تطرح اوساط ديبلوماسية واسعة الاطلاع على الوضع اللبناني، علامات استفهام حول اداء «حزب الله» في الداخل اللبناني في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة الجديدة، في ظل الاصوات التي علت بعد الانتخابات النيابية والتي تحدثت عن انتهاء مفاعيل ما بعد العام ٢٠٠٥، وان لا عودة الى المرحلة السابقة. كما تطرح علامات استفهام حول ما اذا كانت الضغوطات الاميركية على الحزب وايران في المقابل، مع ما يرافقها من عقوبات اتخذت واخرى منتظرة اكثر تشدداً، ستؤثر في الدفع في اتجاه توازن داخلي ما، على اساس ان ليس السلاح وحده له انعكاساته على العلاقات السياسية الداخلية والوضع الداخلي، انما هناك عوامل خارجية اخرى، وفي مقدمها ضرورة ابقاء لبنان في منأى عن الصراعات في المنطقة، والسعي لعدم خلق مشكلات في علاقات لبنان الخارجية كون الامر يؤثر في الاقتصاد وليس فقط في السياسة.
وتلاحظ الاوساط، ان الرئيس المكلّف سعد الحريري ليس في وارد اتخاذ مواقف داخلية حالياً، وفي مرحلة تشكيل الحكومة، وقد يكون السبب هو عزل موضوع التشكيل عن اي مشكلة اخرى في البلد، وتجنباً للعرقلة، وهو يعمل بشكل حثيث لانضاج تشكيلة حكومية متوازنة. لكن بعد التشكيل، تتجه الانظار الى مواقف الاحزاب والكتل النيابية، والتي كانت اساساً منضوية تحت لواء ١٤ آذار، وإلى دورها في التعامل مع القضايا المصيرية في البلد.
هناك تحديات كبيرة تواجه البلد. ففريق ١٤ آذار لم يعد موحداً كالسابق، ولا يمتلك النصف زائداً واحداً في المجلس النيابي حتى لو انحاز اليه الاشتراكي بالكامل. وتركيبة المجلس الحالية تبلورت بطريقة ان عدد الشيعة بقي بالكامل، وزيد عليه من الشخصيات الاخرى من طوائف مختلفة، لكنها مقربة من فريق ٨ آذار الشيعي. وفي الوقت نفسه، الانظار متجهة الى تركيبة الحكومة، والتوازن ليس مرتبطاً فقط بالحقائب. فضلاً عن ان تحديد نوعية المساعدين في المؤسسات الحساسة، لبلورة السياسات الخارجية والداخلية المعينة، يُعتبر في حد ذاته مؤشراً إلى التمسك بسيادية القرارات التي ستتخذ لاحقاً والتوازن المطلوب، والتمسك باللغة اللازمة في المحافل العربية والدولية، وألا يتم تمرير الكثير من المواقف.
وتلفت الاوساط، الى انه ليس بالضرورة ان يكون التصعيد السيادي مطلوباً، لكن التوازن ضروري لعدم انحراف البلد عن مساره. والنقاش بين الاطراف الذين كانوا يشكلون ١٤ آذار، يطال هذا الموضوع، تحت عنوان التوازن. وبلورة المواقف تجاه العالم تحتاج الى متابعة دقيقة لكل الملفات.
وتقول الاوساط، ان المرحلة المقبلة ليست سهلة، اذ هناك ميل من القوى القريبة من ايران والنظام السوري للانفتاح الرسمي على النظام. كما ان هناك موضوع النازحين السوريين وسبل التعامل معه، مع ان هذا يحتاج الى معالجة على مستويات دولية واقليمية وداخلية. ومع ان الوضع الاقليمي والسوري تحديداً، يلفه ضغط العقوبات الاميركية على ايران، والضربات الاسرائيلية لايران وللحزب في سوريا.
ومن خلال الخبرة الدولية مع ايران، فان ردة فعلها حيال التصعيد الدولي هي ان تواجه وان تعمد الى ان لا تتراجع، وطالما تتحمل تزيد من التصعيد لتجعل الطرف الآخر يتراجع. وهذا التكتيك يتبعه الحزب ايضاً في اطار استراتيجية متكاملة بين الطرفين وغير منفصلة.
لكن هل من المتوقع ان تضغط الدول بقوة على لبنان لبحث الاستراتيجية الدفاعية؟
تشير الاوساط الى ان موضوع النازحين السوريين، واقتصاد لبنان الذي يمر في مرحلة صعبة قد يشكلان عاملاً اساسياً وراء عدم ممارسة الدول ضغوطاً على لبنان لايجاد حل للسلاح غير الشرعي. وبالتالي، هناك تخوف من ان يؤدي اي ضغط حول ذلك الى وصول الامور الى خطر هجرة كبيرة من اللبنانيين والسوريين على حد سواء، لا سيما وان النازحين باتوا فاقدي الامل في اي شيء. وبالتالي، يخاف الاوروبيون من وصولهم الى بلدانهم، وفي هذا السياق وجدوا انفسهم امام ضرورة مساعدة الاقتصاد اللبناني. حتى انه لو لم يكن هناك وجود للمأساة السورية الانسانية في لبنان ومشكلة النزوح الى دول العالم، لكان يمكن ان يكون الاهتمام بلبنان اقل. ذلك انه كان هناك احتمال بأن يعمد المجتمع الدولي الى مواجهة ايران و«حزب الله» في لبنان، عبر وقف المساعدات له وللنازحين، وان يؤدي الامر الى انهيار اقتصادي، وان يتم احراج الحزب شعبياً، بأنه هو من اوصل البلد الى مرحلة كهذه. فكان الدعم الدولي للاستقرار وللاقتصاد وللامن والجيش، سلاحاً مواجِهاً لما يقوم الحزب ولو تم ذلك على خلفية دعم لبنان لمواجهة اعباء النزوح السوري اليه. وبالتالي لا تتوقع الاوساط، ان تضغط الدول بالشكل الكافي لايجاد حل للسلاح. مع الاشارة الى ان سياسة النأي بالنفس طبقت على مستوى الحكومة فقط. لكن ليس على مستوى الارض والافرقاء، حيث استمر الحزب في تدخله في سوريا.