بعد هدوء عاصفة الانتخابات اللبنانية، وفي الطريق إلى تأليف الحكومة برئاسة دولة الرئيس سعد الحريري، ربما حان الوقت لنا معشر المتفرجين في حلبة الصراع العربية أن ندلي بدلونا أيضاً، خصوصاً أن لبنان بالنسبة إلى سعودي مثلي بات مصدر تهديد أمني، إذ يتدخل «بعض» اللبنانيين في شكل مباشر في دعم المتمردين الحوثيين بالسلاح والمشرفين على إدارة الحرب التي يخوضها الانقلابيون في اليمن، وليس سراً القول إن لبنان ساهم بفاعلية في قتل سعوديين.
على ذكر الانتخابات، وبعيداً من رأيي المحبَط من الديموقراطيات العربية في شكل عام، إلا أن الدعاية الانتخابية لـ «تيار المستقبل» كانت لافتة جداً، فـ «الخرزة الزرقاء» التي رفعها الحريريون في وجه خصومهم السياسيين، أزعم بأنها كانت السبب في «خسارة» الكثير من الطموحات، وأنها المدخل الذي تسرب من خلاله «زعران» السياسة إلى بيروت، فالخوف كان شعار المرحلة منذ البداية، سنّة لبنان يخشون على مصيره ومصيرهم في ظل تنامي السيطرة «الميليشيوية» المدعومة إيرانياً، فيما «الزعيم» مشغول في تحصين نفسه وتياره خشية الحسد! لا أعلم على ماذا يمكن أن يحسدهم الحاسدون بصراحة، لكن ذلك يعكس جانباً من الغيبوبة السياسية التي ينفصل بها اللبنانيون جميعهم عن الواقع، إذ إن إصرار بعض المنتمين إلى «تيار المستقبل» -مثلاً- على القول بعدم خسارة الانتخابات، ثم إلقاء اللوم على الغالبية الساحقة من «البيارتة» بسبب عدم نزولهم إلى ساحات الاقتراع، يعيد ملف «السياسي أولاً» ومن خلفه لبنان إلى الواجهة! هل كان يحلم المطالبون بالنزول بأن يتغير لبنان في حال اكتساحهم؟ هل كانت ستقلّم مخالب «حزب الله»؟ أم تراهم كانوا يراهنون على المزيد من سياسة النأي بالنفس في محيط متلاطم! النأي بالنفس وفق المفهوم السياسي اللبناني هو الأنانية المفرطة، هو النأي عن لبنان ذاته، النأي عن واقع يحتاج إلى رجال يحدثون أثراً في المواقف، وليس إلى «مشخصاتية» متنفعين.
لبنان في عين العاصفة، وقد ظل سنوات طويلة جبهة النزاع التي لا تهدأ في معركة إيران نحو التمدد، قبل أن يتحول إلى مصدّر للأزمات والدمار! لبنان جزء أصيل في بؤرة النزاع مع إيران، وأي محاولة للخروج منها لن تكون بإغماض العين، كما أنها ليست بتفجير الوضع الداخلي الذي لم يعد في يد أحد من فرقاء السياسة في الحقيقة، حتى أن استقالة الرئيس الحريري التي أعلنها في وقت سابق لم تكن تلك الشرارة التي تتوجه ناحية برميل البارود، لبنان في قبضة القوى الشيعية ممثلة في «حزب الله» تحديداً، لذلك فإن فكرة الانحناء «بالنأي» لن تجدي نفعاً بالنظر إلى ممارسات الحزب الإرهابي التي يختصر مصلحة الجميع في طموحات «خامنئي».
بعيداً من رأيي في أن الحريري بتشكيله للحكومة إنما يضمد جرح «حزب الله» النازف في سورية، حين يمنحه الغطاء اللازم لادعاء أن ثمة شرعية تسيّر البلد الذبيح، إلا أن الواقعية السياسية التي تفرض التعامل مع الموقف في حينه تقتضي توجيه عناية الرئيس الحريري، إلى أنه مطالب بأن ينظر إلى الزعامة السنية بكثير من التواضع، إذ إن الإرث الكبير الذي خلفه الشهيد رفيق الحريري يحتاج إلى مزيد من الرعاية، لا تقل بحال من الأحوال عن تلك التي كان يوليها فقيد لبنان الكبير للشارع اللبناني برمته، وللسنة على وجه الخصوص.
ختاماً، يمكن القول إن الرئيس سعد الحريري فعل خيراً بتغيير «عتبة» بابه أخيراً، وأن على المساعي التصحيحية ألا تتوقف قبل أن تتكلل بخطوات مصالحة حقيقية مع حلفاء الأمس، حلفاء ١٤ آذار، حلفاء ثورة الأرز التي أعادت إلى لبنان وهجه وإن قليلاً، إذ إن الحريري من دون ذلك لن يستطيع تكملة المشوار، فعقبات حزب الله أقوى بكثير من أن يواجهها وحيداً.