فضيحة أخلاقية وإنسانية بإمتياز هي ما أصابت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد توقيعه في أيار مرسوماً يقضي بفصل أبناء المهاجرين عن ذويهم الذين يعبرون الحدود الأميركية بطريقة غير شرعية .
وأثارت هذه الفضيحة ردود فعل أميركية ودولية مستنكرة كونها تُخالف أبسط حقوق الإنسان الدولي وتؤدّي إلى تفكك وتبعثر الأسر .
وفي ظل الضغط الذي مُورس على ترمب ، خصوصاً بعد إنتشار صور وفيديوهات لأطفال داخل حظائر مسيّجة وهم يبكون ويصرخون ، تراجع ترمب عن قراره ووقّع بالأمس مرسوماً تنفيذياً جديداً يقضي بإيقاف سياسات الفصل ، لكن المرسوم لا يشمل أولئك الذين تم فصلهم ويبلغ عددهم حوالي ٢٣٤٢ طفلاً فُصلوا عن ٢٢٠٦ أشخاص من الآباء والأمهات بين أيار وحزيرانبحسب ما ذكرت BBC Arabic نقلاً عن مسؤولي الهجرة الأميركية، رغم قوله بأنه يريد إعادة لمّ شملهم .
إذ قال ترمب :" أعتقد أن كل من لديه قلب يشعر بشدة بهذا ، نحن لا نحب أن نرى الأسر منفصلة ".
وقد ذكرت تقارير أن ميلانيا وإيفانكا ترمب قد مارستا ضغوطاً كبيرة على ترمب ليتراجع عن قراره .
وقد زارت ميلانيا ترمب مركز إحتجاز حدودي في تكساس عند الحدود الأميركية - المكسيكية حيث يتم حجز الأطفال.
وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن وزارة الصحة الأميركية طلبت من البنتاغون إستقبال حوالي ٢٠،٠٠٠ طفل مهاجر في قواعد أميركية وتجهيز ٢٠،٠٠٠ ألف سرير لهم .
إقرأ أيضا : تكليف البنتاغون إيواء 20 ألف طفل من المهاجرين
وتأتي خطوات الفصل في إطار سياسة ترمب " لعدم التسامح مع المخالفين جنائياً وسجن عابري الحدود ممن ليس لديهم وثائق الهجرة ".
وقال بول ريان من الحزب الجمهوري أن " مجلس الشيوخ سيُصوّت الخميس على تشريع للإبقاء على الأسر معاً ".
ورغم سياسات ترمب القاسية ضد المهاجرين ، فقد تقدم منذ بداية العام حتى الآن حوالي ال ٢١،٠٠٠ شخص بطلب لجوء لأميركا وتقوم السلطات المختصة بدراسة ملفاتهم بحسب تقرير لقناة الجزيرة.
تراجع ترمب يُمثِّل إنتكاسة جديدة لإدارته المتخبّطة ، ويأتي هذا التراجع في ظل حملة إعلامية وحقوقية على سياسته ساهمت في توقيعه المرسوم التنفيذي الجديد.
حيث خصّصت مجلة " تايم " الأميركية غلافها الأول لصورة طفل مهاجر يبكي وهو ينظر إلى ترمب من أسفل وعنونتها ب " أهلاً بك في أميركا ".
وأثار هذا الغلاف ردود فعل مستحسنة له ، إذ إستطاع تلخيص المشهد الحالي لتصرفات ترمب إتجاه اللاجئين ، خصوصاً أن الولايات المتحدة الأميركية إنسحبت أيضاً من مجلس حقوق الإنسان .
إقرأ أيضا : ترامب: نريد لمّ شمل الأسر عند الحدود المكسيكية.. وميلانيا تزور المنطقة
وتطرح هذه الأزمة إشكالية جديدة في أميركا ، فترمب يبدو عاجزاً على التوفيق بين مصلحة " أميركا أولاً " ودور أميركا كزعيمة للعالم الحر والذي تشغله منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية ، إذ لا يمكن غفلان أن أميركا هي أكبر دولة تضم لاجئين في العالم وهي أُمّة تأسّست على أيدي اللاجئين.
مع هذا يتصرّف ترمب بتطرف شديد إتجاه القضايا الإنسانية ، ضارباً بعرض الحائط الحسابات الإنسانية والأخلاقية وإلتزامات أميركا الدولية إتجاهها .
وهو إذ تراجع عن خطوته الأخيرة بمرسوم غامض لم يأتِ على ذكر معالجة حالات الفصل السابقة ، إلاّ أنّه مُصِّر على ما يبدو في سياسته وكأنّه حاول جسّ نبض الداخل الأميركي والعالم بهكذا مراسيم .
والخطورة تكمن في حال وصول ترمب لقناعة تامّة أن مصلحة أميركا الداخلية وأمنها القومي هو المعيار لتحديد السياسات والتعاطي مع الملفات ، دون إعطاء الأهمية الكافية لمواضيع الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم .
لأنّه ببساطة هو يُشرعن الديكتاتورية والظلم والعنصرية والكراهية حول العالم ، وهذا بحد ذاته شرّ ما بعده شرّ.