كان لغزاً ما حصل في البقاع بعيد الانتخابات النيابية، فكأنّ أحداً في مكان ما قد ضغط على زر التشغيل، وسرعان ما انتشرت فوضى السلاح وتفعّلت قضايا الثأر بين العشائر، وعاد بعض كبار المطلوبين الى الواجهة الاعلامية من بوابة الاصلاح والاستعراض، حتى وصل الامر الى ذروته في اشتباكات الامس بين آل جعفر وآل الجمل على الحدود اللبنانية السورية، وتهديد الجيش السوري بالرد على مصادر النيران.
وعلى ضوء هذه التطورات كثر الحديث في الاعلام عن خطة أمنية منتظرة، حيث تقول المعلومات أنه سيتم ارسال اعداد كبيرة من عناصر وضباط الجيش اللبناني الى البقاع للانتشار ضمن خطة محكمة تتضمن انشاء حواجز مدعّمة، ومداهمة منازل كبار المطلوبين.
وامام هذه المعلومات يقف البقاعييون مذهولين ليقينهم بأن المطلوبين الكبار قد غادروا الاراضي اللبنانية باتجاه سوريا بتسهيلات من جهات حزبية وتنسيق مع بعض المتآمرين من القوى الأمنية وان الصغار منهم ابتعدوا عن اماكن تواجدهم المعتادة.
والاكثر غرابة هو أن هذه الجهات الحزبية تتساءل على الاعلام بكل وقاحة عن الجهة التي سهلت هروب هؤلاء، في محاولة منها للتعمية على حمايتهم.
الهدف إذاً ليس إلقاء القبض على المطلوبين، بل هو ببعدين داخلي واقليمي - دولي.
ففي الشقّ الداخلي ثمة توجّه لاستخدام عصا الامن التأديبية مع البقاعيين الذين علا صوتهم اعتراضا في الانتخابات الاخيرة حيث خرج كثيرون منهم عن طاعة قوى الامر الواقع، ولولا التزوير لكانت النتيجة بالنسبة لهذه القوى مخزية، اضف الى ان سيد الحزب يدرك تماما انه عاجز عن الوفاء بوعود الاصلاح ومحاربة الفساد، وأن تفلت الامن سيكون افضل ذريعة للاخلاف بالوعود.
وفي هذا الاطار يؤكد البقاعيون أن المطلوبين الذين تم تهريبهم خارج الاراضي اللبنانية كانوا احد اهم اركان الحملة الانتخابية الداعمة للثنائي الشيعي، مما اقتضى رد الجميل اليهم وتهريبهم، خصوصا ان مهمتهم في لعب دور القفازات لتنفيذ الاعمال القذرة نيابة عن قوى الامر الواقع لم تنته بعد.
وحتى لا نُتهم بالتجنّي والافتراء والبعد عن الواقع، فلا بد من التذكير بالدور الذي لعبه نوح زعيتر مثلا في قصف بلدة سعدنايل البقاعية بالهاون خلال احداث السابع من ايار عام ٢٠٠٨ مدفوعا من حزب الله، والجميع يعلمون ان بعض حوادث الخطف في البقاع كانت تتم بطلب من جهات سياسية معروفة كما حصل مع صاحب معامل "ليبان لايت" للالبان الذي شكر الرئيس نبيه بري بعد تحريره من ايدي خاطفيه برعاية بسام طليس.
وكذلك يعلم الجميع أن بعض المطلوبين شاركوا في اشتباكات مع آل صلح في بعلبك بسبب اشكال حصل بين افراد من العائلة المذكورة واحد حواجز حزب الله، وغيرها من الاحداث التي تم فيها استثمار المطلوبين.
اما الشق الاهم في هذه الخطة فهو ذاك المتعلق باجتماع بوتين - الحريري، وهنا تؤكد المصادر أن بوتين طلب من الحريري في الاجتماع ما قبل الاخير المبادرة الى نشر الجيش اللبناني على كافة الحدود اللبنانية السورية وتفعيل دوره لمنع اي تسلل بين الدولتين، والهدف هنا ابعاد حزب الله عن الحدود، خصوصا ان الروسي كان قد حاول استفزاز الحزب منذ فترة لاخراجه من القصير والقلمون لينتشر الجيش السوري مكانه.
لم يرُق هذا القرار لقيادة الحزب ومن خلفها ايران، فكان لا بد من الهاء الجيش اللبناني بمهام اخرى واشغاله في قضايا هي في الاصل من مهام قوى الامن الداخلي، وليس افضل في تحقيق هذا الامر من اشعال الوضع في البقاع باستخدام الخارجين على القانون، ثم دفع البقاعيين للمطالبة بخطة امنية تحميهم من التشبيح وتنسيهم مطالبهم بالانماء ورفع الحرمان، وهنا تخرج قوى الامر الواقع في البقاع لتطالب الدولة ببسط الامن، وتتهم قيادة الجيش والامن الداخلي بالتآمر، لتظهر امام الناس بمظهر المنقذ لهم من فوضى السلاح.
المعادلة هنا في الشقين الداخلي والخارجي على الشكل التالي :
اسكات الحركة الاعتراضية البقاعية بعصا الامن، ومنع الجيش من تنفيذ الاتفاق بين رئيس الحكومة والرئيس الروسي، وبهذا تستمر السيطرة على الداخل البقاعي، و على الحدود اللبنانية السورية، في ظل انشغال الجيش اللبناني بضبط الامن في الداخل وعجزه عن ضبط الحدود التي شهدت في الاونة الاخيرة اشتباكات منظمة بين العشائر.
ويبقى قدر اللبنانيين عامة والبقاعيين خاصة ان يدفعوا فاتورة المصالح الضيقة للاحزاب وان يُفشلوا الاتفاقات بين الدولة والخارج على حساب امنهم ومستقبل ابنائهم.