قدم المنتخب الأرجنتيني مباراة مخزية أمام نظيره الكرواتي وخسر بثلاثية نظيفة، وكان اللاعبون الأرجنتينيون يركضون كثيراً من دون تركيز وارتكبوا العديد من الأخطاء بينما كانوا يحاولون استرجاع الكرة. وفي النهاية، أطلق النجم الكرواتي إيفان راكيتيتش رصاصة الرحمة على رفاق ليونيل ميسي وأحرز الهدف الثالث الذي أظهر هشاشة خط دفاع المنتخب الأرجنتيني.
ولو كانت هذه هي المباراة الأخيرة في دور المجموعات ويحتاج المنتخب الأرجنتيني فيها إلى الفوز ولا شيء غيره من أجل الوصول للدور التالي فلربما كان من الممكن أن نجد مبرراً لهذا الاندفاع الهجومي وعدم الالتزام في النواحي الدفاعية، لكن الأمر لم يكن كذلك. وكان من الممكن أن يعود المنتخب الأرجنتيني في نتيجة المباراة بعد تأخره بهدف دون رد، وحتى بعد اهتزاز شباكه بالهدف الثاني، لكنه تلقى الهدف الثالث، وربما أصبح يتعين عليه الآن الفوز بثلاثة أهداف على منتخب نيجيريا في المباراة الأخيرة له بالمجموعة، في الوقت الذي يتمنى فيه أن تكون نتيجة المباراة الأخرى بالمجموعة بين كرواتيا وآيسلندا في صالحه!
وربما أصبح يتعين على نجم التانغو ليونيل ميسي أن يقوم بمعجزة أخرى لإنقاذ منتخب بلاده، وستكون هذه هي المعجزة الأكبر بالفعل في حال نجاحه في القيام بها! ولم يظهر ميسي بالشكل القوي في مباراة كرواتيا، حيث لم تصل إليه الكرة سوى 49 مرة خلال المباراة، من بينها 6 مرات فقط في ربع الساعة الأخير من عمر اللقاء، وهو ما يعني أنه عندما كانت الأرجنتين في أشد الحاجة إليه فإنها لم تجده يقدم لها الدعم اللازم.
إنه لشيء سخيف بالطبع أن يتحمل لاعب بمفرده كل هذه الضغوط وأن تتمحور كل الأحداث حوله، لا سيما أنه كان اللاعب صاحب الفضل الأول والأخير في وصول منتخب بلاده للمونديال بعد الثلاثية التاريخية التي أحرزها في مرمى الإكوادور في المباراة الأخيرة من التصفيات المؤهلة لكأس العالم. ومن الغريب أيضاً أن نرى منتخباً عريقاً مثل الأرجنتين، الذي دائماً ما كان يضم عدداً كبيراً من اللاعبين الموهوبين وأصحاب المهارة الفذة، يعتمد على لاعب واحد فقط بهذا الشكل!
وقد وضع نجم المنتخب الأرجنتيني باولو ديبالا يده على الحقيقة في مقابلة صحافية أُجريت معه في وقت سابق من العام الجاري حينما قال إنه اكتشف أنه من شبه المستحيل أن يلعب إلى جوار ميسي لأن المنتخب الأرجنتيني يعتمد دائماً على نقل الكرة إلى ميسي. وعلى مستوى الأندية، فقد تكيف لاعبو برشلونة مع هذا الأمر، أما على المستوى الدولي، الذي تتجمع فيه المنتخبات لفترات قصيرة وتضم مجموعة أكبر من اللاعبين الموهوبين، فإن الأمر يكون أكثر صعوبة. لقد أصبح كل شيء في المنتخب الأرجنتيني يتوقف على ميسي، وهو ما يجعل من السهل على الفرق المنافسة أن تتعامل مع طريقة لعب الأرجنتينيين من خلال الحد من خطورة ميسي بمراقبته بأكثر من لاعب والتمركز الدفاعي بشكل كبير، وبالتالي لا تجد الأرجنتين حلولاً أخرى بعيداً عن نجم برشلونة.
وقد تحدث المدير الفني للأرجنتيني، خورخي سامباولي، قبل بداية كأس العالم عن طريقة 2 - 3 - 3 - 2 التي يعتزم الاعتماد عليها، على أن يلعب ميسي خلف المهاجم الصريح لكن في ظل وجود صانع ألعاب آخر. ويعني هذا أن طريقة اللعب تتحول في الأساس إلى 4 - 4 - 1 - 1. وقد حدث ذلك فقط في مباراة آيسلندا بعد نزول أيفر بانيغا بدلا من لوكاس بيليا، لكن الأمر تغير تماما في المباراة التالية أمام كرواتيا. وكان ميسي قد أخبر سامباولي في مارس (آذار) الماضي بأنه يشعر بأن طريقة 3 - 4 - 3 التي لعب بها تحت قيادة لويس إنريكي في برشلونة في نهاية موسم 2016-2017، لم تكن جيدة بالنسبة إليه، لأنها تسحب مدافعي الفرق المنافسة إلى الجهة اليمنى التي يفضل اللعب بها. وقد وافق سامباولي على ذلك، لكنه عاد أمام كرواتيا ليعتمد على نفس الطريقة مرة أخرى. وفي شوط المباراة الأول، ثبت أن ميسي كان محقاً في وجهة نظره.
