أولاً: تأليف الحكومة يتعثر والرؤساء لاهون...
أكثر من شهرٍ مرّ على التكليف الرئاسي بتشكيل حكومة جديدة تتصدّى للمهام الملحّة التي تضغط على الوضع الاقتصادي لبلدٍ منكوبٍ بالنّهب والفساد، ناهيك بضرورة التّصدي لمهامٍ تلامس حافة المخاطر الإجتماعية والبيئية، من البطالة إلى ارتفاع المديونية العامة، إلى معالجة النفايات وتأمين الخدمات الحياتية اليومية، وفي طليعتها أزمة الكهرباء المزمنة.
أكثر من شهرٍ بأيّامه الثلاثين، وزعماء البلد يتلهّون بالقشور ومحاولات جني المكاسب، ويُمعنون في الإهمال والاستخفاف بمصالح المواطنين الغافلين، والذين جدّدوا لهم بالأمس القريب ولاية جديدة، وفي مقدمة هؤلاء الرؤساء الثلاثة، فرئيسُ الجمهورية يبدو في سُباتٍ عميق، تاركاً وزيره المدلّل يلهجُ صبح مساء بضرورة تأمين "حُصّة" مناسبة للرئيس في "جبنة" العهد الدسمة، ورئيسُ الحكومة المُكلّف يهدر الوقت، إمّا في حضور افتتاح المونديال، أو الزيارات العائلية، أو حضور المؤتمرات والاحتفالات وإطلاق المُزاح حيثُ يستوجبُ الجدُّ لا الهزل، وهو مُزاحٌ ثقيلٌ على الذوق والإحساس، أمّا رئيسُ مجلس النواب فهو "مهمومٌ" بعطلته الصيفية مع العائلة الموقرة في ربوع أوروبا، ترف ما بعده ترف.
إقرأ أيضًا: اجتماعات الحريري مع وليّ العهد باسيل على أرضٍ محايدة
ثانياً: أبو العباس السفاح وعمر النبي نوح...
ألا تستحون، ألا تتّعظون! ألم تُلامس أسماعكم صيحات المخاطر التي تتعالى من كلّ حدبٍ وصوب؟ ألم تروا بأُمّ العين الخراب والدمار الذين ضربا البلاد التي عمّ فيها الاستبداد والفساد، ونخرها الطّيشُ والجهل، أمّ أنّكم تؤملّون أن تُعمّروا عمر النبي نوح.
لمّا بنى الخليفة العباسي أبو العباس السفاح مدينة الأنبار في العراق، ودخلها مع أخيه أبي جعفر المنصور وعبدالله بن الحسن، وهو يسير بينهما ويُريهما بُنيانه، وما أقام فيها من المصانع والقصور، فظهرت من عبدالله بن الحسن فلتة، فجعل يتمثّل بهذه الأبيات:
ألم ترى جوشناً قد صار يبني
قصوراً نفعُها لبني نُفيلة
يؤمّلُ أن يُعمّر عُمر نوحٍ
وأمرُ الله يحدث كلّ ليلة.