مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري انتهى عهد الرئيس القوي وما شهدنا من بعده رؤوساء حكومات يشبهون الحريري الأب بشيء فضعف الموقع وهزُلت الحكومة بحيث لم تتمكن الحكومات المتعاقبة بعد الشهيد أبي بهاء من إزالة أزمة واحدة سواء في الخدمة أو في السياسة وهذا ما كدّس من ملفات الأزمات في لبنان وجعل من بعضها ملفات مستعصية على الحلول.
بدأ الرئيس سعد الحريري ورثته السياسية والحكومية قوياً لاستناده لإرث كبير ولفريق لبناني متسلح بأكثرية نيابية وشعبية وسُرعان ما سقط عن حصان القوّة ليصبح في هذه المرحلة من تأليف الحكومة أضعف بكثير ممن كانوا رؤوساء ضعفاء هزُلت معهم الحكومات حتى بات الوزير فيها أقوى بكثير من رئيس الحكومة.
ثمّة من يُدرك الهوّة القائمة الآن بين الرئاسات الثلاثة وبين رئيس الحكومة والوزراء حتى بات التشكيل الحكومي بيد غير يدّ المكلف نتيجة خلل في التوازنات وفي ميزان القوّة والقوى وهذا ما أحبط فريقاً من اللبنانيين شعروا بفراغ المسؤولية من سلتهم السياسية والطائفية خاصة وأن هناك من يصرّح لا يومياً بل كل ساعة عن الطائفة القوية والكتلة الأقوى والتي تستدعي أخذ الحصّة السياسية الأكبر تماشياً مع حجمها وسعة نفوذها وضروة الحكم التي تستدعي حماية أكثرية ضماناً لموقع يتحصّن بقوّة الرئيس.
إقرأ أيضًا: ماراتون حكومي بين بعبدا وعين التينة فهل يكسب سعد قصب السبق؟
لقد أظهرت الساحة السياسية الخالية من منافسين أقوياء وزيراً برتبة رئيس تمكّن من حشد المسيحيين من جديد خلف مشروع التيار الطائفي القوي ومن تثبيت دوره كشريك فعلي وأساسي ولا امكانية لتجاوز تيّاره وقد حصر مسؤولية السلطة في دوره داخل الطائفة وداخل الدولة حتى بات الفيصل في كل استحقاق والمنسق القادر على إحقاق الأمور وفق قواعده الخاصة والشخصية لا وفق قواعد الآخرين مهما كان وعلا شأن الآخرين.
حتى اللحظة يبدو أن الوزير جبران باسيل هو المفتاح الحكومي ولا امكانية لدخول الحكومة دون هذا المفتاح فهو قد وضع سقوفاً وشروطاً للتشكيل الحكومي ويبدو أن الالتزام بها هو من أخّر الرئيس المكلف عن إعلان الحكومة من سقف التمثيل المسيحي الى التمثيل الدرزي الى توزيع الشنط الحكومية وفق أولويات التيّار.
لقد واجه باسيل حيتان السياسة في لبنان وتمكّن من اللعب في بحورهم ولم يتمكنوا هم من اللعب في الساحة المسيحية كما كانت الأمور قائمة من قبل وهو يعالج السياسة الرسمية وفق قناعاته دون العودة للمسؤول الحكومي وكانت حيويته الخارجية في تحويل الاغتراب كصندوق انتخابي للتيّار اعتماداً على الحكومة علامة حصرية له كما أن فتحه للبوابة الحدودية مع سورية دون العودة لرئيس الحكومة علامة حصرية له أيضاً كما أن قضاءه و حكمه في ملف السوريين وتسريع ترحيلهم الى سورية دون التشاور مع المعني الحكومي أو مع الجهات الدولية علامة من هذه العلامات التي نالها جبران بقوّة الدور الذي يلعبه في ظل ضعفاء لا حيلة لهم.
لولا القوّات اللبنانية برئاسة الحكيم لبلع جبران أكبر كمية من الماء اللبنانية وحده سمير جعجع يغصّص الوزير باسيل في ما يشرب من حليب السباع وهو الشوكة الوحيدة في عين التيّار فللقوات حصّة سياسية فرضتها نتائج الانتخابات النيابية ولها الحصّة الشعبية الأكبر في الوسطين الماروني والمسيحي في صفوف الشباب كما انها تحمل ورقة التفاهم مع رئيس الجمهورية كحق مكتسب لشراكة الحكيم في الحكم وتستند في مواجهتها للخصماء على بُعد عربي وسعودي تحديداً كرّس القوّات كحليف ثابت للمملكة وليس باستطاعة أحد تجاوز دور ببعدين شعبي وعربي .