لكنّ العلولا يستأخر زيارته لبيروت الى ما بعد تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة الرئيس المكلّف سعد الحريري، الذي أمضى اكثر من شهر على تكليفه هذه المهمة الدستورية وهو يصول ويجول داخلياً وخارجياً منذ تكليفه، لعلّه يتوصّل الى تشكيلة وزارية من ثلاثين وزيراً تحظى بقبول الجميع.
وفي غضون ذلك، ثمة كلام كثير في الاوساط السياسية اللبنانية حول العقبات والعراقيل التي تعوق تأليف الحكومة، وتتبادل الاطراف الاقليمية وحلفائها اللبنانيين الاتهام بتأخير ولادة الحكومة، ويزيد العقبات تعقيداً الخلاف بين الافرقاء الداخليين على الحصص الوزارية ونوعية الحقائب الوزارية السيادية والأساسية التي يريدها كل فريق لنفسه، بعدما تقرّر مبدئياً ان تكون الحكومة مكوّنة من ثلاثين وزيراً.
محور المقاومة والممانعة يكيل الاتهام للمملكة العربية السعودية وحلفائها اللبنانيين وفي الخارج، بأنهم يدفعون الحريري وحلفاءه الى التأخّر في تأليف الحكومة الآن وانتظار تطورات ومتغيّرات ستحصل من الاقليم، من شأنها ان تغيّر معطيات التأليف الحكومي الراهنة في اتجاه يُتيح للحريري تأليف حكومة بشروط افضل له لاحقاً.
ويقول بعض المنتمين الى هذا المحور، انّ الرياض بادرت إثر انتهاء الانتخابات إشاعة انّ نتائج هذه الانتخابات جاءت لمصلحة «حزب الله» وحلفائه. وبالتالي، فإنّ ايّ حكومة ستؤلّف ستكون حكومته او دائرة في فلكه وفلك المحور الذي ينتمي اليه الحزب.
ويعتقد هؤلاء انّ هذا «الحكم» المسبق على نتائج الانتخابات، وتالياً على الحكومة العتيدة في انها ستكون لمصلحة «حزب الله» وحلفائه، أربك الحريري وحلفاءه، بدليل انّ الجميع، من رئيس الجمهورية الى رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الحريري نفسه، نادوا ولا يزالون بالاسراع في تأليف الحكومة نسبة الى الوضع الاقتصادي والمالي الذي يمر في مرحلة خطيرة، فضلاً عن الخطورة التي يتّصِف بها الوضع في الاقليم ويخشى من ان تكون لها تداعياتها الخطيرة ايضاً على لبنان.
وأكثر من ذلك، وفي ضوء زيارات الحريري الاخيرة للمملكة ولقاءاته فيها، وكذلك في موسكو مع مسؤولين سعوديين، فضلاً عن زيارة النائب وليد جنبلاط لها، قبَيل عيد الفطر، معطوفة على التواصل الحقيقي بين القيادة السعودية ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، فإنّ أوساط فريق 8 آذار، ومعها مطّلعون على اجواء «التيار الوطني الحر» يتحدثون عن حلف ثلاثي يعمل على تقويض عهد الرئيس ميشال عون مع سبق الاصرار والترصّد، لأنّ عون لم يغيّر او يبّدل في العلاقة التحالفية القائمة بينه وبين «حزب الله» وحلفائه الـ8 آذاريين، وذلك خلافاً لتوقعات البعض في انه بعد تَولّيه رئاسة الجمهورية في 31 تشرين الاول 2016 سيكون غير ما كان عليه قبلها.
لكنّ مصادر مطّلعة على الموقف السعودي، وبعضها لصيق به، تنفي هذا الامر، وتؤكد انّ الرياض تعتبر تأليف الحكومة شأناً داخلياً، وانّها تحبّذ ان تولد هذه الحكومة اليوم قبل الغد لِما لذلك من تأثيرات ايجابية على مستقبل العلاقات اللبنانية والسعودية.
وتقول هذه المصادر انّ هناك عقداً درزية ومسيحية الى جانب عقدة تمثيل سنّة فريق 8 آذار هي التي تعوق تأليف الحكومة، ولا علاقة للملكة العربية السعودية بها. والمملكة التي ترفض تدخّل الآخرين في شؤونها كيف لها ان تسمح لنفسها ان تتدخّل في شؤون الغير، ولماذا يُلقى الاتهام على المملكة بتعطيل تأليف الحكومة ولا يُلقى على ايران التي تبالغ في المطالبة بحقائب وزارية سيادية لحلفائها في لبنان؟
ويضيف هؤلاء اللصيقون بالموقف السعودي انّ المملكة حريصة على أمن لبنان واستقراره وتحديد الاستعجال في تأليف الحكومة. ويُمكن الاستدلال على مصدر الموقف من خلال ما يُعلنه القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان الوزير المفوّض وليد البخاري في مختلف المناسبات، خصوصاً انّ العلاقة اللبنانية - السعودية مُقبلة على مرحلة متطورة بعد تأليف الحكومة من خلال انعقاد اجتماعات اللجنة العليا اللبنانية - السعودية المشتركة، التي سيتمّ خلالها توقيع أكثر من 30 مذكرة تفاهم واتفاقات تخدم مصالح البلدين في مختلف المجالات، ولذلك فإنّ ما يُعطّل انعقاد هذه اللجنة أو يؤخّره هو العرقلة والتأخير في تأليف الحكومة.
على انّ رغبة المملكة المُلحّة في انعقاد اللجنة العليا اللبنانية - السعودية في أقرب فرصة ممكنة، يمكن القول انّ الرياض حريصة جداً على ان تؤلّف الحكومة اللبنانية في أسرع وقت.
وفي هذا السياق، يقول السياسيون اللصيقون بالمملكة ان ليس هناك أي دعم سعودي لأيّ طرف لبناني في مواجهة أطراف آخرين، وانها لن تدعم ايّ محور او فريق ضد آخرين وسياستها، خصوصاً بعد تولّي الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد، سياسة واضحة وهي الانفتاح على جميع مكوّنات المجتمع اللبناني، ودعم أمن لبنان واستقراره بالتنسيق والتعاون مع المجتمع الدولي.
ويمكن قراءة هذا الموقف السعودي أو الاستدلال إليه من خلال مشاركة المملكة في كل المؤتمرات الدولية التي تُعقد لدعم لبنان، وآخرها كانت مؤتمرات «سيدر-1» وروما وبروكسل التي انعقدت في الربيع الماضي.