لو أقيمت مسابقة لأقوى الجيوش الإلكترونية في العالم لكان احتل لبنان منصباً مشرفاً فيها، فما إن تطفو على سطح المشهد السياسي بعض المناكفات السياسية الحادة حتى تتحرك هذه الجيوش بكل ما أوتيَت من قوة، ترفع المتاريس الافتراضية بوجه خصومها وتدك حصونهم من على نوافذ صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، تنال من هيبة زعيم وتضرب سمعة سياسي، وكل هذه الحرب وفق خطوات مدروسة للتهرب من أية ملاحقة قانونية.
لهذه اللعبة أبعاد ثلاثة، حزبي، وشخصي، وترويجي سياسي. منذ فترة ليست بطويلة وبعد الهجمة الإلكترونية بدأت تظهر للعلن حسابات بأسماء وهمية ترى أصحابها ينتظرون أمر العمليات لينقضّوا على خصومهم. فلكل حزب جيش من هذه الحسابات التي تُستعمل عند الحاجة للقدح والذم والتشهير والتحريض ونبش الأحقاد الدفينة لإيصال رسائل سياسية معينة لتأليب الرأي العام.
ظهرت هذه الحالة أخيراً في عدة محطات لبنانية، كان آخرها الصراع على خط بعبدا المختارة على خلفية اتهام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط العهد بالفاشل، وسبقها صراع التيار الوطني الحر وحركة أمل تحديداً بين وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري. وكذلك الأمر في صراع "الأخوة" بين الوطني الحر والقوات اللبنانية وهو الذي يخف وهجه ويقوى تبعاً لمجرى الأحداث السياسية بين الطرفين. وتلعب هذه الفرق لعبة "التراند"، فتشعل مواقع التواصل بهجوماتٍ مذيّلة بهاشتاغ موحد للوصول إلى مراتب متقدمة في السباق الافتراضي.
ويلاحظ في هذا الصراع دخول الصفحات الإلكترونية على خط الصراع، عبر صفحات يديرها متخصصون، تكون متأهبة لافتراس الحزب الفلاني والزعيم العلاني وفقاً لما يقتضيه مجرى الأحداث. واللافت في هذه الصفحات أن لديها كماً هائلاً ودقيقاً من المعلومات التاريخية التي تستحضرها عند الحاجة وبأسرع وقت ممكن للنيل من أحد رؤساء الأحزاب. الأمر الذي يدل على أن هذه الصفحات لديها ارتباطات وثيقة مع الأحزاب تؤمن لها المعطيات اللازمة لنشرها عند الضرورة.
ليست الأحزاب ورؤساءها هم فقط المستهدفون في هذه العملية بل الشخصيات السياسية والأمنية أيضاً. وكان واضحاً في هذا الاستهداف ما حصل أخيراً مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم في قضية إعفاء الإيرانيين من ختم جوازات سفرهم على المطار، إذ جُنّد لاستهداف ابراهيم عدد من الحسابات الوهمية التي راحت تتعرض للواء بالشخصي والسياسة. وكل هذا وهي محمية من الملاحقة بسبب التمويه المفتعل الذي تقوم به هذه الشخصيات التي تعمل لدى أحزاب وشخصيات سياسية.
ودخل على الخط نفسه بُعد ترويجي سياسي متصل بالبازار الحكومي، تعمد من خلاله حسابات بأسماء غير حقيقية لنشر معلومات مغلوطة عن توزير شخصيات في الحكومة المقبلة، بهدف الترويج الوزاري المدفوع بطريقة تلفت انتباه الإعلام والسياسيين على حدٍ سواء وبالتالي يسلط الضوء مجاناً على هؤلاء.
تقع مسؤولية ملاحقة هذه الحسابات على مكتب مكافحة جرائم المعلومات، ويتحدث مصدر معني لـ"ليبانون ديبايت" عن الخطوات التقنية التي يقوم بها المعنيون لتعقّب هؤلاء وتحديد أماكنهم. أكثر وسائل التعقب رواجاً هي "tracking" عبر إرسال روابط الكترونية "links" لصاحب الحساب الوهمي. ومجرد أن يدخل الأخير إلى اللينك يتم تحديد مكانه عبر الـ "IP" الذي يستخدمه. وبعدها يأخذ الجهاز المعني تصريحاً من القضاء للتواصل مع الـ"ISP" أي شركات توزيع الانترنت في المنطقة التي يعمل منها صاحب الحساب الوهمي لتحديد مكانه بالتحديد ثم تكليف مخبر متابعة الملف من اجل الوصول الى الفاعل.
لكن يواجه المعنيون صعوبة في تتبع المدعى عليهم بهذه الطريقة لأنهم عادةً ما يكونون حذرين ولا يخاطرون بفتح أي رابط مشبوه.
كما أن لهؤلاء طرق عدة لحماية أنفسهم عبر برامج خاصة تحمي حواسيبهم، إذ يستخدمون برامج حرفية في تضليل المتابع كاستخدام أحد برامج تغيير الـIP ونقله الى IP حقيقي آخر موجود في نقطة أخرى من العالم. وهذا النوع من البرامج الذكية القليلة الموجودة يمكن له ان توفر حماية كبيرة للفرد، لكن العمل ضمن هذه البرامج محصور بأهل الاختصاص والخبراء والقراصنة.