"إلا أمي"، عبارة رددها علي القعقور مرّات ومرّات، مهدداً بإنهاء حياته، إن "جُرّت" والدته الى المحكمة للاستماع إلى أقوالها بإشكال وقع قبل ثلاث سنوات في شارع صبرا. لم يكن ابن الـ22 سنة يطلق كلامه جزافاً كما اعتقد مقربون منه، إلى حين اقترب موعد جلسة المحاكمة، فقبل ساعات منها حمل مسدساً وجّهه الى قلبه، وبلحظة انهى عذاب سنوات عانى خلالها ضغوطاً أنهت رغبته في البقاء، إذ فضّل أن يلتحف التراب على العيش تحت تهديدات من هنا وجلسات قضائية من هناك.
"ضحية المافيات"
"علي ضحية أصحاب الخوات والمافيات"، عبارة ردّدها علي ابن عم القعقور، الذي شرح لـ"النهار" التفاصيل التي أوصلت شاباً في مقتبل العمر الى اليأس واتخاذ قرار الموت، فقال: "تعود القصة الى ثلاث سنوات ماضية، عندما وقع اشكال بين سامر س. مع أدهم ص. رئيس احدى المافيات التي اعتاد اخذ خوات من البسطات في شارع صبرا، تطوّر الى اطلاق محمود شقيق ادهم النار على سامر، ما ادى الى وفاته"، واضاف: "لحظة الاشكال، كان علي موجوداً كونه يسكن في الحي ذاته، الا انّ لا علاقة له به، لكن بعد فتح قضية امام القضاء، لا سيما انّ قتيلاً وقع، اراد ادهم إلصاق التهمة بأيّ انسان مقابل اعطائه بدلاً مادياً شهرياً، وقع الاختيار على علي، الا انّنا رفضنا الفكرة، وقلنا ليأخذ القضاء مجراه. سلّمنا ابن عمي، تم توقيفه نحو 3 اشهر حيث استجوب وجرى الاستماع الى الشهود، أُخلي بعدها سبيله، لكن منذ ذلك التاريخ وحتى يوم انتحار علي، لم تتوقّف جلسات المحاكمة، اذ كان يُستدعى للحضور كل شهرين او ثلاثة".
تحذير قبل التنفيذ
لم يقتصر الامر على استدعاء علي لحضور الجلسات، بل كما قال القعقور: "لم يتوقف ادهم عن تهديد ابن عمي على الرغم من تركه المنطقة وعودته الى بلدته بعاصير ومتابعة حياته، حيث افتتح محلاً لتصليح الدراجات النارية، استمر الوضع على المنوال عينه الى ان استدعيت والدته كشاهدة في جلسة كانت مقرّرة يوم امس، هنا ثارت حفيظة علي، فهو الذي لا علاقة له بكل ما حصل، ومع ذلك لم يرتح من الجلسات، في حين تم توقيف اصحاب الاشكال ادهم وشقيقه مدّة قصيرة ليطلق بعدها سراحهما". واضاف: "منذ اكثر من عشرين يوماً، وعلي يقول إن تمّ جرّ والدتي الى المحاكم، فسأقتل نفسي وارتاح، اعتقدنا بداية انها كلمة عابرة، لكن يا للاسف كان يعي تماماً ما يقوله".
طلقة النهاية
قبل يوم من جلسة المحاكمة، كان علي مع ابن عمه لدى المحامي، "اطلعه ألا يحمل همّاً، عندها أجابه أعلم ان لا علاقة لي بالموضوع وانا راضخ للقضاء لكن ما يزعجني استدعاء والدتي، فأيّ ذنب ارتكبته حتى تُجرّ الى المحاكم؟"، قال القعقور قبل أن يضيف: "عند الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، اي قبل ساعات من الجلسة التي كانت مقررة عند الثامنة صباحاً، كان علي يقف في الساحة امام باب منزله مع اشقائه وابناء عمه، ابتعد من الجميع، سحب مسدساً واطلق النار على قلبه، سقط أرضاً قبل ان ينقل الى مستشفى الجية، وكاميرات المراقبة المزروعة في المكان التقطت لحظة تنفيذ قراره بإنهاء حياته".
فتح مخفر برجا تحقيقاً بالقضية، ووري علي في الثرى بعدما كتب الفصل الاخير من معاناته بدمه، لكن القضية كما قال ابن عمه ليست "موضوعاً شخصياً، بل قضية رأي عام عما يعانيه الناس من المافيات والعصابات، حيث في بلدنا يعاني الآدمي، والأزعر يسرح ويمرح أمام أعين القوى الأمنية والقضاء"!
من جانبه نفى أدهم ص في اتصال مع "النهار" أن يكون هو أو شقيقه متورطين باطلاق النار على سامر س، مؤكداً أن" سبب انتحار علي هو خشيته من حكم المحكمة كونه هو من اردى سامر قتيلاً، وقد شهد على ذلك 8 أشخاص"، مضيفاً" نحن نرضخ للقضاء وننتظر ان يتخذ مجراه في هذه الجريمة".