لعبة «كسب الوقت» تأخذ مداها، ولكنها تحتاج إلى غطاء، مثل «فك الاشتباك»، والتهدئة التي تسبق إعادة التفاوض، و«محركات التشاور».. إلى آخر ما سجلته وقائع شهر مضى على التكليف، بعد اجراء الانتخابات النيابية.
اليوم، يغادر الرئيس المكلف سعد الحريري في إجازة، بعد ان رعى مساء أمس مهرجان بياف (BIAF) وسط بيروت، واستمع إلى كلمتين لكل من الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، خلتا من توجيه أي لوم أو انتقاد له، مع ان كلا الرجلين تناول مسألة تأليف الحكومة.
ولاحظت الأوساط السياسية ان ما اعتبره السيّد نصر الله المشكلة التي تعيق تأليف الحكومة وهي غياب «وحدة المعايير»، هي نقطة اتفاق مع التيار الوطني الحر، الذي اعتبرت جهات نافذة فيه ان ارساء قواعد للتأليف انطلاقاً من «وحدة المعايير» هو محور الاتصالات الجارية، لا سيما في بحر الأسبوع الطالع.
واعتبر مصدر مقرّب من دوائر القرار ان السابع من تموز هو موعد فاصل، بين التأليف أو بداية العدّ العكسي لحسم الموضوع.
على ان ما طرأ على المشهد، من شأنه ان يُعيد تقييم الوضع: 
1- تبني السيّد نصر الله دعوة رئيس التيار الوطني الحر بزيادة عدد الحكومة إلى 32 وزيراً بتوزير علوي وسرياني (الأقليات) الأوّل قد يكون من حصة «حزب الله» والثاني من حصة التيار الوطني الحر.
2- ما نسب إلى باسيل من ان لا مانع من إسناد حقيبة سيادية «للقوات».
3- تأكيد د. جعجع ان «القوات» لا تطمح إلى حصد مواقع، جل ما في الأمر من أجل تلبية مصالح المواطنين الذين منحوا مرشحيها الثقة في الانتخابات النيابية.
وهذه «الأجواء الايجابية» فتحت الباب امام جعجع لزيارة متوقعة في أية لحظة إلى بعبدا.
إجازة الحكومة
وفي تقدير مصدر سياسي، ان إطفاء محركات تأليف الحكومة، أو ما أطلق عليه «بدء مرحلة الصمت الحكومي»، مدفوعة بالتهدئة السياسية التي أرسى مداميكها تفاهم الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري على تعويم التسوية الرئاسية، لا يعني سوى ما ذهبت إليه «اللواء» أمس، من ان مفاوضات تشكيل الحكومة أخذت إجازة، مع الإجازة التي ينوي الرئيس المكلف تمضيتها في أوروبا والتي تمتد اسبوعاً، بما يعني ان عودته ستتزامن مع عودة الرئيس نبيه برّي بدوره من اجازته الصيفية، حيث يفترض ان تكون الأرضية السياسية الساخنة بفعل الخلافات المستعرة بردت، وباتت جاهزة نسبياً لاستئناف اتصالات التشكيل بالهدوء الذي طلبه الرئيس الحريري في أعقاب لقاء بعبدا امس الأوّل.
وفي حين لم يسقط بعض السياسيين من حساباتهم ان تكون إجازة الحكومة نتيجة انتظار مفاعيل القمة الأميركية - الروسية في هلسنكي في 16 تموز المقبل، نسبة لما قد يترتب عليها من نتائج وصفقات ستؤثر حكماً على لبنان واستحقاقاته، رأت مصادر «بيت الوسط» ان نتائج هذه القمة ومردودها المباشر على لبنان، وانعكاسها على الوضع في سوريا، يتطلب من كل القوى السياسية ان تعمل مع الرئيس الحريري لكي تعجل في عملية تشكيل الحكومة، لا تجميدها بانتظار ما قد تسفر عنه القمة من معادلات واوضاع جديدة في المنطقة العربية والعالم.
وعليه تؤكد أوساط سياسية مطلعة لـ«اللواء» ان موضوع تشكيل الحكومة، ليس موضوعاً على الرف، وان كان وضع في الثلاجة مؤقتاً عن قصد لتخفيف التشنج، وتتوقع ان يشهد الأسبوع المقبل، ترجمة طبيعية لما تمّ الاتفاق عليه في لقاء بعبدا أمس الأوّل لناحية استئناف المساعي المتصلة بتشكيل الحكومة، بعد ان باتت العقد محصورة بعقدتي تمثيل «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي.
وقالت إن أول الغيث قد يكون لقاء بين الرئيس عون  وجعجع في قصر بعبدا رجح مطلع الأسبوع المقبل على الرغم من أن قصر بعبدا لم يؤكد أو ينفي ما يتم تداوله وستحضر فيه عقدة تمثيل القوات في الحكومة.
