سقطت كل الأضاليل التي روجتها الشركة المشغّلة لمعمل فرز النفايات في صيدا طوال السنوات الخمس الماضية. لم يعد بإمكان إدارة «أي بي سي» إقناع الرأي العام بأنّ سير العمل في المعمل طبيعي ويلتزم الشروط البيئية والصحية. فمعاينة ميدانية للمعمل ومحيطه والبحيرة، كشفت المستور داخل الأسوار.
حشود من الناشطين وهيئة متابعة قضايا البيئة ورئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب أسامة سعد والقوى الوطنية في صيدا وجوارها، اقتحموا، أمس، بوابات المعمل بعدما حاول مديره سامي بيضاوي منعهم.
على مرأى من القوى الأمنية، وقع تلاسن بين بيضاوي وسعد أثار غضب المعتصمين الذين اندفعوا نحو البوابات ودخلوا. ما شاهدوه في الداخل لم يكن في الحسبان: روائح العفن تملأ الأجواء، عمال الفرز والنقل لا يرتدون أقنعة أو قفازات تحميهم من ضرر الروائح والغازات المنبعثة، داخل أحد مستودعات الفرز تبدو بعض الأكوام قد مرّ عليها الزمن.
يحاول بعض الناشطين ولوج المستودع. يتصدى له العمال متسلحين بالعصي. يحصل تلاسن بينهم يتطور إلى تضارب يؤدي إلى وقوع 12 جريحاً من المعتصمين، راوحت إصاباتهم بين الطفيفة والمتوسطة.
خلال الإشكال، تلقى العمال مؤازرة من سائق جرافة تقدم بآليته نحو الحشود، محاولاً دهسهم. زميل له ألقى قنبلة دخانية لتفريقهم، ما سبّب حالات إغماء.
انفضّ الحشود عن العمال ولحقوا بالنائب سعد نحو الجبل الذي ارتفع أخيراً في الباحة الخلفية للمعمل. تقول الشركة إنه جبل من العوادم التي تراكمت بسبب توقف أحد معامل البقاع عن استقبال العوادم التي يستخدمها كوقود. الجبل المرتفع بارتفاع مبنى من ثلاث طبقات والممتد على مئات الأمتار، ليس من العوادم فقط. هنا أصناف مختلفة من النفايات العضوية والقابلة للتدوير والعوادم، ومنها نفايات طبية وبقايا مسالخ وجلود حيوانات.
سارت الحشود في بحر من النفايات يجاور البحر الذي يستقبل نفايات ومياهاً مبتذلة من محطة التكرير المجاورة. استذكروا الشعار الذي رفعته بلدية صيدا (الحلم صار حقيقة) عند إزالة جبل النفايات الأول. الحلم بنسخته الثانية يضم جبلاً وبحيرة. على أنقاض الجبل الأول، استحدثت بحيرة بعد إنشاء الحاجز المائي الذي أقرته حكومة الرئيس فؤاد السنيورة (نفذ بهبة سعودية بقيمة 20 مليون دولار أضيفت إليها 10 ملايين من خزينة الدولة) لفصل الجبل عن البحر لكي لا تتساقط النفايات في أثناء إزالته.
تلقي الشاحنات في البحيرة نفايات غير مفرزة وبقايا مسالخ ودباغات
بين الحاجز واليابسة، نشأت بحيرة بمساحة 505 آلاف متر مربع. قالت البلدية إنها تسمح بإلقاء الردميات فيها لطمرها وإنشاء مشاريع ذات منفعة عامة فوقها. لكن ما يُلقى مختلف تماماً. عبر نقطة الحراسة التي ثبتتها البلدية، تدخل الشاحنات نحو البحيرة لتلقي نفايات متنوعة غير مفرزة وبقايا مسالخ ودباغات (...). بالصورة، وثّقت هيئة المتابعة تخلّص المعمل من النفايات في البحيرة.
كل الاتهامات التي ساقها سعد والناشطون ظهرت أمس على أرض الواقع. تشكيلة لا تنتهي من النفايات التي يتكدس بعضها فوق الحاجز المائي ويتساقط نحو البحر. الكسارتان الصغيرتان اللتان استقدمتهما الشركة لخلط العوادم مع الردميات، لم تقنعا المعتصمين «كيف يمكن الكسارتين التخلص من مئات الأطنان؟».
يذكر أن المعمل يستقبل يومياً 250 طناً من بيروت ونحو 20 طناً من جزين، إضافة إلى أكثر من 200 طن من صيدا والمخيمات وبلدات القضاء. وبين هذا وذاك، كانت المستنقعات التي ظهرت بين أكوام النفايات تذكّر المعتصمين بأنهم يقفون فوق البحر، إذ سمحت الدولة بردم البحر لإنشاء المعمل ومحيطه وصولاً إلى البحيرة.
سعد طالب باتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع انبعاث الروائح الكريهة والغازات الضارة ووقف استيراد النفايات من خارج نطاق اتحاد بلديات صيدا ــــــ الزهراني ومعالجة الخلل في أداء معمل النفايات، واضعاً القضية عند رئيس الجمهورية لاتخاذ خطوات سريعة.
خلال الاعتصام، أعلنت الشركة المشغّلة وقف العمل بالمعمل واستقبال نفايات بيروت وجزين وصيدا. المعتصمون وجدوا في الخطوة محاولة من المشغلين ومن خلفهم الجهات السياسية التي تدعمهم، على رأسها تيار المستقبل، للضغط على المعترضين بإغراق تلك المناطق بالنفايات، بدلاً من تصويب الخلل في أداء الشركة ووقف الهدر والفساد.
وفي السياق، أكد سعد، بعد اتصال تشاوري مع المدعي العام الاستئنافي في الجنوب رهيف رمضان، أنّ المعمل «مرفق عام تديره شركة خاصة، ولا يجوز لهذه الشركة إقفال المعمل، أو التوقف عن استقبال النفايات، تحت طائلة المسؤولية». وطالب البلدية التي وقعت العقد مع الشركة بإلزامها بمواصلة عملها تحت طائلة تنفيذ البنود الجزائية التي ينص عليها العقد والتقيد ببنوده، وخصوصاً لجهة منع انبعاث الروائح الكريهة والغازات الضارة التي تلحق الضرر بصحة المواطنين، وعدم رمي النفايات غير المفروزة والباقية في الحوض البحري وأرض الردم، إضافة إلى وضع حدّ لتلويث مياه البحر والتربة، وصولاً إلى المياه الجوفية.