حلّ المؤلف الموسيقي أسامة الرحباني ضيفاً على حلقة استثنائية من برنامج "كلمة طايشة" عبر أثير "إذاعة لبنان" مع الزميلين جوزف طوق ورنا أسطيح. وتحدّث الرحباني للمرّة الأولى عن كواليس الصورة التي جمعته بالفنان زياد الرحباني، كما استعاد محطات بارزة من مشوار الأخوين رحباني خلال الحلقة التي تزامنت مع ذكرى رحيل عاصي الرحباني والتي تصادف يوم عيد الأب، فاسترجع كذلك صورة منصور الرحباني الفنان والأب، مطعّماً المقابلة الشائقة بكلماته المؤثرة وذكريات عالقة في الأذهان.

 

وتحدّث رئيس "مجلس المؤلفين والملحنين في لبنان" المؤلف الموسيقي أسامة الرحباني عبر برنامج "كلمة طايشة" عن إرث الأخوين رحباني ومسارهما الفني والانساني الذي يتقاطع مع ظروف حياتية صعبة جعلتهما يغرفان من الوجع ليبدعا ويصنعا مجدا ً لا يزول.

 

وعند سؤاله عن لقائه بالفنان زياد الرحباني والصورة التي جمعتهما وشغلت الناس وعما إذا كان سينتج عن هذا اللقاء تعاون فني بينهما، أجاب اسامة: " هذا اللقاء سيكون الأوّل في سلسلة لقاءات ستتعدّد بيني وبين زياد. وانشاء لله سينتج عنها عدّة أمور. المهم أنني جلست مع زياد واطمأنيت إلى حاله وتناقشنا سوياً في مسائل كثيرة. ومع الوقت سنرى انشاء الله أموراً أخرى أكثر بيننا"، رافضاً ان يحدد طبيعة التعاون المرتقب ومكتفياً بهذا القدر من التفاصيل.

 

وعن حال زياد الذي يشتاق اليه الناس، قال: "زياد بحال ممتازة... وسيكون عظيماً في افتتاح مهرجانات بيت الدين".

 

وفي حوار يزخر بالذكريات واستعادة لمحطات الألق والإبداع في مشوار الاخوين رحباني، قال: "من البدايات، ظهر الأخوان بنَفَس مختلف لا يُشبه السائد، وعكسا بفنهما ظلم الشعب والمشاكل الحياتية، إضافةً إلى أنهما غرفا من الطبيعة التي تأملاها لسنوات والمحيط الذي عاشا فيه والمناخ الذي تشرباه. هذه الينابيع غزّت أفكار الأخوين، إلى جانب الفقر الذي عاشاه".

 

وأشار إلى أنه لا ينسى الجملة التي كان يقولها له والده الراحل منصور الرحباني: "اللي ما عندو عِقَد ومشاكل ما بيقدر يبرهن شي بالحياة ويللي عايِش بالورد ما راح يوصل لمطرح".

 

وشرح أسامة أن "الانسان يعكس حالات معينة يريد التخلص منها". وأشار إلى أن "عاصي في عمر الـ19 ومنصور في عمر الـ17 حملا همّ العائلة بعد وفاة والدهما ودخلا ميدان العمل باكراً لإعالة العائلة. ولفت إلى تغيير بطاقة هوية والده لزيادة عُمره كي يتمكّن من الانتساب إلى الأمن العام".

 

وقال: "الفارق العمري بين الأخوين هو سنة و11 شهراً، ومنصور منذ فتح عينيه على الحياة عام 1925 كان مرافقاً لعاصي إلى حين وفاة عاصي في 21 حزيران 1986". ولفت إلى أن "الأخوين جُبلا من بعضهما، تشاركا الهموم والتأملات نفسها، فكانا مُكمِّلين بعضهما لبعض".

 

ورأى "اننا لن نشهد هذه الظاهرة في التاريخ، أن يمحي شخص نفسه ليندمج بالآخر وأن تكون المحبة الرابطة بين الاثنين كبيرة إلى هذه الدرجة. ولن نجد شخص يستوعب الآخر، كما استوعب كلّ من الأخوين الآخر".

 

وعما يوصف بانه وطن الأخوين المثالي في سماته، أوضح أن "كلّ مسرحيات الأخوين تنتهي بمأساة كبيرة، إلا أن الأخوين يوصلان المشاهد أو المستمع إلى المأساة وهو يضحك. كل المسرحيات تحكي عن أشخاص يتمتعون بالطيبة، لكنها تضمّ أيضاً شخصيات سيئة ورديئة".

 

وأشار إلى أن "شخصيتي سبع ومخول استوحاها الأخوان من وسط المتن والشوف وكسروان، ومن اللبناني الذي لا يهتم للآخر ولا يسأل عن شيء وهمه الوحيد هو نفسه. عاصي ومنصور وصفا مجتمع بكامله، لكن ما بقي في أذهان الأكثرية هو الأغنيات. إنما إن استمعنا إلى الأغنيات بموقعها في المسرحيات نكتشف مآسي الأخوين رحباني".

