«طالما أنه لا توجد إمكانية للمسّ بمرجعية الأحوال الشخصية، ستبقى النساء اللبنانيات غير محصنات، ومواطنات من الدرجة الثانية. وسيبقى العنف شائعاً ضد النساء». يختصر تعليق «التجمّع النسائي الديمقراطي» هذا، أمس، على حادثة انتزاع القوى الأمنية أحد الأطفال من حضن أمه تنفيذاً لقرار المحكمة الشرعية السنية، واقع النساء في ظل القوانين الدينية للأحوال الشخصية. هذه الحوادث التي تتكرر ليست إلا دليلاً على ضرورة إعتماد قانون مدني موحَّد للأحوال الشخصية يحفظ حق الطفل، الضحية الأولى لخلاف الأهل.
قبل نحو أسبوع، أقدم عناصر من قوى الأمن الداخلي على «اقتحام» منزل ميساء منصور، بحجّة تنفيذ قرار قضائي يقضي بسجنها بسبب رفضها تسليم ابنها البالغ من العمر عشر سنوات إلى طليقها تنفيذاً لقرارات المحكمة الشرعية السنيّة. حينها، عمد العناصر إلى خلع باب المنزل و«اختطاف» الطفل بهدف تسليمه لوالده، مُسبّبين نوبة هلع لديه. على الأقل، هذا ما أوحى به شريط الفيديو المُصوَّر الذي ظهر فيه الطفل وهو يصرخ رافضاً ترك أمه التي يعيش معها منذ عشر سنوات.
الشريط المصوّر أثار استياء كثير من الناشطين والناشطات الذين لم يعمدوا إلى إعادة فتح ملف مظلومية النساء التي تُرسيها نماذج عدة من القرارات القضائية التي تصدرها المحاكم الدينية فقط، بل ذهبوا إلى فتح نقاش يتعلّق بحقوق الأطفال التي تتهددها خلافات ذويهم، في ظل غياب قانون مدني موحَّد للأحوال الشخصية. وعقد «التجمّع النسائي الديمقراطي» مؤتمراً صحافياً أمس، في مبنى نقابة الصحافة، لعرض رواية الأم والوقوف على المخالفات الكثيرة التي رافقت تطبيق قرارات المحكمة الشرعية.
ولعلّ المُفارقة الكبرى في القضية هي عدم تبلّغ الأم رسمياً قرار المحكمة بوجوب تسليم الطفل تحت طائلة الحبس، وفق ما أكّدت وكيلتها المحامية غادة نيكولاس لـ«الأخبار»، مُشيرةً إلى أن والدة الطفل تبلغت قرار إسقاط الحضانة ووجوب تسليمه فقط، وهي كانت في صدد ذلك قبل أن تفاجأ بعناصر القوى الأمنية.
منصور أوضحت لـ«الأخبار» أن ابنها رفض الذهاب إلى أبيه بعد صدور قرار إسقاط الحضانة، مؤكدة وجود تسجيلات تُثبت تعهّدها بتسليم الطفل بعد إقناعه والحديث معه، نظراً إلى تعلّقه بها، لكونه يعيش معها منذ ولادته (الزوجان كانا على خلاف منذ أن كانت الأم حاملاً).
ويخالف ذلك ما صرّح به مأمور التنفيذ الذي أفاد في المحضر الرسمي بأن والدة الطفل تمنّعت عن تسليمه، ما أدّى إلى استصدار قرار قضائي بوجوب التسليم تحت طائلة الحبس. هذه المخالفة دفعت الأم إلى تقديم شكوى جزائية ضد مأمور التنفيذ بجرم تزوير محضر رسمي.
إلى ذلك، ثمة مخالفات عدة جرى تفنيدها خلال المؤتمر تتعلّق بتنفيذ القرار القضائي الصادر عن المحكمة. فالأخيرة أصدرت في 30 نيسان الماضي قراراً بإسقاط حق الأم في حضانة الطفل وإعطائه لطليقها، علماً أن المادة 15 من قانون الحضانة تنصّ على انتهاء مدة الحضانة لدى الأم «متى ما أتمّ الصغير أو الصغيرة الثانية عشرة من عمرهما بالسنين الشمسية».
