جرعات تفاؤل تبدو للوهلة الاولى مستعجلة تتناقلها وسائل الاعلام حول ولادة حكومية مرتقبة سريعاً، فهل فعلا تم تذليل كل العقبات والعقد وباتت الطبخة الحكومية جاهزة؟
الرئيس المكلف سعد الحريري أعرب عن تفاؤله في القصر الجمهوري، بعد لقاء مطول مع رئيس الجمهورية ودردشة على ابواب القصر، فيما سيطلق الحريري مروحة واسعة من الاتصالات وتكليف الوزير غطاس خوري بحراك على خط بعض القوى واما الدافع الذي خلق هذا المناخ المستعجل بعد طول ابطاء هو سفر الرئيس نبيه بري الى ايطاليا حيث سيمكث حوالى الاسبوعين، وبالتالي اذا لم يتمكن الحريري من التشكيل في عطلة نهاية الاسبوع، فهذا يعني ان المهمة ستطول كثيرا. وبهذا يصبح منسوب التفاؤل بولادة حكومة الذي بلغ ذروته خلال اليومين الماضيين، شهد انخفاضا ملحوظا بعد كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس الذي قال إنه كان متوقعاً أن تبصر الحكومة النور "والظاهر أن شيئاً ما ليس جاهزاً بعد، والعقدة داخلية، والحل هو لدى الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري".
وقالت مصادر متابعة إن "العقدة الداخلية التي تحدث عنها برّي هي عقدة القوات التي تريد الحصول على 4 وزارات من ضمنها نائب رئيس الحكومة أو وزارة سيادية، في حين أن التيار الوطني الحرّ لا يريد إعطاءها أي جائزة ترضية عبر نيابة رئاسة الحكومة أو الحقيبة السيادية ، فبعد شهر من التكليف يصحّ القول انّ العقد الداخلية للتشكيل تطغى على أي شيء آخر، ولا يمكن بالتالي الاستهانة بحجم هذه العقد المرتبطة بدورها بمعرفة جميع الأطراف أنّ هذه الحكومة قد تكون حكومة العهد الأولى والأخيرة، اي أنّ هذه الحكومة ستُلازم الرئيس ميشال عون حتى نهاية ولايته. وبالتالي، من يدخل بقوة، سيحتفظ بهذه القوة لسنوات مقبلة، الّا اذا طرأ تطور إقليمي كبير يعيد خلط الأوراق. من هنا يمكن فهم الاستشراس العوني على تحجيم حصة "القوات اللبنانية"، وصولاً الى تمنّي خروجها من الحكومة اذا لم تقبل بالحصة المرسومة لها.
ومن هنا ايضاً يمكن فهم التصَلّب الجنبلاطي في نيل الحصة الدرزية كاملة، فالنائب وليد جنبلاط يعرف انّ ما خسره في القانون النسبي، لا يمكن تعويضه إلّا بإقفال الحصة الوزارية الدرزية على الحزب "التقدمي" و"كتلة اللقاء الديموقراطي"، وذلك في إطار الاستعداد لسد الثغرات في الساحة الدرزية التي أوجدها القانون النسبي.
إقرأ أيضًا: ضغوط يتعرّض لها الحريري في التأليف
فانطلاقاً من هذه المعطيات تبدو "الحماسة" السياسية لقرب صدور التشكيلة الحكومية، أمراً ما زال مبكراً الحديث عنه لأن لغاية الآن لا توافُق نهائياً على الحصص الوزارية لكلّ كتلة. أما توزيع الحقائب، فلا يزال عرضةً للأخذ والردّ. وخلاصة المشاورات أن ثلاثي سعد الحريري سمير جعجع وليد جنبلاط يضغط على رئيس الجمهورية الذي يقف في مواجهتهم على قاعدة: الأمر لي.
يقود ذلك للاستنتاج أن احتمال صدور الدُخان الأبيض من قصر بعبدا، ما زال ضئيلاً. يأتي ذلك، خلافاً للأجواء الإيجابية التي سُرّبت نهاية الاسبوع.وفي ظل هذه الاجواء اشارت بعض المصادر الاقتصادية ، إلى أن المؤسسات الدولية لم تعد قادرة على غضّ النظر عن وضع لبنان المالي والاقتصادي، واصدار توقعات أو تصنيفات ايجابية، لان نسبة ديون لبنان إلى ناتجه الإجمالي هي ثالث أكبر نسبة من نوعها في العالم. في المقابل، ليس هناك جهود حكومية رسمية بعد في ظلّ مرحلة تصريف الاعمال الحالية، لبدء الاصلاح المالي والاقتصادي المنشود الذي شدد رئيس الوزراء المكلّف سعد الحريري على ضرورة المضيّ قدماً به.
ولفتت إلى أن التحذيرات تخطت النطاق المحلي أمس، حيث أصدر كلّ من صندوق النقد الدولي ووكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية بيانات سلبية حول وضع لبنان. جاء البيان الاول أشدّ لهجة وخطورة إذ شدد على ضرورة ضبط الدين العام بشكل فوري وكبير، في حين كان بيان "موديز" أكثر تفاؤلاً رغم ان الوكالة حذرت من انها ستخفض تصنيف لبنان إذا استمر انخفاض تدفقات الودائع وزادت بالتالي، مخاطر حدوث أزمة في ميزان المدفوعات. وقال المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي إن لبنان يحتاج إلى ضبط مالي "فوري وكبير" لتحسين القدرة على خدمة الدين العام الذي تجاوز 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2017.
وقال بيان للصندوق ليل امس الاول، إن المديرين التنفيذيين اتفقوا مع فحوى تقييم للخبراء حث لبنان في شباط الماضي، على التثبيت الفوري لأركان سياسته المالية عن طريق خطة ضبط تستهدف استقرار نسبة الدين للناتج المحلي الإجمالي ثم وضعها على مسار نزولي واضح ، كما شدد المديرون على "أن ضبطا ماليا فوريا وكبيرا يعدّ ضروريا لتحسين القدرة على خدمة الدين، وهو ما سيتطلب التزاما سياسيا قويا ومستداما".
ففي ظل هذه المعطيات والمؤشرات هل سيستطيع الرئيس سعد الحريري تذليل العقبات ويعلن تشكيلته الحكومية ؟