تؤثر إسرائيل بشكل غريب في واشنطن والمنطقة العربية وقد دخلت في مرحلة جديدة مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة. واستغلت إسرائيل بالفعل الفراغ الذي تركته الانتفاضات العربية لتعزيز احتلالها، وحصلت على دعم غير محدود للاحتلال من ترامب.
تقوم إسرائيل بشكل روتيني بالدوس على حقوق الفلسطينيين بموجب سياسة التأمين السياسي شبه الحرة التي يوفرها البيت الأبيض. لقد بنت دولة إسرائيل خيالًا جيوسياسيًا على الفرضية الخيالية التي تقول إن الفلسطينيين سوف يتخلون عن حقوقهم في يوم من الأيام وأنّهم سيتركون أرضهم.
لا أحد لديه إيمان بعد الآن بأن هذا النهج ، الذّي يصر على الاحتلال الإسرائيلي الحالي كنقطة انطلاق بحكم الواقع في مفاوضات لا معنى لها مع الفلسطينيين، سيعزز السلام.
ارتفاع الشعبوية
على مرّ السنين، طورت إسرائيل منطق احتلال متميّز وراء الصهيونية التاريخية والأصولية. لم تعيق الأصوات المعقولة داخل إسرائيل ولا الانتقادات العالمية طموحات "الجيوسياسة والاحتلال".
لقد كانت إسرائيل مدعومة بالموجة المتصاعدة من الشعبويّة واليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة، إلى جانب موجة الاستبداد التي اجتاحت الشرق الأوسط بعد أن هزم الفاعلون القائمون على الوضع الراهن الانتفاضات العربية. بالنسبة للعقلية الجيوسياسية الإسرائيلية ، فإن روح العصر في المنطقة والعالم الأوسع نطاقا يقدم أرضية مبتذلة لكنها خصبة لتعميق الاحتلال.ما لم تتعرض إسرائيل، التي استسلمت لعقلية إدارة السجن، إلى انتفاضة جديدة أو تتلقى ضغوطاً جدية من دول إقليمية، فإن الوضع الراهن سيستمر
سهلت هذه الخلفية انتقال السفارة الأمريكية إلى القدس، والمذابح الروتينية في غزة، وتجاهل الفلسطينيين كمحاورين. لقد خفضت إسرائيل المشكلة بأكملها إلى تحليل بسيط لفائدة التكاليف، مما سمح للوضع الراهن بالبقاء في صالحها. ما لم تواجه إسرائيل ، التي استسلمت بعقلية إدارة السجن، انتفاضة جديدة أو تتلقى ضغوطاً جدية من دول إقليمية، فإن الوضع الراهن سيستمر.
لا ترى إسرائيل الحلقة المفرغة التي تحذر بها الجهات الفاعلة الأخرى، لأنّها غارقة في حالة عقلية إشكالية ساءت منذ أن تولى ترامب منصبه. هذه الحالة الفصامية تسمح لإسرائيل بالعيش عقلياً في واشنطن ولكنها تقيم في الشرق الأوسط.
في عصر أصبحت فيه الغزوات عفا عليها الزمن، يمكن لإسرائيل، التي حافظت على أطول احتلال في العصر الحديث، أن تعيش في سلام مع هذا الشرط فقط إذا كانت تعيش في الماضي.
السياسة الفلسطينية
في هذه الأثناء، يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وترامب أن يقدما للاحتلال قصة نجاح، حيث لم يلاق هذا المنظور الضحل معارضة واسعة في حقبة اختزلت فيها الجغرافيا السياسية قضية "إرهاب" ما بعد 11/9.
وبدافع من "الخوف من الإسلاميين" الأعمى، وضعت دول الخليج ومصر نفسها في محور ترامب- نتنياهو في فترة ما بعد الربيع العربي، مما قلل من احتمالات إنهاء الاحتلال.
كما تدعو حالة الفصائل الفلسطينية إلى التشاؤم. لضمان عدم بدء عملية مفاوضات ذات مغزى، بذلت إسرائيل جهوداً كبيرة لضمان عدم تحول الجماعات الفلسطينية من حركات المقاومة إلى عناصر سياسية تمثيلية. مثل هذا المنطق البدائي وجه جهود إسرائيل والولايات المتحدة لمنع حماس من الاستيلاء على السلطة بعد فوزها في انتخابات 2006.
ومع ذلك، لا يوجد عذر لفشل الجماعات الفلسطينية في أن تصبح أكثر نضجا سياسيا. لقد ألقت أزمة التمثيل بعد وفاة ياسر عرفات جميع الجماعات الفلسطينية في حلقة مفرغة. في غضون ذلك، جعلت الحكومات العربية التي تنظر إلى المشكلة الفلسطينية كعبء بعد الربيع العربي الأمور أسوأ.
التحول الديمقراطي الراديكالي
في هذه المرحلة، لا يمكننا أن نتوقع حدوث تحول نموذجي في إسرائيل / فلسطين. بعد "خروج حقوق الإنسان" من إدارة ترامب في الأمم المتحدة، أعلنت الولايات المتحدة رسمياً أنها لا يمكن أن تكون وسيطاً نزيهاً للفلسطينيين. علاوة على ذلك ، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والولايات الإقليمية ليس لديها الرؤية ولا الدافع للتنقل نحو حلّ.
يمكن لممثل واحد فقط أن يخطو خطوات ثورية نحو حل المشكلة: الفلسطينيون. على الرغم من التكلفة الباهظة للاحتلال، فإنّ التحول الديمقراطي في التمثيل السياسي لفلسطين قد يزعج محور ترامب-نتنياهو. إذا اقتصرت رؤيتهم على تعظيم القوة، لن تتمكن الفصائل الفلسطينية من الانسحاب من مكانها الحالي.
إنّ المنظور البائس للمجموعات الفلسطينية المختلفة "الموحدة" قد فقد معناها. الفلسطينيون بحاجة ماسة لتمثيل سياسي ذي معنى و التحول الديمقراطي الراديكالي. إن بناء لغة سياسية فلسطينية جديدة سيكون الخطوة الأولى نحو كسر نهج إسرائيل، وهو تعميق الاحتلال وقتل جميع الآمال في السلام.
ترجمة وفاء العريضي.
بقلم طه اوزان نقلًا عن ميدل ايست اي