على رغم كل الأوصاف التي أُعطيت للتشكيلتين اللتين تقدّم بهما الحريري حتى اليوم لم يظهر أنهما كانتا صالحتين للتقدّم بخطوة نحو مهمّة التكليف.
فالأولى التي سلّمها الى رئيس الجمهورية مساء الإثنين في 11 حزيران الجاري عشية توجّهه الى موسكو قبل أن يمضي عطلة عيد الفطر مع القيادة السعودية وعائلته بين الرياض وباريس، الجميع يتذكّر أنها قالت بتوزيعة «فاشلة» للحصص بين القوى «الأكثر تمثيلاً» ولم تنتقل الى البحث في تمثيل القوى «الأقلّ تمثيلاً» ولم تُسقط الأسماءَ على الحقائب. وزادت الصيغة الثانية التي طُرحت في 21 حزيران في الطين بلة. فالمفاوضاتُ السرّية التي أجراها الحريري من الرياض وباريس مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل وتلك التي جرت عبر الهاتف من الرياض وباريس مع المعنيّين بها في بيروت انتهت الى رفع حصص «الأكثر تمثيلاً» وألغت الآخرين نهائياً.
لا ينفي المطّلعون على ما جرى هذه المعطيات، فـ «فتحة التوربو» التي تزامنت وعودة الرئيس المكلّف من باريس بلقاءاتِ «بيت الوسط» فشلت في توفير مَخرج مع ممثلين عن «القوات اللبنانية» و»المردة» و»الحزب التقدمي الإشتراكي» وحركة «أمل» في ساعات قليلة، وأنهت الآمال التي بُنيت على «الصيغة الجديدة» وسدّت الطرق امام إمكان خرق الجمود الحاصل في عملية التأليف.
ومن دون الدخول في التفاصيل، فقد ظهر أنّ العِقد ما زالت على ما هي عليه، لا بل فقد ازداد بعضُها تعقيداً لأسباب عدة وهذه هي عيّنة منها:
- الخلاف الكبير بين الرئيس المكلّف ورئيس «التيار الوطني الحر» في لقاء باريس حول حصة «القوات اللبنانية» بعدما رغب باسيل في تقليصها من أربعة الى ثلاثة وحجب الحقيبة السيادية ونيابة رئاسة الحكومة عنها، وزيادة حصة التيار وحليفه حزب الطاشناق مقعداً واحداً ورفعها من 6 الى 7 مقابل تخصيص فريق الرئيس بالحقائب الثلاث وتخصيص مقعد واحد لـ»المردة» وآخر للحريري بدلاً من مقعد سنّي تنازل عنه لرئيس الجمهورية.
- لم ينجح الحريري في مساعيه مع «التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية بتخصيص المقاعد الدرزية الثلاثة لجنبلاط على أن يختار الثالث من المرضي عليهم بين المختارة وخلدة، وسقط الحديث عن وزير مسيحي لـ»اللقاء الديموقراطي» بدلاً من تنازله عن مقعد درزي لفريق رئيس الجمهورية وليس لطلال ارسلان بالضربة القاضية فلم يعد هناك أيُّ مقعد مسيحي يمكن تجييرُه له.
- لم تمسّ الصيغة التوزيعة الشيعية مناصفةً بين الثنائي ولكن لم تقرّ بما يرضيهما، فلا مقعد متوافر لسُنّة 8 آذار كما يريد «حزب الله» ويرفضه الحريري، ولا آخر للمستقلّين المسيحيين كما يريد الرئيس نبيه بري ويرفضه باسيل.
عند هذه المعادلة الجديدة تبخّرت كل الآمال بولادة حكومة مساء الأحد الماضي بعندما منّن البعض النفس بهذه الولادة يوم أحد مثلما وُلدت حكومة «استعادة الثقة» التي تصرف الأعمال حالياً. وتمدّدت المهل امام الرئيس المكلف من دون أيّ أفق. فقد يسافر بري الى ايطاليا ويعود منها من دون إعلان التشكيلة، وقد يأتي الفصح وتمرّ «الصيفية» من دون أيّ إنجاز.
والأدهى، يقول العارفون، إن ليس هناك مَن يضمن أيَّ موعد مرتقب للولادة الحكومية على الإطلاق، فالجدل البيزنطي ما زال قائماً حول العقد الداخلية الثلاث المعلن عنها المسيحية والدرزية وسُنّة 8 آذار من دون ذكر أخرى خارجية مخفيّة ولا يمكن الإفصاح عنها الآن، طالما أنها «تتخفّى» كل منها خلف «الأصابع الثلاثة» الداخلية.
ولذلك لا يرغب البعض الحديث عن العقد الخارجية في العلن، لكنّ الكواليس تتبادل في شأنها المعلومات من دون أن تنّضج بعد، فشكل النزاع الجديد حول مصير اليمن بعد سيطرة الحلف الاسلامي على ساحله والجديد في مستجدات الأزمة السورية وارتباطهما بالنزاع المكشوف بين واشنطن والرياض من جهة وطهران من جهة أخرى يخفي كثيراً من العقد والرهانات الداخلية، وطالما أنّ هناك عقداً محلّية «تحجبها» يمكن إخفاؤها بلا أيِّ حرج.
ففي التقارير المتداوَلة بدايات حديث أوضح حول «حقيبة» «حزب الله» الأساسية، وإن كان ممكناً إبعاده من الحكومة ككل، وهو ما برز في أسئلة ديبلوماسية غربية وعربية وُجّهت عبر قنوات ووسائل عدة، وتركّز على الأسباب التي تحول دون تأليف حكومة من التكنوقراط يغيب عنها التمثيل النيابي وكذلك الحزبي المباشر. وليس خافياً على أحد أنّ حديثاً من هذا النوع لا يمكن أن يتحمّله «الرئيس المكلف» قبل غيره من المعنيين به. فهم لا يمكنهم مقاربة هذه الأسئلة في ظلّ الطموح الى حصر التمثيل ومشاريع «تحجيم» الآخرين و»إلغائهم».
وبناءً على ما تقدّم ظهر توصيف دقيق لتشكيلة الحريري الثانية، وربما قد يصحّ في الثالثة متى أُطلقت ما لم يتغيّر اسلوب البحث عن الحصص وهويات الوزراء. فقيل عندها فيها إنها ليست بالتأكيد «حكومة العهد الأولى» إن لم تكرّس التفاهمات من حولها، وتحديداً بين «القوات اللبنانية» و»التيارالوطني الحر» وما لم يتمثل فيها الأفرقاء المسيحيون الآخرون إذا صح أنّ رئيس الجمهورية وفريقه لا يريدان إلغاءَ أيٍّ من الأطراف المسيحية الأخرى.
وعليه، سيظهر قريباً بنحو أو آخر أنّ التشكيلات الوزارية المطروحة، ولا سيما منها الأخيرة لا يمكن أن تُفضي الى اعتبارها «الحلّ» ولا «التسوية» ولا «الصفقة»، كما أنها لم تصل الى حدود «المبادرة»؟