 وأفادت هذه المصادر أن لا عودة إلى الوراء في النقاط التي تم ارساؤها في لقاء عون - الحريري وبالتالي دعسات تشكيل الحكومة لن تكون بطيئة بعد انتهاء إجازات المسؤولين، على أن القصر الجمهوري سيكون بدوره محطة للقاءات تتصل بهذا الملف.
تمثيل «القوات»
إلى ذلك، أكدت معلومات رسمية ان حل عقدة تمثيل القوات بات أكثر ليونة مما كان عليه من قبل، حيث من الممكن الاتفاق على منحها أربع حقائب وزارية، بينها حقيبة أساسية، وأخرى خدماتية وحقيبة عادية إضافة إلى وزارة دولة، فيما بقي منحها حقيبة سيادية رهن حصول توافق سياسي شامل على ذلك، بحسب ما أبلغ الرئيس عون الوزير القواتي ملحم الرياشي قبل أيام، مؤكداً وجود تحفظات على منح «القوات» حقيبة الدفاع الباقية من الحقائب السيادية الأربع، إذ ان «الداخلية» ستذهب إلى «المستقبل» و«الخارجية» «للتيار الوطني الحر» و«المالية» لحركة «أمل».
أما منصب نائب رئيس الحكومة، فقد أصبح امراً غير قابل للنقاش بعد البيان الرئاسي الذي صدر عن قصر بعبدا قبل أيام، وبالتالي فإنه «عرف لا يجوز التخلي عنه» بحسب ما أكّد مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدبلوماسية النائب الياس بو صعب، أمس على اعتبار ان التخلي عن هذا الموقع اضعاف لموقع رئيس الجمهورية، داعياً إلى الحفاظ على صلاحياته الدستورية في هذا المجال.
وأعلن بو صعب في حديث تلفزيوني أمس، ان الوزير باسيل سبق ان أبلغ الرئيس الحريري، من انه لا يمانع إعطاء «القوات» حقيبة سيادية، لافتاً الانتباه إلى ان من المهم المحافظة على «تفاهم معراب»، الا انه اعتبر انه أمر يتطلب نقاشاً وحواراً من أجل الدفع بالأمور إلى الامام، مشيراً إلى احتمال كبير بحصول زيارة قريبة لسمير جعجع إلى قصر بعبدا للقاء الرئيس عون، وهو ما كشفه أيضاً أمين سر تكتل «الجمهورية القوية» النائب السابق فادي كرم.
جعجع
اما جعجع، فقد لوحظ انه تجاهل الحديث عن كل ما يتعلق بمفاوضات تشكيل الحكومة، خلال احتفال تسليم البطاقات الحزبية في معراب، وان كان قد لفت إلى ان «زمن التحجيم ولى وجاء زمن صحة التمثيل».
وأكد ان «القوات» تحترم كل الأحزاب والتيارات والتلاوين السياسية التي تحفل بها الساحة، ولا تسعى إلى اقصاء أحد أو إلغاء دور أحد، وان كل ما تطالب به هو ان يحترم الغير حضورها ويكف عن محاولات عزلها وتطويقها.
وقال غامزاً من قناة «التيار» ان من يعتقد ان اقصاء «القوات» وعزلها واضعافها داخل السلطة ليعزز من قوته ووجوده على حسابها، عليه ان يتذكر جيداً المقولة الشهيرة «أكلت يوم أكل الثور الابيض»، مشيراً إلى ان العملية الدستورية التي تشكّل الحكومة بموجبها يجب ان تتلاقى وتتكامل مع الإرادة الشعبية التي تجسدت في صناديق الاقتراع، لا ان تكون وسيلة للقوطبة عليها أو شلها وتقييدها.
وفيما خص «تفاهم معراب» لفت جعجع إلى ان تمسك «القوات» بهذا التفاهم ليس من أجل تشكيل ثنائيات أو ثلاثيات أو رباعيات في الساحة المسيحية، وإنما من أجل إشاعة جو من الاستقرار والتفاهم داخل المجتمع على ان يتم تعميمه على مستوى الوطن»، مضيفاً: «نحن مع «اوعا خيك» لكننا ايضاً مع «أوعا سيادة الدول»، و«أوعا مصالح الناس» و«أواعا الهدر والفساد ولقمة عيش الفقراء»، موضحاً ان معارضة «القوات» للهدر والفساد والصفقات المشبوهة لم تكن موجهة ضد وزير بعينه أو فئة سياسية بحد ذاتها، بل ضد هذه المنظومة القائمة في لبنان منذ الاستقلال»، مشدداً على انه «لن يقبل بأن يقايض وجود «القوات» في الحكومة بسكوتها عن الهدر والفساد، ولأن وجودنا هو اصلاً لمكافحة الفساد وليس لحصد المواقع».
