بدأ تكتل «لبنان القوي» و«التيار الوطني الحر» اللذين يرأسهما وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل أمس الثلاثاء جولة على المرجعيات السياسية والروحية للدفع باتجاه إدراج عودة النازحين السوريين بنداً أول في البيان الوزاري على أن يليه انكباب الحكومة الجديدة على وضع الخطة التطبيقية لإتمام هذه العودة.
وقال أحد نواب التكتل الذين بدأوا جولتهم أمس بلقاء البطريرك الماروني بشارة الراعي إن هذا الملف «بات أولوية مطلقة لن نتراجع عنها مهما كانت الظروف والضغوط التي نتعرض لها»، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المطلوب في هذه المرحلة إبقاء هذه القضية على طاولة البحث بانتظار تشكيل الحكومة التي سيكون بند إعادة اللاجئين بندا أول في بيانها الوزاري كما على جدول أعمالها على أن تنكب بعد ذلك على وضع خطة تطبيقية لإتمام هذه العودة». وأكد المصدر النيابي أن «التيار الوطني الحر» لن يمانع أي خطة يتم التفاهم عليها مع باقي الفرقاء، «أي أننا لن نتصدى للتعاون مع أي طرف خارجي لتحقيق غايتنا كما لن نمانع انطلاق عودة تدريجية وبأعداد صغيرة شرط أن تتفعل مع مرور الأسابيع والأشهر». وأضاف المصدر: «مر على وجود النازحين السوريين على أراضينا أكثر من 7 سنوات، فما الذي يمنع أن تصبح السنوات الـ7، 70 سنة كما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين في حال لم نستنفر اليوم لوضع حد لهذه الأزمة؟».
وأشار المصدر إلى أن «الهواجس والمعطيات التي عرضها الوفد للبطريرك الراعي كانت إلى حد كبير متطابقة مع هواجسه ومعطياته باعتبار أن المجتمع الدولي لم يخف يوما أنه غير متحمس لإعادة النازحين ويرفض حاليا هذا الموضوع من منطلق أنه غير مستعد لإعادتهم إلى النظام الذي هجرهم، ويربط العودة بالحل السياسي للأزمة السورية، وهو ما نرفضه تماما».
وتحدث النائب جورج عطالله باسم الوفد الذي التقى الراعي، فشدد على ضرورة توحيد اللبنانيين حول مشروع سياسي موحد لمقاربة أزمة النزوح والتعاطي معها على أساس «سيادي وطني»، داعيا لإخراج الموضوع من «الزواريب والتجاذبات السياسية، لأن أي مقاربة خاطئة لهذا الموضوع تشكل خطراً يقارب الخطر الوجودي على المستوى اللبناني بشكل عام».
وعرض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس هذا الملف مع وفد من المطارنة الكاثوليك في الولايات المتحدة الأميركية، فأطلعهم، بحسب بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، على الأوضاع في لبنان، مركزاً على «الأزمات الخارجية والاقتصادية والحرب السورية التي أرخت بثقلها عليه، لا سيما تداعيات النزوح السوري، ومطالبة لبنان بعودة متدرجة للنازحين إلى المناطق الآمنة في بلادهم». ودعا عون الوفد إلى «التحرك لدى الإدارة الأميركية لدعم موقف لبنان وتسهيل عودة النازحين»، لافتا إلى «العراقيل التي تضعها بعض الجهات الخارجية في طريق السعي اللبناني».
وتتفق معظم القوى السياسية اللبنانية على وجوب عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، لكنها تختلف حول كيفية مقاربة هذا الموضوع، ففيما يدعو بعض الفرقاء للتنسيق مع النظام السوري لإعادتهم، يرفض فرقاء آخرون هذه الدعوة جملة وتفصيلا ويصرون على وجوب أن يتم ذلك بالتعاون والتنسيق مع الأمم المتحدة ومفوضية شؤون اللاجئين التي يتهمها وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل بتنفيذ أجندة خارجية تتعارض مع المصلحة اللبنانية العليا.
ويعتبر مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر أن «كل كلام أو سعي جدي بموضوع اللاجئين السوريين لا بد أن يمر أولاً وأخيراً عبر موسكو وواشنطن لأنه يخضع لشروط النظام الإقليمي الجديد بما فيها «سوريا المفيدة» وإعادة الهندسة الديموغرافية التي ترافقها». ويشدد نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على وجوب «تشخيص القضية جيدا قبل الانطلاق إلى معالجتها من خلال تحديد العقبة والطرف الذي يمنع عودة النازحين»، ويقول: «ليست المفوضية التي تمنع هذه العودة ولا الدول الأوروبية بل النظام السوري والعراب الروسي اللذين ينكبان على وضع خطة لإعادة هندسة سوريا تحت عنوان المصالحات ومناطق خفض التصعيد»، لافتا إلى أن «هذه الخطة لا تتحدث عن عودة أهالي حمص مثلا إليها لأن مقومات حماية سوريا المفيدة تلحظ وبشكل أساسي التماسك والتجانس الديموغرافي». ويضيف نادر: «في حال كنا جديين في معالجة هذا الملف المطلوب التوجه إلى الروس والأميركيين، وليس مواجهة الأوروبيين الذين تتقاطع مصالحهم مع مصالحنا في هذه الأزمة، وحسنا فعل الرئيس الحريري بمفاتحة الرئيس فلاديمير بوتين بالموضوع عسى أن يتحرك الطرفان الأميركي والروسي لإعادة النازحين إلى مناطق خاضعة لسيطرتهم سواء في شرق الفرات أو في المنطقة المتاخمة لقاعدة التنف»، معتبرا أن التواصل مع الأتراك كذلك قد يكون مفيدا لحل هذه الأزمة.