جملتان متناقضتان قالهما رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بعد زيارته رئيس الجمهورية ميشال عون عن عملية تشكيل الحكومة. أعلن الحريري أن التفاوض لا يزال حول الحصص، ولم يتم الدخول بمسألة الأسماء والحقائب. فيما الجملة الأخرى اعتبر فيها الحريري أن الاجواء إيجابية جدّاً، وقد جرى الوصول إلى المعادلة الأخيرة من عملية التشكيل. ليس مصلطح المعادلة الأخيرة مفهوماً، وهو غير محدد. ما يفتح المجال أمام تأويلات كثيرة. حين يتم الوصول إلى المرحلة الأخيرة فرضاً من معادلة تشكيل الحكومة، وذلك في إطار التصويب اللغوي، فإن ذلك يتناقض مع الجملة التي قالها الحريري قبل استخدامه هذا المصطلح، لأن المعادلة الأخيرة تعني الاتفاق على توزيع الحصص، وحسم الحقائب التي سيحصل عليها كل طرف، بالإضافة إلى الأسماء، لتبقى بعض التعديلات البسيطة فحسب.
لا تزال عملية التشكيل في المربع الأول، أو بالاحرى عند النقطة صفر. كل الأجواء الإيجابية التي جرى بثّها تتعلّق بنشاط الرئيس الحريري، وبرّده بشكل عملاني من خلال تفعيل لقاءاته على كلام الرئيس نبيه بري بأنه "مطنّش". قابل برّي تحية الحريري من خلال حركته بمثلها، حين اعتبر أنه كان على الحكومة أن تبصر النور يوم الجمعة، ولكن بعض الأمور لم تكن جاهزة لإعلانها. وأكد أن السبب في تأخير ولادتها داخلي. هو كلام ردّ فيه بري على نفسه أيضاً في كلام قاله قبل أيام على هذا الموقف، حين اعتبر أنه يخشى وجود أسباب إقليمية تؤخر التشكيل، وبأن البعض ينتظر إشارات من الخارج للإنطلاق في سعيه الحثيث.
عدا عن هذه الإيجابيات الكلامية، لم يتم حلّ أي عقدة حتى اللحظة. ما جرى هو أن الحريري رمى صيغة حكومية مقترحة على طاولة رئيس الجمهورية. وبحسب المعلومات، فإن هذه الصيغة تمنح التيار الوطني الحر مع رئيس الجمهورية 9 وزراء، بالإضافة إلى 4 وزراء للقوات اللبنانية من بينهم وزير الدفاع أو نائب رئيس الحكومة. وتصرّ القوات على وزارة الدفاع مدعومة بمواقف العديد من الأفرقاء لا سيما المستقبل لأجل تفعي المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، لأن هناك من يشيع أجواء بأن حصول حلفاء حزب الله على هذه الحقيبة قد يؤدي إلى انعكاس سلبي على علاقات المؤسسة العسكرية مع المجتمع الدولي. فيما البعض الآخر ينقل أجواء بأن هناك ضغطاً دولياً يصبّ في هذا الإطار.
ومن ضمن الصيغة التي قدّمها الحريري، حصول الحزب التقدمي الاشتراكي على 3 وزراء دروز، وتيار المستقبل على 6 وزراء 5 سنة ومسيحي. مقابل حصول رئيس الجمهورية من ضمن حصّته على وزير سني. وبذلك يكون قد استبعد تمثيل سنة الثامن من آذار. وقال عون للحريري إنه سيفكّر في الأمر ويعاود الردّ عليه بعد ساعات على اللقاء بينهما. وكان من المفترض أن يصل الجواب إلى الحريري ليل الجمعة. وبمجرّد عدم حصوله على الجواب فهذا يعني أن الصيغة رُفضت.
وتكشف المصادر أن رئيس الجمهورية يطالب بـ11 وزيراً له وللتيار الوطني الحر، أي الثلث المعطّل، و6 وزراء شيعة، مع تمسّكه بوزير درزي ومنح الاشتراكي وزيرين لأن لديه كتلة من 9 نواب، وطالما أن قاعدة كل أربع نواب يحق لهم بوزير، فيعني أن حصة الاشتراكي يجب أن تكون من مقعدين، وليس ثلاثة، والقوات اللبنانية يحق لها ثلاثة بدلاً من أربعة أو خمسة، لأن لديها 15 نائب، وحركة أمل لديها 17 نائب وستحصل على 3 مقاعد. هذا يعني أن العقد لا تزال على حالها. والأهم أن مطالب التيار الوطني الحر تعني الانقلاب على تفاهم معراب الذي كان ينص على المناصفة في المقاعد الوزارية المسيحية.
حتى الآن لا يزال الحريري ملتزماً بموقفه إلى جانب القوات والاشتراكي. وهو يسعى من خلال ذلك إلى تحصين نفسه وموقعه، كما أنه يرفض منح الثلث المعطّل للتيار الوطني الحر وحده، خصوصاً أن هناك فيتو دولي على صيغة كهذه. هذا الأمر ترى فيه مصادر قوى الثامن من آذار انقلاباً على نتائج الانتخابات النيابية ولن يمرّ. وطالما بقيت المواقف على حالها، فهذا يعني أن ولادة الحكومة ستتأخر، ومهما قيل عن الأسباب الداخلية التي تعرقل ولادتها، فهناك من يصرّ على الربط بالتطورات الاقليمية.
لا أحد قادراً على تحديد موعد ولادة الحكومة، فقد يعلن عنها خلال ساعات قليلة، إذا ما زًللت العقد، وقد تتأخر إلى أكثر من شهرين. ما فعله الحريري هو القول إنه يعمل وقدّم صيغة لكنها رفضت. وبذلك رمى الكرة من ملعبه إلى ملعب الآخرين. فيما هناك من يعتبر أن ما يجري يهدف إلى عرقلة إنطلاقة عهد ميشال عون. وهذا لا بد من الردّ عليه. لكن من دون اتضاح صورة ذلك الردّ.