نصر الله
ووسط استمرار التجاذب بين «القوات» و«التيار الوطني الحر» برزت إشارة الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله، في اطلالته التلفزيونية عصر أمس، إلى ان الحزب يعطي الأولوية لمسألة تشكيل الحكومة، حين بدأ كلمته بهذا الملف، داعياً إلى «التعجيل في تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة انطلاقاً من الحاجات الوطنية»، موضحاً ان هذه الدعوة لا ترتبط بالمخاوف من الموضوع الإقليمي بل على العكس»، لافتا إلى ان المشكلة التي حالت حتى الآن دون تشكيل الحكومة هي ضياع المعايير، إذ يجب ان يكون هناك معيار واضح يجب الالتزام به»، معتبرا ان «ما يجري الآن لا يعتمد معايير واحدة، إذ ان كتلتي «الوفاء للمقاومة» و«التنمية والتحرير»، تأخذ 6 وزراء في حين ان هناك كتلة من 20 نائباً تريد 7 وزراء». مشيرا إلى ان «ما يتداول حتى الآن من صيغ لا يصح تسميته بحكومة وحدة وطنية، بل حكومة ذات تمثيل سياسي وشعبي واسع»، مطابقا «بتمثيل الجميع بما فيهم العلويين والسريان، والالتزام بالنتائج التي أفرزتها الانتخابات النيابية».
ودعا لمعالجة ملف النازحين «كاشفاً عن «أن حزب الله وأمام التعقيدات الموجودة وانطلاقاً من علاقتنا مع سوريا يريد أن يمد يد المساعدة وبالتالي سنتواصل مع النازحين السوريين ونسجل أسماء من يريد العودة ونعرض الأسماء على الدولة السورية ونتعاون مع الأمن العام اللبناني لإعادة أكبر عدد ممكن من النازحين الذين يرغبون بالعودة الطوعية».
وبشأن الأوضاع في بعلبك- الهرمل دعا الجيش والأجهزة الأمنية للعمل الجاد والمتواصل وعدم القبول من أحد بتغطية أحد، مؤكداً أن لا غطاء سياسي عن أي مخل في الأمن.
وتطرّق نصرالله إلى ما حصل في اليمونة والعاقورة، مشيراً إلى أنها مشكلة على عقار ونرجو أن لا يتم تحويل الملف إلى ملف طائفي وأن لا يزايد أحد في هذا الملف وأن يكون الملف بيد الجيش وأن يكون هناك هدوء وحوار.
النازحون
وكان موضوع النازحين السوريين، حضر أمس في محادثات وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية والكومنولث أليستير بيرت مع الرئيس عون في بعبدا، وخلال زيارة المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان فيليب لازاريني لوزير الخارجية جبران باسيل في قصر بسترس، طالباً منه رفع القيود التي وضعها على تصاريح الإقامة لطاقم عمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، مشددا على ان الأمم المتحدة تحترم سياسة الحكومة اللبنانية ومفادها ان وجود النازحين السوريين في لبنان مؤقت، وبالتالي فإن دمجهم في لبنان ليس خيارا لنا، وهذا يعني ان العودة إلى سوريا أو إعادة توطينهم في بلدان ثالثة هي الحل الوحيد المستدام.
وإذ لم يشأ لازاريني الكشف عن جواب باسيل بالنسبة لتصاريح الإقامة، الا انه أوضح انه أبلغه ان الأمم المتحدة ستستمر في مشاركة الحكومة اللبنانية في الهدف الاستراتيجي نفسه والذي يتمثل بدعم العودة الآمنة والكريمة وغير القسرية للنازحين إلى سوريا.
ولفت الرئيس عون من جهته، نظر الوزير البريطاني إلى ان لبنان مستمر في تقديم الرعاية للنازحين على رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها، وهو يستمر في دعوة المجتمع الدولي إلى تسهيل عودتهم تدريجياً إلى الأماكن الآمنة في سوريا، معتبرا ان العودة الطوعية للسوريين التي تتم من حين إلى آخر ولو بأعداد قليلة تؤكد على وجود رغبة لدى غالبية النازحين بالعودة إلى بلادهم بعد التأكد من توافر الضمانات اللازمة لأمنهم وسلامتهم، نافيا ما يشاع عن ممارسة ضغط عليهم للعودة التي تتم بملء إرادتهم.
اما بيرت والذي التقى ايضا كلاً من الرئيس الحريري والوزير باسيل، ووضع حجر الأساس لمركز التدريب الحدودي الجديد للجيش اللبناني في رياق، فقد شجع على التشكيل السريع للحكومة من أجل تطبيق السياسات الاقتصادية التي ستزيد من استقرار لبنان، مكررا دعم بريطانيا المستمر للبنان والمجتمعات المضيفة فيه لتخفيف عبء اللاجئين.