تراجع منسوب التفاؤل بقرب ولادة الحكومة. على الأرجح أن هذا الاستحقاق على أهميته قد يكون مؤجلاً في المرحلة الحالية، لاسيما أنه يقترن بانقسام سياسي يذكّر بالانقسام العمودي بين قوى 14 و8 آذار، خصوصاً في ظل اصطفاف رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إلى جانب القوات اللبنانية والحزب التقدّمي الاشتراكي. كرة الاتهامات المتبادلة يتقاذفها الطرفان، إذ إن المستقبل والاشتراكي والقوات يحمّلون رئيس الجمهورية ميشال عون والتيار الوطني الحر مسؤولية عدم تشكيل الحكومة بشكل سريع بسبب المطالب التي يفرضانها، وأبرزها المطالبة بثلث معطّل. فيما الرئيس والتيار يعتبران أن مطالب القوات والاشتراكي غير واقعية ولا يمكن القفز فوق نتائج الانتخابات لتلبيتها.
لا ينفصل هذا الانقسام عن الوضع السياسي في المنطقة بشكل عام. إنها معارك الحصول على الأثلاث، ضامنة كانت أم معطّلة. وفي موازاة مطالبة التيار الوطني الحر بحصته وحصة الرئيس بأن تكون 11 وزيراً، أي الثلث المعطل بشكل منفرد، يبذل الثنائي الشيعي مساعي للحصول على 11 وزيراً مع الحلفاء ليكون لديه ثلث معطّل. يتجلى ذلك في الحصول على 6 مقاعد شيعية، والمطالبة بوزيرين لتحالف المردة، ووزيرين سنيين لقوى الثامن من آذار، بالإضافة إلى وزير درزي.
يقف الرئيس الحريري بين المنزلتين رافضاً تكريس أي عرف، ورافضاً أي محاولة لتكبيله وتكبيل عمل حكومته. وهناك من يربط رفع أسقف الشروط وتقارب القوات والمستقبل والاشتراكي بما يجري في المنطقة. إذ لا يريد الحريري الاستناد إلى هؤلاء لموقف يحميه فحسب، بل يلتقي أيضاً مع مطالبات دولية بشأن ضرورة تشكيل حكومة متوازنة بين القوى السياسية، لا تكون الغلبة فيها واضحة لحزب الله وحلفائه، خصوصاً أنها حين تتشكل فكل المعطيات تفيد بأن ولايتها ستكون طويلة. لذلك، هناك من يفضّل التريث في عملية التشكيل.
وإذا حيّدت عملية تشكيل الحكومة جانباً، ثمة استحقاقات أساسية ينتظرها لبنان، وقد تبدأ بالظهور في الفترة القليلة المقبلة، بعد انتهاء قائد الجيش جوزيف عون من زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية، التي سيلتقي فيها كبار القادة العسكريين في الجيش الأميركي. وسيلتقي بمسؤولين من وزارتي الخارجية والدفاع. وتكتسب الزيارة من حيث التوقيت والجوهر أهمية بارزة، خصوصاً أنها ستبحث مسألة تفعيل المساعدات للجيش اللبناني، وسط اتفاق دولي واسع بين قوى متناقضة كالروس والأميركيين، على ضرورة تعزيز دوره، في مختلف المناطق الحدودية، لاسيما في الجنوب والبقاع. ولا تنفصل الخطّة الأمنية المزمع تنفيذها في البقاع عما يجري، خصوصاً في ضوء إقفال الروس من الجهة السورية للحدود كل المعابر غير الشرعية التي كان يستخدمها مواطنون عاديون أو مهربون، أو مقاتلون للانتقال من لبنان إلى سوريا وبالعكس.
مسألة الحدود الجنوبية ستكون أولوية على جدول أعمال لقاءات قائد الجيش، لاسيما الحدود البرّية والبحرية. هنا، ثمة من يربط ما يجري في جنوب سوريا وصفقة القرن بما سيجري في جنوب لبنان. لكن هؤلاء يؤكدون أن حزب الله حقق إنجازات متعددة في هذا المجال، تتمثل بفرضه شروط معادلاته السياسية التفاوضية، أو حتى العسكرية، عبر تشكيله قوة ردع قائمة على مبدأ الضربة مقابل ضربة. وهذا قد يبعد شبح حصول عمليات عسكرية في جنوب لبنان رغم الاستنفار القائم. وحتى الذهاب إلى مفاوضات جدية في المرحلة المقبلة من أجل انجاز الترسيم، فإنه لن يخرج كثيراً عما سيفرضه حزب الله. فيما هناك من يعتبر أن الموقف الرسمي اللبناني أيضاً فيه نوع من التضارب. إذ إن هناك من يؤيد السير بالمقترح الأميركي، استعجالاً لسحب فتيل التوتر وللذهاب إلى التنقيب عن النفط في الوقت المحدد.
هذه المواضيع كانت مدار بحث خلال زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى لبنان، لاسيما نطاق عمل اليونيفيل في الجنوب، وكيفية تسوية الحدود. وهذا ما سيكون مدار بحث للعديد من الموفدين الأميركيين الذين سيزورون لبنان في الأيام المقبلة. وسيكون محطّ اهتمام أوروبي، عبر زيارة مزيد من المسؤولين الأوروبيين، يتردد أن من بينهم وزيرة الدفاع الفرنسية في الشهر المقبل، للبحث في دعم الجيش وتعزيز سلطاته وصلاحيات عمله في المناطق الحدودية. كما أن الروس غير بعيدين عن هذه المعادلات. عنوان المرحلة المقبلة سيكون ترسيم الحدود الجنوبية والشرقية. وهذا ما سيحدد وجهة التطورات السياسية المحلية المنعكسة من تطورات خارجية.