لا يستعجل الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة ريثما تنضج أكثر و تتضح هوية الحكومة القادمة على وقع الاختلافات القائمة ما بين المتحالفين والمتخاصمين في آن وهو يأخذ كل الوقت للخروج من أزمة تشكيل الحكومة بأقلّ الخسائر الممكنة كي تتمكن الحكومة من القيام بأدوارها المنتظرة والمرتقبة في ظلّ ملفات متكدّسة من أزمات مستعصية الحلول إذ لم تفلح الحكومات السابقة من إيجاد علاجات شافية لها فبقيت أزمات مفتوحة على العتمات وعلى الروائح القاتلة .
بين بعبدا وعين التينة يركض سعد الحريري لكسب سباق التأليف بدواع المحافظة على المحاصصة القائمة بين الرئاسات وبدوافع التمثيل لباقي المكونات السياسية بحقائب خالية لإضفاء شرعية أكثر على حكومة تحتاج الى تأييد عام لتحسين صورتها الوطنية بضم الجميع اليها ولكن لا تعطي الجميع الوزارات الوازنة اذ يبقى التوزيع على ما هو عليه للتيّارات الرئيسية أي للرؤساء أصحاب الحق في السلطة .
ما يثير العجب ضمور صوت المحاسب للفساد وكأن الفساد هو سرقة وسط النهار ولا يعلم أن السرقة هي في المحاصصة السياسية نفسها هي في خضوع الوزارة كما النيابة كما التوظيف لشروط ومعايير غير مرتبطة بالقوانين بالقدر الذي تقرره سلطة الطوائف من طرق للتمثيل داخل أطر الدولة .
هناك من يعلو صوته أكثر لكسر احتكار المفسدين للسلطة بتطهير الحكومة القادمة من أي فساد يذكر ضمن عملية فاسدة بفرض شروط محتكرة للسلطة كونها الأقوى في ميزان القوّة ولا يعلم أن سياسة الإلغاء فساد سياسي كبير كونه يؤسس لمشروع غلبة على حساب مغلوبين سينتصرون الى غلبتهم لسحب بساط القوّة من تحت الغالبين والتجربة اللبنانية غنية في هذا المجال فالطائفة القوية خرّبت لبنان و أدخلته في حروب داخلية وخارجية ودفعت بها الى كوارث لا حصر لها .
إقرأ أيضا : ضغوط يتعرّض لها الحريري في التأليف
ثمّة من يعيد تجربة المارونية المرّة ولكن بعصبية أضيق كونها ترتكز على تيّار الطائفة لا على الطائفة بمكوناتها وهذا ما دفع بالتيار الحرّ الى استبعاد الأحزاب المارونية كونها الأقل تمثيلاً بحسب الفرز الانتخابي رغم أن التيّار يستند على قوّة من خارج الموارنة وهي التي أوصلته الى سدة الرئاسة .
لم تفلح التفاهمات المسبقة ما بين التيّار و القوّات في حل عقد التوزير وهذا ما أكّد أن التفاهمات مبنية على أوهام لا على حقائق اذ سرعان ما تسقط عند أوّل امتحان لها وتكشف عن حجم الاختلاف القائم ما بين المتفاهمين على الأوراق فقط لتقطيع ظروف وحرق مراحل فرضت تواقيع المختلفين على تفاهمات غير آيلة للتنفيذ .
يبدو أن رئيس الحكومة قد خبُر لعبة التأليف وما عادت وشوشات المعاونين تمشي في أذنه لذا يأخذ الوقت كله ريثما ييأس المسيحيون من خلافاتهم الوزارية فيتيحون له فرصة التشكيل الحكومي بما تنسجم مع مصالحه كشخص لا كتيّار باعتبار المستقبل قد فشل انتخابياً وعليه تعزيز دور رئاسة الحكومة بحكومة يرأسها فعلياً من خلال تناقضاتها والتي لا تسمح للآخرين بالتحكم بها اذا ما تحوّلت الى حصص كبيرة لذا تروق للرئيس فكرة الحصص الصغيرة التي تضعف من أحجام الحيتان داخل الحكومة أو ان عليه العودة الى لعبة المحاور داخل الحكومة وهذا ما يجعله طرفاً وهو لا طاقة له على المواجهة فقد تبيّن ضعف المستقبل في هذا المجال وهذا ما خسّره وما جعل منه شيكاً بدون رصيد .