حين تطرح سؤالاً على بعض المسؤولين إذا ما كانت مرحلة العهد الجديد منذ سنة ونصف إلى اليوم، تشير إلى خروج عملاني عن اتفاق الطائف، تصبح الاجابة عنه أبعد من ذلك بكثير، مع ما يجري في عملية تشكيل الحكومة. يتفق عدد من المسؤولين في إجاباتهم على أن الأخطر من الخروج على اتفاق الطائف، هو ما ينذر بمحاولات للضغط على الرئيس سعد الحريري، لإحراجه وإخراجه، أو إجباره على التطبيع والتوقيع على كل ما يريده الطرف الآخر. ثمّة من يشير إلى أن المرحلة أخطر من إحراج الحريري وتطويعه، بل هي تذكّر بمحاولة الانقلاب عليه. وللمفارقة، أن مرحلة الانقلاب على حكومة الحريري في العام 2011، افتتحها اللواء جميل السيد بملف شهود الزور. واليوم حقبة الانقلاب على تكليف الحريري يفتتحها السيد أيضاً بوضع شروط وسقوف زمنية على الرئيس المكلف تشكيل الحكومة، والذي إما عليه الالتزام بها، أو المغادرة من خلال اسقاط تكليف تأليف الحكومة.
وفي سابقة من نوعها، خرج رئيس الجمهورية ميشال عون بموقف أعلن فيه أن "الرئيس وإن لم يتدخل في آلية التشكيل، إلا أنه ليس في وارد التغاضي عما منحه إياه الدستور من صلاحيات وما درجت عليه الأعراف المعتمدة منذ اتفاق الطائف، لاسيما لجهة حق رئيس الجمهورية في أن يختار نائب رئيس مجلس الوزراء وعدداً من الوزراء، يتابع من خلالهم عمل مجلس الوزراء والأداء الحكومي في شكل عام انطلاقاً من قسمه الدستوري بالحفاظ على القوانين".
كلام رئيس الجمهورية وكلام السيد يلتقيان، وفق مسؤولين سياسيين بارزين. ويعتبرون أن الكلام ينطوي على مخاطر عديدة، عبر فرض سقوف زمنية، وشروط أخرى. وهذا ما تجلّى في المعادلة التي فرضها السيد إذا لم يشكل الرئيس المكلف الحكومة، معتبراً أن هناك عريضة سيتم توقيعها من قبل 65 نائباً لإسقاط التكليف. وهذا يمثّل انقلاباً على الطائف والدستور. والأخطر أن الكلام أرفق بكلام صدر عن الدائرة الإعلامية في القصر الجمهوري. وهو في ظل تمسّكه بالدستور، أطاح بالدستور. ينص الدستور على التشارك مع الرئيس المكلف لإصدار مرسوم تشكيل الحكومة. لكنه أعطى لنفسه صلاحيات جديدة لأن الدستور لا ينص على أن نائب رئيس الحكومة من حصته، وثانياً لا ينص الدستور على حصة وزارية لرئيس الجمهورية لمساعدته، لأن من توكل إليه مهمة إدارة الحكومة وعمل الوزراء هو رئيس الحكومة. بالتالي، هذا خروج على الدستور، وإضافة صلاحيات جديدة للرئيس.
الكلام يقود إلى خروج عن الدستور، ودخول لبنان في مرحلة جديدة، هي عملية تعديل اتفاق الطائف والإطاحة به ليس عن طريق قانوني، بل بالممارسة السياسية وبفرض الأمر الواقع. النتيجة المباشرة لذلك، تعني أنهم يرسمون خطوطاً حمراء أمام الحريري، الذي إما أن يلتزم بما يرسمونه له ويفرضونه عليه، أو أن عليه الذهاب وتكليف شخص آخر بدلاً منه. لذلك، هناك من يقرأ في هذا الضغط بأنه محاولات إحراج للحريري لإخراجه، ربطاً ببعض التطورات المحلية والإقليمية، سواء أكان على صعيد التقارب بين تيار المستقبل وحزبي القوات والتقدمي الاشتراكي وتشكيل جبهة حماية للحريري، أو على صعيد التطورات الإقليمية وفرض توازنات جديدة في المنطقة، من اليمن إلى التسويات الحدودية المفترضة والمنتظرة. بينما تؤكد المصادر أن حزب الله غير مقتنع بهذه التوجهات، وليس هو من يقف وراء موقف السيد، بل ربما النظام السوري هو من يريد ذلك. إذ إن حزب الله يعمل على إيجاد مخارج للأزمة، ومن بينها الاتصالات الايجابية التي قادت إلى زيارة الحريري إلى القصر الجمهوري، لإعادة ترتيب الأوضاع.
ذلك كله لا ينفصل عن الهجوم الاستباقي الذي فرض على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي لا تزال محاولة تحجيمه مستمرّة. استهداف جنبلاط يأتي في أولوياته استهداف اتفاق الطائف، وما يمثّله جنبلاط من رمزية متمسكة بهذا الاتفاق. كذلك كان الخلاف مع الرئيس نبيه بري سابقاً، هو خلاف مع الطائف، لكن المسألة مع بري تبقى مضبوطة أكثر بفعل وجود حزب الله، والتقارب السياسي الذي يفرضه اللقاء على العناوين الاستراتيجية. لكن رسائل بري وتحذيراته من الثنائيات، كانت أكثر من جدّية، وكانت تمهيدية إلى ما ستصل إليه الأمور.
هناك من يشبّه آلية تشكيل الحكومة الحالية من قبل بعض الأفرقاء، بأنها طريقة غازي كنعان في تشكيل الحكومات. لكن، مع مساع لإيجاد قواسم مشتركة، وتخفيف حدّة التوتر، بدأت عبر حزب الله الذي يحرص على الاستقرار. وهذا ما سيترجم في اللقاءات التي ستعقد في الساعات المقبلة، لإعادة إحياء المفاوضات لإنجاز التشكيلة. وهنا، ثمة معادلة ستطرح، هل أن الحريري سيصمد على شروطه وحلفائه أم أنه سيتنازل مجدداً تحت شعار الوضع المالي والاقتصادي الضاغط والمتدهور، وحاجة لبنان إلى الحكومة للحصول على المساعدات التي أقرت في المؤتمرات الدولية؟ ولا يمكن للمستقبل أن يبقى في المعارضة، كما حصل سابقاً. فخروجه من المعادلة، سيقود إلى انكسار التوازن لمصلحة حزب الله وحلفائه. وهذا ليس من مصلحة السعودية.