أولاً: اللقاء على أرض محايدة...
لم يتّسع لبنان للقاء القطبين السُّنّي والماروني ل"حلحلة" عُقد تأليف الحكومة العتيدة، فكانت باريس أرضاً محايدة ومناسبة للقاء الرئيس المكلف سعد الحريري مع رئيس التيار الوطني الحر ووليّ عهد الرئيس ميشال عون الوزير جبران بن باسيل، واذ التقط اللبنانيون أنفاسهم بانتظار خروج الدخان الأبيض من قاعة الاجتماع، فتتيسّر أمور تشكيل الحكومة التي طال انتظارها، خاصّةً بعد أن رفع رئيس المجلس النيابي بطاقات التّحذير من التّلكؤ في التّأليف المرّة تلو الأخرى. وبعد أن نبّه أكثر من مرجع سياسي واقتصادي واجتماعي من خطورة الوضع المالي الصعب للدولة، بالإضافة إلى التطورات الإقليمية المتسارعة والتي تستوجب وجود حكومة فاعلة.
إقرأ أيضًا: اللواء عباس إبراهيم .. كفاءة اللواء الراحل غازي كنعان مع الصلاحيات المفقودة
ثانياً: غطرسة الوزير باسيل المتمادية...
ما زالت العقدة المسيحية عند الوزير باسيل، وما زال مُصرّاً على تحجيم دور القوات اللبنانية وعزلها، ولو استطاع لإلغائها سبيلاً لما تردّد في ذلك، حنيناً إلى ماضٍ حافلٍ بمحاولات الإلغاء بين الفينة والأخرى، كما بات توّاقاً اليوم إلى عزل تيار المردة وزعيمه سليمان فرنجية، وذلك استباقاً للمعركة الرئاسية القادمة لا محالة، لذا فهو يُطالب بوزارة الأشغال العامة (التي كان قد فرضها الرئيس بري في الحكومة السابقة لتيار المردة )، كما يطالب بوزارة الشؤون الإجتماعية التي يشغلها اليوم وزير قُوّاتي، وإذ يلفُت الرئيس الحريري نظر باسيل إلى صعوبة عزل تيارين مسيحيين (قويّين حسب قاموس باسيل نفسه)، كان جواب باسيل بما معناه: يمكنهم البقاء خارج التشكيلة الحكومية، وربما أضاف: يمكنهم خبط الرؤوس في أقرب حائط.
وهكذا تتعثّر ولادة الحكومة، ويُبرهن باسيل للعدو قبل الصديق أنّ العهد عهده، عهدُ قوّةٍ زائدة وعزيمة ماضية، وهاكم الدليل: إمّا أن تؤلّف الحكومة على هوانا ووفق مشيئتنا ومصالحنا! وإلاّ فلينتظر البلد، كما انتظر ذات يوم عندما عرقل الجنرال عون تأليف الحكومة مدة تزيد على ثمانية أشهُر، وقال: نعم، كرمى عيون صهر الجنرال لا حكومة ولا من يحكمون، دون الصهر المدلّل باسيل.
قال الأصمعي: سمعتُ أعرابياً يقول: من ثقُل على صديقه خفّ على عدُوّه، ومن أسرع إلى الناس بما يكرهون، قالوا فيه ما لا يعلمون.