أنا الموقّع أعلاه وأدناه، أقِرّ وأعترف بكامل قواي العقلية بأنّني المسؤول الأوّل والأخير عن مقتل الشاب اللبناني محمد زهر. وأطلب من القوى الأمنية والقضائية والمعنية كافة، ملاحقتي وتسطيرَ مذكّرات بحقّي وتوقيفي والتحقيق معي ومحاكمتي وإعدامي علناً والتمثيلَ بجثتي على الجريمة البشعة التي ارتكبتُها عن كامل تصوّر وتصميم وتخطيط استغرقني عشرات وعشرات السنوات من التحضير.
أنا لا أسكن في منطقة المغدور، ولا أشجّع منتخبات كرة القدم، ولا أشرب الأرغيلة، ولا أقصد المقاهي صغيرةً كانت أم كبيرة للجلوس مع أصدقائي... أنا في ليلة الحادثة لم أحمل سكّيناً ولا مسدّساً ولا حتى رفعتُ كرسيّاً عن أرض الحادثة الأليمة، ومع ذلك أتّهمُ نفسي بالجريمة.
ألا يكفي أن أكون لبنانياً متقاعساً عن أيّ شكل من أشكال الواجبات الإنسانية والوطنية والاجتماعية والأخلاقية منذ أكثر من عشر سنوات حتى تَثبتَ كلّ الاتّهامات عليَّ، ولا يعود هناك أيّ شكّ في تورّطي بقتل شابٍ يخجل الموت من أن يأخذ روحه بسبب تفاهةِ أسباب مقتلِه.
ألا يكفي فمي الذي يُهلّل لأمراء الحرب في السرّاء والضرّاء، ويُمجّد تجاوزاتهم الدستورية والقانونية والأخلاقية حتى يتمّ اتّهامي بارتكاب الجريمة.
ألا تكفي أصابعي التي أُغطّسها كلَّ بضعِ سنوات في حِبر التجديد لكثير من الحكّام، أفضل ما يمتهنونه إفساد عقول الشباب والمحافظة على شعلة الحرب الأهلية مضاءَةً في عقولهم، حتى تحت جناح حمامةٍ بيضاء، أو يدي التي تشتاق شهريّاً أن تستقرّ الليرة فيها بدل أن تستقرّ في المصارف أو جيوب سارقيها حتى أثبتَ جريمتي.
ألا يكفي أنّفي الذي أعتاد الرقص على رائحة النفايات والدواخين السوداء والتلوّث والإهمال، حتى تثبتَ التهمة عليَّ.
ألا تكفي عينِي التي تغضّ الطرفَ عن جبالٍ تلتهمها الكسّارات دون وجهِ حقّ أو أخلاق، وتتأمّل المالَ الأبيض الذي التهَم غالبية الشاطئ اللبناني حتى أكونَ مجرماً وقاتلاً.
ألا تكفي أذني التي لا أُشَغّل فيها سوى موجات التقاط الطائفية والتفرقة والتحريض والكراهية والانقسام حتى أكون المشتبَه الأوّل والأخير بارتكاب جريمةٍ رخيصة.
أنا لم أبلُغ الثامنة عشرة من عمري، يعني أنّني ولِدت بعد انتهاء الحرب الأهلية بأكثر من عشر سنوات، ولا أعرف صوت القنابل والرصاص ولا توجد في عقلي رائحة الرعب، ولا شيء من مخلّفات الحرب، ومع ذلك أجد نفسي أرضَع البشاعة ليلَ نهار من ثديِ طبقةٍ حاكمة حوَّلت على مرِّ السنوات كلَّ شيء في البلد إلى أرغفةِ أمراضٍ نفسية تُرغِمنا على تناولها ساخنةً مع أسخفِ الأشياء في البلد وأعظمِها.
أنا لم أختبر الحربَ الأهلية، ولا أحسدكم عليها أبداً، ولكن قبل قدومِ ساعة إعدامي التي بتُّ أشتهيها الآن أكثرَ من أيّ وقت مضى، أودّ أن أقول لكم إنه إذا كانت حربكم الأهلية مشمشاً على الشجر، فإنّ مخلّفاتها مربّى المشمش الممروغ في سندويشات أولادكم وبناتكم... إعلامُكم يُسطّح عقولَنا، ومدارسكم تفرّغ إبداعَنا، ودُور عبادتكم تعصر أرواحَنا، وسياسيّوكم يُفسدون أخلاقنا، ومبارياتكم تَقتل روحنا الرياضية، وزفتُكم حفر فينا بشاعته، وكسّاراتكم ومنتجعاتكم ومجمّعاتكم أفرَغت الذوقَ من صدورنا... لا تُخبرونا عن حربكم الأهلية، دعونا نحن نخبركم كيف حوّلتمونا إلى مجرمين متمرّسين بكامل حواسنا وأفكارنا وأهدافنا. مارستم العنفَ مع بعضكم لعشرات السنين، وأنجبتُم جيلاً يُـقصقص البزرَ بيَساره ويَرتكب الجرائم بيمينه.
وأنتَ يا محمد زهر، عندما تتقلّب في كفنِك داخل جبّانتِك لتسألَ الموت عن راحتك، إعرف أنّني أنا وأكثر من 4 ملايين لبناني قتلناك بدمٍ بارد، قبل أن نتابعَ تقليبَ خبر موتك على مواقع التواصل الاجتماعي لنعرفَ من سيفوز بالمونديال... اعذرنا يا محمد فقد قتلنا جمالَ روحِك ببشاعة عقولنا، وسامحنا لأننا قتلناك ومشينا في جنازتك.