وبحسب «الاتحاد اللبناني لرعاية الطفل وشبكة حقوق الأسرة»، أتت طريقة تنفيذ الحكم مخالفة لبنود اتفاقية حماية حقوق الطفل التي أبرمها لبنان من دون تحفّظ، لجهة اللجوء إلى القوى الأمنية لتنفيذ الحكم وترويع الطفل باقتحام منزله بالقوة المُفرطة. واللافت ما أشار إليه المؤتمرون من أن تنفيذ الحكم حصل خلال عطلة رسمية، إذ صادف أول أيام العيد. وأشارت نيكولاس في هذا الصدد إلى المادة 16 من الفصل الرابع المتعلّق بالحضانة في القانون الشرعي، والتي تنصّ على أنه في حال انتهاء مدة الحضانة قبل انقضاء العام الدراسي للطفل، «فإنّها تُمدّد حكماً حتى نهاية العام الدراسي. وهذا لم يحصل في حالتنا. إذ طلب تنفيذ إسقاط الحضانة والتسليم للوالد في وقت امتحانات الطفل المدرسية».
سرد هذه المعطيات يأتي في سياق طرح مسألة مصير الأولاد، ضحايا خلافات ذويهم، في ظلّ غياب قانون مدني للأحوال الشخصية يدرس كل حالة على حدة لتجري دراسة القضية وإصدار الحكم لمصلحة الطفل أولاً.
المحكمة السنية برّرت قرار إسقاط الحضانة بـ «عدم أهلية الأم»، إلا أنها رفضت فتح المحاكمات والتوسع في التحقيقات المتعلقة بالشكاوى المقدمة من الوالدة في شأن النفقة وغيرها. إذ إنّ الأم سبق أن قدمت شكاوى ضد طليقها للاستحصال على نفقة من دون أن تلقى تجاوباً. وسبق أن طلبت تنحّي القاضي عن القضية، إلا أن ذلك لم يحصل.
قرار تنفيذ إسقاط الحضانة يخالف القانون لجهة وجوب انتظار انتهاء العام الدراسي للطفل
وتنص المادة 25 من قانون الأحداث على أنه يحق لقاضي الأحداث أن يتّخذ لمصلحة الحدث تدابير الحماية إذا وُجد في بيئة تُعرضه للاستغلال أو تهدد سلامته أو أخلاقه. وكانت منصور قد تقدّمت في 1/5/2018 بملف حماية سجل لدى محكمة الأحداث في بيروت برقم 20/2018 وأرفقت بطلبها عشرات المستندات التي تثبت واقعة الضرب الذي تعرضت له مع طفلها ومدى أهلية الوالد لرعاية الطفل، إلا «أن محكمة الأحداث ردت الدعوى المذكورة من دون أي اطلاع على المستندات المرفقة بها»، وفق ما أكّد التجمّع.
العارفون بالملف يرون أن تقيّد القضاء المدني بمقررات المحاكم الدينية، يطرح تساؤلات عن مدى إمكانية إنصاف النساء والأطفال في المحاكم الدينية.
حالياً، استأنفت منصور الحكم، لكن المحكمة ردّت طلبها المتعلق بتنفيذ قرار إسقاط الحضانة وتسليم الطفل. ولفتت الأم الى أنه يجري التعاطي مع القرار كحكم مبرم لا يخضع لإعادة النظر. وفي هذا الصدد، رأى «التجمّع» أنه «طالما لا توجد إمكانية للمسّ بمرجعية الأحوال الشخصية ستبقى النساء اللبنانيات غير محصنات، ومواطنات من الدرجة الثانية. وسيبقى العنف شائعاً ضد النساء والفتيات، وستبقى الثقافة التمييزية فاعلة في حياة النساء ومتحكمة بمنظومتنا التربوية والتربوية والتعليمية».
الجدير ذكره أنه بعد انتشار الفيديو وتفاعل قضية الأم وولدها، عمدت المحكمة الشرعية السنية إلى تغريم الأم بسبب طلبها السابق المتعلّق بتنحية القاضي الشرعي، ما طرح تساؤلات عدة عن «استفاقة» المحكمة على الطلب المقدّم منذ أسابيع.