هبة باردة تأتي من بيت الوسط تدغدغ الآمال عند اللبنانيين بإمكانية تشكيل الحكومة بسرعة قياسية. وتعقبها هبة ساخنة تلفح الوجوه حاملة منسوب كبير من التشاؤم على خلفية العقبات والعراقيل التي تعترض الرئيس المكلف سعد الحريري وتقف حائلًا دون سلوكه الطريق لإنجاز مهمة التشكيل، منذرة البلد بإدخاله في رحلة من رحلات التعطيل التي اعتاد عليها اللبنانيون في الكثير من الاستحقاقات والمحطات.
فبعد حزمة من الوعود جاءت على ألسن غير مسؤول أثلجت القلوب بإمكانية تشكيل الحكومة الجديدة في فترة زمنية قريبة، لكنه سرعان ما تلبدت الأجواء بغيوم داكنة وضبابية مع التشدد الذي أبداه رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل في مقاربته لتوزيع الحصص المسيحية في الحكومة المرتقبة، ناتج عن شعور نشأ لديه على خلفية أن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع" انقلب على العهد، وبالتالي "لم يعد يستحق أن نمنحه هدايا وزارية على غرار ما حصل في المرة السابقة"، حيث نقل عن الوزير باسيل في مجلس خاص قوله "على القوات اللبنانية أن تعرف أن زمن العطاء المجاني قد انتهى".
وفي السياق عينه فقد اتهم قيادي في التيار الوطني الحر القوات اللبنانية بأنها نكثت باتفاق معراب وأخلت بالتزاماتها بعد هجومها على العهد المتمثل بالعماد ميشال عون، وبعد الطعن في مرسوم التجنيس وبعد محاولتها تأليب الأميركيين على المؤسسة العسكرية ورفضها لحق رئيس الجمهورية بأن يحتفظ بكتلة وزارية، ورأى أن القوات يجب أن تتمثل بثلاثة وزراء في أي حكومة مقبلة اعتمادا على المعايير المنصفة والموضوعية في التشكيل.
وفي المقابل فقد رد الوزير في القوات اللبنانية غسان حاصباني على بعض هذه الافتراءات في تغريدة له عندما قال "من عرقل عمل العهد وشوه صورته هو من تقدم بمناقصات ملتبسة وأصر عليها لمدة سنة"، في إشارة إلى الوزير جبران باسيل والمناقصات المتعلقة بالكهرباء.
إقرأ أيضًا: التعثّر في الملف الحكومي والملف الأمني
وفيما يدعو "حزب الله" للاستعجال بتشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، إلا أن مطالبة نائب الأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم بحكومة وحدة وطنية معتبرًا أن الإسراع في تشكيلها مصلحة للجميع، داعيًا إلى تمثيل الجميع بحسب حيثياتهم وبحسب خصوصيات مناطقهم و مؤكدا على أن الحكومة يجب أن تترجم نتائج الانتخابات النيابية، وهذه إشارة واضحة على إصرار "حزب الله "على تمثيل سني من خارج التيار الأزرق.
أما رئيس المجلس النيابي نبيه بري فقد أشار إلى أنه كان يأمل ولادة الحكومة قبل نهاية الأسبوع الماضي، إلا أن الأمور سارت عكس ذلك حيث قال " فقد وعدت بإيجابيات ولكن يبدو أن الأمور وصلت إلى مكان حال دون ترجمة هذه الإيجابيات وولادة الحكومة" معتبرًا أن "العقدة التي تمنع التأليف الحكومي هي في عهدة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف والسبب هو أنهما لم يتوافقا بعد على الأحجام ولم يدخلا في الأسماء".
والتمثيل الدرزي هو عقدة مضافة تفاقمت عندما اتهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في تغريدة له العهد بأنه أفشل العهود والردود عليه، وبإصرار جنبلاط على أن يكون الوزراء الدروز المشاركون في الحكومة الجديدة من كتلته.
وفيما يأمل الشعب اللبناني أن يستظل بحكومة وطنية ترعاه وتسهر على مصالحه وراحته وتقدم له الحد الأدنى من الخدمات التي تتيح له حياة حرة كريمة، فإن الأطراف السياسية والحزبية المتسلطة على مفاصل البلد تتسابق وتتنازع لتقاسم المغانم وخيراته ولو كان ذلك على حساب مصلحة الوطن والمواطن.