 

ولفت أن "الأخوين رحباني كانا طليعيين ووصفا الحرب اللبنانية قبل أن تحدث، ولم يطرحا وطناً مثالياً، وسأل: من يريد أن تكون بلديته شبيهة ببلدية أوسلو أو ستوكهولم، هل نقول أنه يحلم"؟

 

وأشار أسامة إلى أنّ غالبية مسرحياته عمل عليها مع والده الراحل منصور الرحباني، وقال: "أنتجت هذه المسرحيات وشرف كبير لي أن اسمي ترافق مع اسم منصور الرحباني، ما أضاف الألق على هذه الأعمال، فمنصور الرحباني كان متجدداً وأشبهه ببيكاسو في تجدد حقباته الفنية"...

 

وعن أسباب غيابه وأخويه غدي ومروان عن الأعمال المسرحية الغنائية في السنوات الأخيرة، قال: "نحن في انتظار المنتجين"، مشيراً إلى "اننا نفقد الشريحة الشعبية التي تهتمّ بالمسرح فالطبقة الوسطى التي تُشجِّع المسرح انعدمت، ولبنان مُكوّن اليوم من طبقة مُعدمة فقيرة تهتم بتدخين النرجيلة والتخلص من همومها والطبقة الغنية التي لا يعنيها المسرح". وكشف أنه يعمل على مسرحية كبيرة ضخمة، آملاً أن تُنفّذ، ورأى أن "التقصير منّا ومن الناس ومن المنتجين، وبسبب عوامل وظروف عدة".

 

وإذ ذكّر بأن الأخوين رحباني وفيروز جوبهوا بالرفض في بداياتهم لأن الناس من الصعب أن تكسر ما هي معتادة عليه وأن تتقبّل الجديد، أشار إلى أنه جازف بدوره مع الفنانة هبة طوجي وقدّم ما هو جديد ومختلف وقال "جزفتُ ونجحت".

 

وقال: "تعلّمت من الأهل كلّ ما هو مرتبط بالضمير والمهنية والاحتراف والثقافة، وخصوصاً في بيت منصور حيث مستوى الثقافة والقراءات عالٍ، إلى جانب الجدال الثقافي الفكري الراقي. لذلك لا يعنيني تفكير الآخرين، بل أفكر فقط بتقديم الموسيقى التي أحبها إلى الناس". وأضاف: "كثيرون انتقدوا، لكن هبة اليوم تقف على المسارح العالمية".

 

أما بالنسبة إلى تميُّز ونجاح شارة مُسلسل "طريق" بصوت الفنانة هبة طوجي، وكلمات غدي الرحباني وألحان أسامة الرحباني، أشار أسامة إلى أنه عمل في مجال الموسيقى التصويرية في عدد من المسلسلات سابقاً، وقال إن هذه الشارة تمّ العمل عليها وفق الأسلوب الغربي العالمي وأنه قدّم فيها موسيقى جديدة أيضاً، مركزاً على أن إحساس هبة وصوتها مختلفين ومتميزين بدورهما.

 

وعن الحفلات المُقبلة لأسامة الرحباني وهبة طوجي، أشار إلى أنهما سيشاركان بعد نجاح الحفل الكبير مع أوركسترا سمفونية في مصر، بحفلٍ في مهرجان موازين في المغرب، يليه حفلات في تونس وقرطاج وحمامات. ومن ثمّ تغادر هبة في 4 تموز المقبل إلى كندا لمدة 3 أشهر حيث ستُعرض مسرحية "Notre-Dame de Paris"، وتنتقل بعدها في جولة عالمية إلى لندن وروسيا والصين وكوريا وغيرها من البلدان.

 

وبسبب هذه الجولة وضيق الوقت لن تشارك طوجي هذا العام في المهرجانات الدولية الصيفية في لبنان.

 

وقال أسامة في ذكرى عاصي الكبير: "أحيي هذا البركان المتألّق على كل الأصعدة، الذي لم يكن يستريح أو يستكين. يخرج ومنصور من الصباح الباكر من المنزل ولا يعودان قبل الليل. وكانوا يُسمون مكتب عاصي حيث كان يجتمع الشعراء والمفكرين والمثقفين وتدور الأحاديث والجدالات بـ"مطعم الأخوين رحباني".

 

وقال لعاصي: "ستبقى يومياً في فكرنا فلقد تشربنا وتعلمنا الكثير منك ونذكر كل لحظة جلسنا فيها معك ولا نُفرِّط بكلّ ما قدمته". وبمناسبة عيد الأب، قال لوالده منصور: "أفتقدك كثيراً وأقبّل الكرسي حيث كنت تجلس يومياً، وما زالت رائحتك عليها". وأضاف: "في لحظات تخلو من المنطق أتجه حيث كان يجلس لأسأله عن موضوع معيّن فأكتشف أنه ليس موجوداً"!