بعد مرور قرابة الشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل حكومة العهد الأولى، تراجعت عقارب التأليف إلى ما قبل المربع الأول، علی حدّ تعبير مصدر سياسي مواكب للمشاورات والاتصالات الجارية بين الرئيس المكلف وبين رئيس الجمهورية من جهة، وبين الرئيس المكلف والقوى السياسية الأساسية من جهة ثانية، وبدت صورة المشهد السياسي العام سوداوية إلى درجة دفعت المصدر نفسه إلى القول بأن الامور تسير بسرعة فائقة نحو أزمة حكم، طويلة الأمد.
ويعتبر المصدر نفسه ان البيان الذي أصدرته رئاسة الجمهورية قبل يومين، نسف كل الآمال التي عقدها الرئيس المكلف على تعاون رئيس الجمهورية مع المساعي الذي يبذلها لتذليل العقبات من طريق التأليف والوصول إلى تفاهمات مبنية على التسوية السابقة بين كل الأطراف المعنية على الساحة الداخلية تنتج حكومة وفاق وطني تعكس إرادة اللبنانيين بضرورة تمتين الساحة الداخلية، في وجه التحديات الخارجية التي ما زالت تعصف بالمنطقة، ولها تداعيات خطيرة على الساحة اللبنانية في حال لم يعرف المسؤولون اللبنانيون كيف يتصدون لها بجبهة موحدة، تعكسها وتعبّر عنها حكومة وفاق أو وحدة وطنية.
ويضيف المصدر السياسي أن بيان رئاسة الجمهورية شكل صدمة قوية ليس للرئيس المكلف وحده، بل لكل القوى السياسية الأخرى التي كانت تتوقع ان يكون رئيس الجمهورية العامل الأساسي للتقريب بين وجهات نظر الأطراف المعنية بتشكيل الحكومة للوصول إلى قواسم مشتركة، تُسرّع في اطلاق عجلة التأليف وطي هذا الملف، لأنه بالمواقف التي اعلنها نسف اتفاق الطائف الذي حدّد صلاحية رئيس الجمهورية بالنسبة إلى تشكيل الحكومة، وحصرها بأمرين، هما إصدار مرسوم التأليف والثاني الطلب من الرئيس المكلف بالتشاور معه في تأليف الحكومة، علماً بأن هذا الطلب لا يعني اشراك رئيس الجمهورية في التأليف ولا في توزيع الحصص على القوى السياسية، على اعتبار ان هذا الأمر منوط بالرئيس المكلف من الاكثرية النيابية وبناء على المشاورات التي يجريها مع الكتل النيابية، ولم يأت الطائف، ولا الدستور المنبثق عنه على أية حقوق لرئيس الجمهورية كحق تسمية نائب مجلس الوزراء، أو حق ان تكون له حصة في الحكومة يختارها هو ويفرضها على الرئيس المكلف، فمثل هذا الأمر يعد، حسب المصدر السياسي، تجاوزاً لصلاحيات الرئيس المكلف التي نص عليها الطائف ودستوره، ومن شأنه ان يُعيد البلاد الى ما كانت عليه قبل الطائف حيث أعطى الدستور آنذاك رئيس الجمهورية حق اختيار الوزراء وتسمية رئيس الحكومة من بينهم.
المصدر نفسه يضيف ان هذا الموقف من رئيس الجمهورية عكس عمق الأزمة التي تمر بها البلاد اليوم، وارخى على المشهد السياسي العام ظلالاً سوداء تحمل معها تطورات سلبية على الوضع العام، وتزيد الاعتقاد الذي يسود عند فريق من السياسيين بأن العهد وحزبه مصممان على الانقلاب على الطائف وإعادة ترتيب الوضع الداخلي وفق ما بدأوا يجاهرون به في كل المناسبات وذلك تحت عنوان استعادة حقوق المسيحيين، كما كانت عليه قبل اتفاق الطائف، والذي حدّد بشكل صريح صلاحيات كل من رئيسي الجمهورية والحكومة، وقد عبر بيان كتلة تيّار المستقبل التي اجتمعت أول من أمس برئاسة الحريري ولو بطريقة دبلوماسية هادئة، عن موقف حازم وحاكم مما صدر عن رئاسة الجمهورية، مروراً بما صدر عن التيار الوطني الحر ورئيسه وزير الخارجية جبران باسيل.
الرئيس المكلف، كما يقول المصدر نفسه، اعتقد بادئ الأمر ان العقبات تقف عند توزيع الحصص والحقائب والاحجام، وهي قابلة للحل عبر الاتصالات والمشاورات فإذا ببيان رئاسة الجمهورية يُؤكّد ان الخلاف أكبر مما يراه الرئيس المكلف، لأنه يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية ودوره في اختيار الوزراء وتوزيع الحصص وتمسكه بهذا الدور، الأمر الذي اشاع هذا الجو التشاؤمي عند معظم القوى السياسية والرأي العام اللبناني.
وإذا كانت هذه المسألة، ستكون محور نقاش معمّق في الاجتماع الذي اتفق الرئيسان عون والحريري على عقده اليوم في بعبدا خلال اتصال اجراه الأخير برئيس الجمهورية أمس على أمل إيجاد تسوية لها تؤمن قيام الحكومة يتوفر فيها عنصر التوازن الوطني، إلا ان أكثر من مصدر سياسي متابع يستبعد أن يسفر اجتماع اليوم عن أية نتيجة إيجابية تشي بإمكانية الخروج من مأزق التأليف.