، بعد أن ذهبت إلى غير رجعة شعارات الأمة العربية الواحدة، ذات الرسالة الخالدة.
قال الشاعر:
كنتُ من كُربتي أفرُّ إليهم
فهُمُ كُربتي فأين الفرارُ.
أو كما قال عديّ بن زيد للنُّعمان بن المنذر:
لو بغير الماء حلقي شرقٌ
كنتُ كالغصّان بالماء اعتصاري.
والاعتصار: أن يترشّف الماء قليلاً قليلا.