لكن على الأقل، كان المنتخب الأرجنتيني يلعب بشكل تكتيكي واضح في الشوط الأول، قبل أن ينهار تماماً في نهاية المباراة ويستغل لاعبو كرواتيا الأمر بأفضل صورة ممكنة. وإذا ما نظرنا إلى الأمور مرة أخرى بعد نهاية المباراة لوجدنا أن كل المقدمات كانت تشير إلى حدوث هذه الكارثة بالنسبة إلى منتخب الأرجنتين، فبينما كان يعزف النشيد الوطني للمنتخب الأرجنتيني كان ميسي ينظر إلى الأرض ويضع يده على وجهه، كما لم يشارك ميسي لاعبي الفريق مأدبة الغداء التي أُقيمت في المعسكر وظل في غرفته.
وقد يكون هذا هو المونديال الأخير بالنسبة إلى ميسي، وقد يشارك في المونديال القادم بعد أربع سنوات، لكنه سيكون قد وصل إلى الخامسة والثلاثين من عمره، وهو ما يعني أنه لن يكون بنفس مستواه الحالي. وحتى لو افترضنا أنه سيحصل على كأس العالم مع منتخب الأرجنتين عام 2022 بقطر فإنه لن يكون بالتأكيد أفضل لاعب في العالم ويقود منتخب بلاده لقمة المجد الكروي، لكنه سيكون حينئذ لاعباً مخضرماً هبط مستواه ويُنهي مسيرته الرياضية بعد مسيرة محبطة على المستوى الدولي.
وقبل بداية الشوط الثاني أمام كرواتيا، ترك سامباولي مكانه على مقاعد البدلاء وبدا مرتبكاً وهو يتصبب عرقاً، وكان هناك شعور حينئذ بأنه بدأ يدرك أن منتخب بلاده بات على حافة الهاوية. ومع الدقائق الأخيرة من المباراة، خلع سامباولي سترته وبات يلوح بيديه في إشارات غامضة وغير مفهومة وهو عاجز عن وضع حد لحالة الفوضى التي ضربت فريقه على المستوى الدفاعي، والتي لم تكن بالطبع مسؤولية ميسي. وسوف يتحمل سامباولي بالتأكيد مسؤولية ما حدث وسيقال من منصبه، إذا وجد الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم الأموال اللازمة لدفع قيمة الشرط الجزائي! لكن الأمر أكثر سوءاً من ذلك، وقد بدأت الانتقادات قبل وقت طويل، وكان سامباولي هو المدير الفني الثالث الذي تستعين به الأرجنتين في التصفيات المؤهلة لكأس العالم.
ولم تكن طريقة اللعب التي يعتمد عليها سامباولي، والتي تعتمد في المقام الأول على الضغط المتواصل على الفريق المنافس، مناسبة لهؤلاء المدافعين غير الجيدين. ولكي نكون منصفين، لم يتح لسامباولي الوقت الكافي لإيجاد الحلول لهذه المشكلات. ولم يكن سامباولي هو المدير الفني الوحيد الذي يتأثر سلبياً بحالة الفوضى المحيطة بالمنتخب الأرجنتيني، وبالتأكيد لن يكون الأخير. لكن ربما يكون هو المدير الفني الأخير الذي يقود ميسي في كأس العالم، وربما هذا هو السبب الذي يزيد من الشعور بالحزن والحسرة بعد الهزيمة أمام كرواتيا. ورغم كل ذلك، يبقى ميسي هو اللاعب الأفضل في عالم الساحرة المستديرة وكان يستحق بالطبع وداعاً أفضل في كأس العالم.
فهل تشهد مدينة سان بطرسبورغ الروسية، اليوم، آخر مباراة لأفضل لاعب كرة قدم 5 مرات في كأس العالم؟ الجواب قد يكون إيجابياً ما لم ينتفض المنتخب الأرجنتيني وينفض عنه غبار الهزيمة المذلة أمام كرواتيا بالفوز، ويعوضها بفوز على نيجيريا في الجولة الثالثة والأخيرة من منافسات المجموعة الرابعة. الهدف واضح لميسي وزملائه في منتخب المدرب خورخي سامباولي: الفوز على نيجيريا بفارق كبير من الأهداف دون الالتفات إلى نتيجة المباراة الثانية بين كرواتيا وآيسلندا.
حسمت كرواتيا البطاقة الأولى للمجموعة بعد فوزها على الأرجنتين وإلحاقها بالمنتخب الأميركي الجنوبي أسوأ هزيمة في الدور الأول منذ 1958 حين خسر أمام تشيكوسلوفاكيا 6 – 1، وكانت الأمور ستتعقد كثيراً على الأرجنتين لولا نيجيريا التي تغلبت في الجولة الثانية على آيسلندا بهدفي أحمد موسى، فاتحة الباب أمام أبطال 1978 و1986 لمحاولة التكفير عن ذنوبهم وتجنب إحراج الخروج من الباب الصغير، فيما يرجح أن تكون آخر مشاركة لميسي في كأس العالم، علماً بأنه احتفل الأحد بعيد ميلاده الـ31.