لا يكاد يمر يومان أو ثلاثة في لبنان من دون الكشف عن حالة انتحار واحدة وقد ترتفع إلى حالتين أو أكثر. الانطباع العام كما بعض الأرقام المعلن عنها توحي بأن هناك ظاهرة تنتشر بين الشباب اللبناني تخفي خلفها حالات اكتئاب لا تنفصل بحسب المتخصصين عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي، لكن في الوقت عينه يرى هؤلاء أن التدقيق في هذه النسبة لا يعكس خطراً من دون أن يعني ذلك إهمال هذا الأمر والتنبه لأسبابه والتوعية لعدم تفاقم الوضع. في الأسبوع الأخير، أُعلِن عن أكثر من أربع حالات انتحار في مناطق لبنانية عدة، بينما الإحصاءات الموثقة بحسب السلطات اللبنانية، تشير إلى أنه وإلى شهر مايو (أيار) سُجِّلت مائة حالة في وقت كان عدد الحالات في العام الماضي كله 143 حالة وفي عام 2016 كان 128، وفي عام 2015 وصل إلى 138، وفي عام 2014 وصل إلى 144. انطلاقاً من هذه الأرقام يجمع كل من الدكتور إيلي كرم مدير جمعية «إدراك» (مركز الأبحاث وتطوير العلاج التطبيقي) وميا عطوي، الاختصاصية في علم النفس وأحد مؤسسي جمعية «embrace» للتوعية حول الأمراض النفسية، على أن الوضع في لبنان ليس في مرحلة خطرة، خصوصاً أن النسبة تُقدَّر بنحو اثنين في المائة من إجمالي عدد السكان في وقت قد تصل في دول أخرى إلى 15 في المائة.
وتشير عطوي إلى أن الانتحار تحوّل إلى هاجس أساسي للصحّة العامة في لبنان، لافتة إلى أن إحصائيات قوى الأمن الداخلي تشير إلى حالة انتحار كل يومين ونصف يوم في لبنان، ومحاولة انتحار كل ستّ ساعات، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إنه بالنظر إلى الأرقام والاتصالات التي ترد إلى الجمعية التي خصصت رقم هاتف ساخناً للمساعدة، فإن هناك ارتفاعاً في عدد الحالات التي يُبلّغ عنها ما يستدعي القلق والتأكيد على زيادة التوعية، موضحة أنه ومنذ شهر سبتمبر (أيلول) حتى شهر فبراير (شباط) الماضي تلقت الجمعية مائتي اتصال من قبل أشخاص يبلغون عن آخرين يعانون من حالات معينة ومؤشرات قد تدل على أنهم قد يقدمون على الانتحار، بينما سجل بين شهر فبراير وشهر مايو نحو 400 اتصال.
في المقابل، يرى كرم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «لغاية الآن وبعد خمسة أشهر من السنة الحالية لا يمكن الحسم بأن هذه النسبة ارتفعت، بحيث علينا الانتظار حتى نهاية العام لمعرفة الأرقام النهائية ليُبنى على الشيء مقتضاه»، مؤكداً كذلك على أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه يعني أنه في نهاية 2018 قد يصل عدد حالات الانتحار إلى 250، وعندها يمكن الحسم بأن هناك تزايداً في هذه الظاهرة، في وقت يقدر فيه المعدل العالمي بـ150 حالة لكل مليون شخص، وبالتالي يبقى المعدل في لبنان منخفضاً.
وانطلاقاً من العوامل الاجتماعية التي يعيش فيها اللبناني كما بعض الدول العربية، يرجّح كل من كرم وعطوي أن ارتفاع هذه الأرقام المعلنة يرتبط بزيادة التوعية في السنوات الأخيرة لدى الناس إضافة إلى الإعلان عن الحالات بعدما كان يتم التعامل معها على أنها حالات وفاة عادية، كما تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً في إلقاء الضوء بشكل أكبر على هذا النوع من الوفيات. مع العلم بأنه في المرحلة الأخيرة وبعد تزايد الإعلان عن الانتحار قام ناشطون لبنانيون بطريقة عفوية بالإعلان عن مبادرات فردية لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من مشكلات نفسية واكتئاب قد يؤدي بهم إلى إنهاء حياتهم.
هذا الدعم العائلي والمعنوي والاجتماعي، يلعب دوراً أساسيّاً في تخطي المريض النفسي مشكلته، وقد ينجح في أحيان كثيرة في إنقاذ الشباب والفتاة، خصوصاً أن أعراضها لا تظهر على المريض بنسبة 70 في المائة بحسب كرم.
وهو ما تشير إليه عطوي، مشددة على أن الخط الساخن الذي خصصته «embrace» هو لتقديم هذا الدعم، وذلك عبر المساندة المعنوية وتقييم مخاطر الانتحار لدى المريض ليتم بناء عليه توجيهه والتواصل مع عائلته أو إرساله إلى المستشفى للعلاج.
ولا تختلف الأسباب التي يعاني منها المنتحرون في لبنان عن تلك التي يقدم عليها أمثالهم في دول أخرى، لا سيما العربية منها، بحسب كل من كرم وعطوي. وهي تتركز بشكل أساسي على الأمراض النفسية والاكتئاب والعوامل الاجتماعية والاقتصادية المتردية إضافة إلى عوامل وراثية.
ويلفت كرم إلى أن الانتحار يشكّل السبب الثاني عالمياً لموت لشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً، بينما تشكّل حوادث السير السبب الأول للوفاة.