لم تدم أجواء التفاؤل الحكومي أكثر من 48 ساعة بعد عودة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من باريس، إذ إن مسودة الحصص الحكومية الثانية لم ترقَ إلى إرضاء جميع الكتل النيابية، ولم تحظَ بمباركة رئيس الجمهورية ميشال عون، وبالتالي التحقت بمصير زميلتها الأولى مبشرةً بإطالة عمر التأليف.
دخل الحريري بعبدا حاملاً في جعبته حقوقاً محفوظة لحلفائه القدامى في 14 آذار (القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي)، مصراً على مسايرتهما وإن كان إرضاؤهما على حساب حصة الرئيس، وربما التسوية التي جاءت به رئيساً للحكومة وبالعماد عون رئيساً للجمهورية.
"التسوية تهتز، والحريري إلى 14 آذار دُر، والحكومة إلى ما لا نهاية"... يقولها مرجع سياسي مخضرم في إحدى جلسات البحث في مجريات التشكيل همساً. ويغمز بعض الحريصين على العهد من حوله أن "ما يقوم به الحريري من مسايرة لأصدقاء الأمس ما هو إلا بقرار سعودي يضعه في مأزق ما بين التسوية وحلفائه القدامى".
هذا السيناريو فرض تساؤلاً حول ما إذا ستكون آخر مسودة للتشكيل الحكومي انقلاباً على التسوية الرئاسية، وعما إذا كان الحريري في مأزقٍ ببصمات خارجية.
يؤكد نائب تيار المستقبل محمد الحجار لـ"ليبانون ديبايت" أن "نفس الأحاديث تتكرر كل مرة بحجج مختلفة، بينما نحن اليوم بأمس الحاجة لحكومة مكتملة الصلاحيات تعالج التحديات الكبيرة وفي مقدمتها الاقتصادية".
الواضح أن هناك متطلبات للكتل النيابية وطموحات ذات سقف عال، والرئيس الحريري لا يتصرف إرضاء لبعض الكتل من دون أخرى، بل انطلاقاً من موقعه كرئيس مكلف بتشكيل الحكومة. وكل ما يحاول فعله الموازنة ما بين المطالبات والطموحات وما بينها وبين المصلحة الوطنية عبر تشكيل حكومة في أسرع وقت، وفقاً للحجار.
أما ما يُحكى فهو "مجرد كلام ومزايدات" بحسب النائب، "وفي نهاية الأمر يمارس الحريري صلاحياته، وهو ليس محرجاً تجاه أحد ولا يتصرف كمحرج بل هو من يقرر في نهاية الأمر بالتعاون مع الشريك الدستوري الوحيد بصناعة الحكومة وهو فخامة الرئيس".
وعن محاولة إرضاء القوات والاشتراكي "من كيس الرئيس"، يرد نائب تكتّل "لبنان القوي" حكمت ديب، في حديثه لـ"ليبانون ديبايت": "نحن نرحب بأن يتمثّل كل الأفرقاء في هذه الحكومة وأن يكون المعيار نفسه لكل الأطراف، ومن يحب أن يزيد زودة البيّاع لطرف معين ليس لدينا مشكلة معه، لكن فليتكارم من حصته. أما أن يتكارم من حصة غيره فهذا أمر مضحك وعجيب غريب".
لا ينفي ديب أن يكون هناك إيعازات خارجية للحريري لإرضاء القوات والاشتراكي، ويقول "أجلّ واحترم الرئيس الحريري وأتمنى أن يتنبه لهذه الأمور لأنها تصيبه أولا وتصيب التسوية التي أتت به رئيساً للحكومة". ويؤكد أن لديه ثقة بالرئيس المكلف أنه سيحتكم للمعايير العلمية والوطنية والمعايير التي نتجت عن الانتخابات النيابية.
وينهي ديب الحديث عن مسودة الحريري وينتقل مسرعاً للخلاف العوني القواتي، ويوجه في هذا الإطار للقوات سؤالين "انطلاقاً من الاستراتيجية" على حدّ تعبيره. ويقول "هل برأي القوات اللبنانية أن حرمان الرئيس من تمثيله داخل مجلس الوزراء لمصلحة موقع الرئاسة والمسيحيين، وهم الذين يصرون على تكرار مقولة حرصهم على العهد، بينما لا نرى أي تطبيق عملي لهذا الحرص في موضوع المطالبة بالحصص؟".
أما السؤال الثاني، "هل حصول الموقع المسيحي الأول على منصب نائب الرئيس هو أمر لا تطالب فيه القوات اللبنانية ولا تدافع عنه؟ نحن نطالب بحماية هذا الموقع وعدم المس به لأجل كل المسيحيين لا فقط من أجل التيار الوطني الحر". ويضيف "قد نفهم المطالبة بحرمان الرئيس من هذا المنصب في إطار الحرتقة والتكتيك، لكن في المصلحة الوطنية العليا هذا الأمر لا يجوز، فمن يطالب بأكثر من حصته لديه خلفيات لضرب الموقع المسيحي الأول وضرب العهد".
ويطالب ديب القوات التنبه من أن مَن يسيء للعهد لا يسيء للتيار الوطني الحر بل لمستقبل المسيحين ودورهم في السلطة.