كان من الطبيعي ان تتعقد أكثر عملية تشكيل الحكومة بعد حرب البيانات والمواقف بين الرئيسين المعنيين ميشال عون وسعد الحريري والقوى السياسية المتناحرة على الحصص والحقائب والمناصب، ما خلق تموضعات سياسية جديدة بعضها ناتج عن حصيلة الانتخابات النيابية وتحالفاتها، وبعضها ناتج عن تركيب اكثريات سياسية هنا وهناك بهدف القبض على ناصية الدولة والادارة وتسويق افكار ومشاريع لهذا الطرف او ذاك، وكل ذلك بحجج دستورية وقانونية واعراف اتُّبِعَت سابقا ويجري الان التمسك ببعضها والتخلي عن البعض الاخر، فيما البلاد والعباد تتخبط في ازماتها والمجتمع الدولي ينتظر من لبنان خطوة الى الامام لتنفيذ الوعود التي حفلت بها مؤتمرات الدعم في روما وباريس وبروكسل.
وحسب مصادر وزارية مشاركة في اتصالات تشكيل الحكومة، فإن تصعيد المواقف مؤخرا ادى الى فرملة الاتصالات خلال اليومين الماضيين، بانتظار مبادرة ما من طرف ما، وربما تعود للانطلاق في حال حصول اللقاء بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري المرتقب اليوم بعد اتصال الحريري امس برئيس الجمهورية حيث اتفقا على اللقاء، في وقت أكدت المعلومات أن زيارة وزير «القوات اللبنانية» ملحم رياشي الى قصر بعبدا نجحت في تأكيد مفاعيل «تفاهم معراب» واعطائه جرعة حياة جديدة.
ولكن مشاورات تشكيل الحكومة انتجت تحالفات جديدة - قديمة بين قوى تيار المستقبل والحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية من جهة، وبين التيار الوطني الحر و«حزب الله» وبعض حلفائه من جهة اخرى، بينما يقف الرئيس نبيه بري منتظرا ومتفرجا في الوسط مع بعض الحلفاء بعدما ملّ من توجيه النصائح واعطاء الافكار والمقترحات، فيما نعى طرفا «تفاهم معراب» هذا التفاهم ويكاد الجميع ينعي رسميا ما وصف بالتسوية الرئاسية، التي كانت مهمتها الاولى والاساسية الخروج من الشغور الرئاسي وتشكيل حكومة جديدة وانتخاب مجلس نيابي جديد، ويبدو ان هذه التسوية حققت اهدافها وبات لزاما على الاطراف المعنية المشاركة بها التفاوض على انتاج تسوية جديدة في بلد قام على التسويات لا الحلول الجذرية والناجعة للازمات.
ولعل التفاوض القائم حول تشكيل الحكومة سيكون مدخلا للبحث في عناوين وتفاصيل التسوية الجديدة، قد لا يكون العامل الداخلي وحده العنصر الحاسم فيها، في حال تأكدت تحليلات ومعلومات بعض الاطراف بوجود ضغوط خارجية على لبنان وعلى الرئيس الحريري بشكل خاص للسير في توجهات معينة لتشكيل الحكومة، برغم النفي المستمر للحريري بوجود هذه الضغوط. ومن هنا يذهب بعض المتابعين للوضع الى توقع اعتذار الرئيس المكلف عن تشكيل الحكومة اذا لم يستطع فرض الحكومة التي يرى ان فيها مصلحة عامة وتوافق الضرورة الذي يحتاجه بشدة، او فرض حكومة امر واقع لا يمكن ان يُصدر رئيس الجمهورية مراسيم تشكيلها ما لم يوافق عليها بالكامل.
وقد باتت اطراف التسوية الجديدة معروفة بموجب الاصطفافات السياسية الجديدة التي تولدت خلال اتصالات ولقاءات السعي لتشكيل الحكومة، لكن على ماذا سترسو هذه التسوية؟ هذا هو السؤال الذي لن يجد جوابه الا عبر شكل الحكومة المقبلة وتوزيع الحصص والحقائب فيها على القوى السياسية، ومضمون بيانها الوزاري. ولعل التوافق على مضمون البيان الوزاري لن يكون اقل اهمية وصعوبة من عملية تشكيل الحكومة، حسب رأي مصادر نيابية، والذي قد يأخذ الاتفاق حوله ايضا وقته المحدد دستوريا وهو شهر بعد تشكيل الحكومة. وهو سيكون من ضمن بنود التسوية الجديدة اذا تمت ضمن المهلة المعقولة.