تكمن اهم الاصلاحات المطلوبة للنهوض بالاقتصاد مجددا في قطاعات اساسية مثل الكهرباء ومعالجة الدين الذي تخطى حدود المعقول وبتنا معه ثالث اكبر دولة مديونة في العالم ومع قطاع عام لديه فائض من الموظفين والذي بات يعد غير مقبول مقارنة بعدد السكان وعجز في الموازنة يتزايد سنويًا وبشكل غير مضبوط.
اضف الى ذلك مصاريف الدولة اللبنانية التي تذهب على قطاعات غير منتجة. وقد تكون المبالغ والتعهدات التي رصدت في مؤتمر «سيدر» غير كافية ان لم تسر جنبًا الى جنب مع اصلاحات قد تكون في بعض الاحيان مؤلمة انما ضرورية لانقاذ الوضع المتردي. وقد تكون قضية اللاجئين السوريين في لبنان والتي اثرت سلبًا على اقتصاده وكبّدته خسائر جمّة لها الاولوية في ظل التقاعس الدولي عن هذه المهمة.
وقد يكون الامر تواطؤا من المؤسسات الدولية من اجل توطينهم في لبنان الامر الذي يعتبر، في حال حصوله، كارثة وطنية اقتصادية وديمغرافية يتأتى عنها خلل كبير يهدد الكيان. وما يصدر عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي فيما يخص لبنان ليس بحاجة لفلسفة معينة انما هو ابسط الامور ونحن قادرون على تمييزها انما يلزمنا ادوات لعملية اصلاح سريعة لا تنتظر.
كذلك فان اساليب التخطيط لا يمكن ان تستند الى افتراضات النماذج الاجنبية ولبل الى مراعاة الخصائص الوطنية علمًا ان هناك امورا بديهية لا سيما اذا ما تطلعنا الى الموازنة ورأينا بنودها وكيفية صرف اموالها نرى ان القطاع العام (باستثناء القطاعات المنتجة) يستحوذ على النسبة الاكبر من مصاريف الدولة مما يعني ان ترشيق الادارة ضروري.
وهناك امور بديهية يجب التطلع اليها في ظل الحالة المأساوية التي وصلنا اليها، اهمها:
١- ترشيق الادارة واعادة تموضع موظفيها بحيث تصبح الموارد البشرية فاعلة بشكل اكبر. وقد يكون مجلس الخدمة المدنية خير طريق لذلك.
٢- بذل جهود افضل نحو التحسن في تحصيل الضرائب خصوصًا الضريبة على القيمة المضافة وعدم اعفاء اي شخص من الضريبة كونها شمولية، وعلى الجميع الامتثال.
٣- الغاء منتفعات اساتذة المدارس الرسمية والقوات المسلحة لا سيما من ناحية اقساط المدارس الامر الذي يساعد في تحسين مستوى التعليم الرسمي ويدفع به الى الامام.
٤- انشاء وزارة التخطيط والتي تعتبر ام الوزارات بحيث نستغني معها عن المجالس لا سيما مجلس الانماء والاعمار ومجلس الجنوب وبعض الوزارات كوزارة الشؤون ووزارة المهجرين والذين باتوا عبئا لا يمكن تفسيره الا بالمحاصصة.
وهذا المشروع يوفر على الدولة اموالًا هائلة تصرف دون حسيب او رقيب وقد تكون وزارة المهجرين ام الوزارات التي شهدت هدرًا كبيرًا وصرفت اموالها في غير مكانها ولم تعالج المسألة الاساس وهي المهجرين. ان ابقاء هذه الوزارة دليل واضح على الفشل في معالجة هذا الملف بعد سنين من حدوثه.
٥- الغاء منتفعات موظفي الدولة لا سيما موظفي الدرجات الاولى والثانية كذلك منتفعات النواب الذين انتهت خدمتهم ولم يجدد لهم الشعب ثقته بهم مما يعني فشلهم في تحقيق الهدف المنشود من انتخابهم.
٦-الغاء بعض الوزارات والتي هي اصلًا غير موجودة الا في الدول الديكتاتورية مثل وزارة الاعلام وما تأتى عنها من فائض في الموظفين نتيجة استغلالات لمصالح انتخابية تراكمت مع السنين.
٧- السعي الحثيث في تثبيت اللامركزية الادارية الموسعة كسبيل في الوصول الى انماء متوازن اقتصاديًا واجتماعيًا لا سيما ان تحقيقه قد يخفف من حدة الفقر ويساهم في تطوير الحكم المحلي الامر الذي يسهل المحاسبة والمراقبة ويساعد السلطات المحلية في تسيير شؤونها الداخلية دون مركزية السلطة وتعقيداتها.
٨- السعي نحو مشاركة فاعلة للقطاع الخاص في ادارة مصالح الدولة على غرار Ojero و Libanpost الامر الذي ساعد في تحسين الجباية وزيادة الخدمات وقد تكون هذه المشاركة ضرورية وان كنا على سبيل التكهن ضد أي عملية خصخصة لادارات الدولة.
٩- تقليص البيروقراطية وتأمين بيئة تجارية افضل والسماح بالاستثمار بطرق جذابة دون الدخول في متاهات يصبح معها المستثمر غير راغب في اي عملية استثمار وحصل هذا في لبنان حيث ان عدد من المستثمرين الاجانب وبعد ان صرفوا اموالًا طائلة في لبنان قرروا الخروج بسبب البيروقراطية وازدواجية المعايير وتعقيداتها.
١٠- تفعيل القضاء الخاص بالهدر والفساد وتفعيل دور الهيئة العليا للتأديب والتطهير من الادارة كذلك دور ديوان المحاسبة وغيرها من دور الرقابة لا سيما بعد ان استفحل الهدر والفساد وبات آفة المجتمع اللبناني هذا عدا عن تصنيف لبنان في قائمة الدول الاكثر فسادًا في العالم.
قد لا تحتاج هذه الامور الى فلسفة انما لمراقبة عميقة في الوضع المتردي لا سيما وان رئيس الجمهورية حذر مرارًا وتكرارًا من هذه الامور ولكنّ الامر يتطلب ارادة جدية من قبل الجميع من اجل المعالجة.
إلا ان هذه الامور مستعجلة وضرورية وتوفر على الدولة اموالًا طائلة ونحن هنا استعرضنا بعضها وقد يكون الحديث اطول ومجالات الاصلاح اوسع، ونلفت النظر هنا الى الضمان الاجتماعي وما يحوم حوله من شبهات تستدعي المعالجة وبالشكل السريع.
كلها امور برسم الدولة والقيّمين عليها والا قد نكون دخلنا في متاهة المحاصصة، والانهيار حتميّ لا محال وعلى المسؤولين اخذ كل بند من البنود المذكورة على محمل الجدّ كونها اكثر الامور إلحاحًا في المدى القريب. اما المدى الطويل فله ظروفه واحكامه وطرق معالجته.
والخلاصة وحسب Cleaver «لا يوجد حياد في العالم - يجب عليك ان تكون جزءًا من الحلّ او ستكون جزءًا من المشكلة».