أولاً: اللواء غازي كنعان...
كان اللواء كنعان خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي رجُل سوريا الأول في لبنان، وكانت مرتبته الرسمية: رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات العربية السورية في لبنان، أمّا مُهمّتهُ الفعلية فكانت أقرب إلى المندوب السامي للدولة المُنتدبة على لبنان من قبل المجتمع الدولي، وكان اللواء الراحل (والذي نحره فيما بعد النظام السوري ونسب له فعل الانتحار)، يتمتع بكفاءات سياسية جمّة بالإضافة إلى كفاءاته الأمنية والتي تُضاهي السياسية منها، كان، رحمه الله، يُنجز بجولة سريعة، لا تتعدى الساعات، على الرؤساء الثلاثة ما يعجز عنه هؤلاء الرؤساء هذه الأيام بأسابيع، لا بل بشهور أو سنوات، كان يؤلّف اللوائح الانتخابية للبرلمان، ويُعيّن من يفوز ومن يبوء بالخسران، يؤلف الحكومات ويُسمّي عدداً من الوزراء ، ويختار من حالفه الحظّ لوظائف الفئة الأولى في الإدارة العامة، بالإضافة لتعيين بعض السفراء والقناصل، وتمتد صلاحياته لحدود تعيين قائد الجيش وسائر الأجهزة الأمنية، وربما وصل الأمر بالتدخل في تعيين رئيس الجامعة اللبنانية، وبعض رؤساء مجالس الإدارات العامة والمستقلة، فعرف لبنان في عهده نوعاً من الاستقرار السياسي والاجتماعي بعد اتفاق الطائف وتولّي الرئيس الراحل رفيق الحريري مقاليد رئاسة الحكومة، وظلّ الوضع على حاله حتى خلفهُ اللواء رستم غزالي، فاضطربت أحوال البلد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً حتى انتهت باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتلاهُ خروج القوات السورية نهائياً من لبنان عام 2005 بعد سحب التّكليف الدولي "باحتلال" لبنان لمدّة قاربت ثلاثين عاماً.
إقرأ أيضًا: تأوُّهات كافرة بالعلمانية...
ثانياً: اللواء عباس إبراهيم...
اللواء إبراهيم مدير عام الأمن العام اللبناني الحالي منذ أكثر من عشر سنوات، وهو يتمتع بكفاءة أمنية عالية، ومناقبية عسكرية سليمة، وبات يضطلع بمهمات ذات طابع سياسي، كالعمل على رأب الصدع بين الرئاستين الأولى والثانية خلال أزمة مرسوم أقدمية الضباط، وبعدها أزمة تهجمات الوزير باسيل على مقام الرئيس نبيه بري وما تلاها من اضطرابات أمنية وسياسية، وتكليفه بنزع الألغام التي يزخر بها مرسوم التجنيس الأخير، وما خلّفتهُ مراسيم تعيين القناصل الفخريين، أضف إلى ذلك تكليفه الإهتمام بمسألة ترسيم الحدود بين لبنان والكيان الإسرائيلي. مهمات كان باستطاعة اللواء كنعان أن يعالجها فوراً بفضل الصلاحيات المطلقة التي كان يمتلكها، والكاريزما الطاغية التي كان يتحلّى بها، إلاّ أنّ من سوء حظّ اللواء ابراهيم (أو من حُسن حظّه والله أعلم)، أن تُلقى عليه معظم أحمال وأوزار العهد "القوي" مع صلاحيات منقوصة ومبتورة عن تلك التي كانت في حوزة غازي كنعان.