المتعارف عليه أنّ النسبة الأكبر من العلاقات العاطفية تبدأ بـ"مبادرة" من قبل الرجل، في مقابل نسبة أقلّ لعلاقات تبدأها الأنثى. في عصور مضت كانت "الإشارات" الأنثوية أقلّ وضوحاً، مثل نظرة، أو "رمي المنديل" على ما تذهب أغنيات عربية كثيرة، واليوم ربما باتت أكثر وضوحاً، مثل طلب رقم الهاتف، أو المحادثة الفيسبوكية...
اليوم، وبحسب "ترند" نسوي ظالم وغير سويّ، بات هناك سيل من النسويات يحاولنَ قلب التسمية من "المبادرة" إلى "التحرّش". وبات مصطلح "تحرّش" يستخدم "على الطالع والنازل"، حتّى يكاد يُفرغ من مضمونه، تماماً كما فعل الممانعون بمصطلح "العمالة" لإسرائيل حتى بات نكتة.
وهذا ما جرى تحديداً في الأيام الفائتة، بعدما حوّلت الناشطة ت. هذا النقاش إلى مناسبة للتهكّم عليها وعلى النسويات وعلى "التحرّش"، بعدما اتهمت ناشطاً تعرفه بأنّه "تحرّش" بها، لمجرّد قوله لها، عبر "الإنبوكس"، أي عن بعد عشرات الكيلومترات عن مكان تواجدها الجسدي، بأنّه يريد أن يقول لها شيئاً لن يستطيع النوم إذا حبسه، وهو أنّ صديقاً مشتركاً آذاها، فوافقت على أن تسمع وأكّدت أن الصديق آذاها، ثم قال لها ع. إنه يريد أن يتأكد وأن يوضح ما حصل بينها وبين "الصديق المشترك". وهنا انتهى الحديث.
ت. كتبت أن ع. تحرّش بها، وحاولت استعطاف الناس عبر صفحتها الفيسبوكية بأنّها ضحية متحرّش لا يرحم، حتى ظننّا أنّه اغتصبها أو بعث لها فيديوات جنسية أو حتّى حاول استمالتها جنسياً.
ع. استحصل على أمر من قاضي الأمور المستعجلة يمنع ت. من الكتابة عنه، هو الأب لفتاة. وهي كتبت الثلاثاء 19 حزيران أنّها استلمت الأمر وستلتزم الصمت إلى حين البتّ بالقضية. ومن المحتمل أن تخسر القضية وربما تصير في موقع المتهمة.
ت. واحدة من الذين واللواتي يفتقدون / تفتقدنَ إلى المعرفة والثقافة، من "الجاهلات" مع مرتبة شهادة جامعية ووظيفة في "النظام" المعرفي، إن في وسائل الإعلام أو في الجمعيات الأهلية أو المنظمات غير الحكومية. من الذين واللواتي تقتصر ثقافتهم / هنّ على حمل شعار كلافتة من قماش وخشب، لا يعرفنَ أكثر من حمله.
إقرأ أيضا : أنتِ وأنا أيضًا معًا ضد التحرش الجنسي
بحسب تعريف قاموس "كامبريدج" لـ"التحرّش"، فهو "الاهتمام أو الاقتراح أو الحديث الجنسي غير المرغوب فيه أو الهجومي، خصوصاً من ربّ العمل أو ما يعادله، من موقع السلطة" على الطرف الآخر. أي أن يكون المتحرّش مدير المتحرّش به / بها في العمل، أو له سلطة أمنية أو قضائية أو سياسية...
وبالطبع ع. ليس في موقع سلطة على ت. ، ولم يوجه لها أيّ اقتراح أو حديث جنسي أو هجومي. هذا لا يعني أنّ ع. لم يكن في هذا الوارد. وهذا حقّه. وحقّها أن ترفض. ربما كان أذكى منها، ورمى لها صنّارة، وحين رفضت، حوّل مجرى الحديث بدهاء كبير. هذا وارد، لكنّه لم يتخطَّ حدوده كإنسان ربما أُعجب بها أو شعر بتوتّر جنسي اتجاهها وحاول "المبادرة"، لكن ليس "التحرّش".
هذا تحديداً ما تحاول بعض النسويات "خنقه": "الفحولة" وحقّها في التقرّب من الأنثى، في واحدة من أسباب بقاء الجنس البشري بدل انقراضه. وهذا ما وقّعت اعتراضاً عليه 100 امرأة فرنسية، في رسالة وقفت بوجه حملة "وأنا أيضاً" التي اندلعت ضدّ الرجال قبل أشهر، بواجهة أنّها "ضدّ التحرّش". رسالة من نساء فرنسيات اعترضت على "نزعة تزمّت" انتشرت حول العالم، بعد فضائح تحرّش جنسي كان أبطالها نجوم هوليووديون أبرزهم المنتج هارفي واينستين الذي اتُّهم باغتصاب والاعتداء الجنسي على عشرات النساء.
وفي ما يلي بعض من الرسالة التي وقّعت عليها واحدة من أبرز "نساء فرنسا": عوقب رجال بدون محاكمة وأجبروا على ترك وظائفهم ولم يفعلوا شيئا سوى لمس ركبة شخص ما أو محاولة اختلاس قبلة... الاغتصاب جريمة، لكن محاولة إغواء شخص ما حتّى بشكل مستمر أو علني، ليس جريمة، ولا يجب أن يتعرّض الرجال لهجوم شوفيني متعصّب... كنساء لا نعدّ أنفسنا ضمن هذه الحركة النسوية، التي تتعدّى إدانة إساءة استخدام السلطة إلى تبنّي كراهية الرجال والحياة الجنسية".
هذه الرسالة من أبرز ما كُتب ضدّ النزعة النسوية الحاقدة على الرجال وعلى الجنس. وقد كُتب الكثير ضدّ ت. – وكان المدافعون عنها قلائل – منه أنّهنّ "يكرهنَ الرجال والجنس". واتهمهنّ البعض بأنّهنّ "سحاقيات حاقدات"، وهذا هجوم ظالم عليهنّ، هنّ الغارقات في أفكار نسوية متطرّفة.
هذا ليس مهماً. الأهمّ أنّه في بلد حيث عدد النساء يفوق بخمسة أضعاف عدد الرجال، فإنّ ما نسمع عنه كثيراً هو تحرّش بعض النساء ببعض الرجال. والرجال طيّبون لا يفضحونهنّ. منهم من يقع في المصيدة، ويُغرّر به، ومنهم من يسكت وينسحب من الحديث أو من "التحرّش".
ربما بات ضرورياً نشر هاشتاغ: #إفضح_نسَوية_حاقدة_على_الرجال بدلاً من هاشتاغ #إفضح_متحرّشاً.