لا ريبَ في أنّ اتهام وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل المنظمات الدولية بأنّها تعمل لتوطين النازحين في لبنان، أثار الاستياء الدولي. فالاتحاد الأوروبي، بحسب ما نُقل عن مصادر دبلوماسية لـ «البناء»، يدعم لبنان في مواجهته أزمة النازحين على أرضه، ويدرك أنّ لبنان يمرّ في مرحلة صعبة لم يعد قادراً على مواجهة التحديات وتبعات الحرب السورية الاقتصادية والاجتماعية. وعلى هذا الأساس جهدت الدول الأوروبية لإنجاح مؤتمرات الدعم سيدر 1، روما 2 وبروكسيل من أجل تقديم المساعدات اللازمة للحكومة في رعايتها النازحين بانتظار ولوج الحلّ السياسي في سورية تمهيداً لعودة هؤلاء إلى ديارهم.
ومن منطلق أزمة النازحين، يمكن النظر إلى الاهتمام الألماني الشديد بلبنان ودعمه سياسياً اقتصادياً. فبرلين، وبحسب مصادر مطلعة على الموقف الألماني لـ «البناء»، تُعتبر من الدول الأكثر دعماً للبنان إلى جانب الولايات المتحدة، فمساعداتها تعادل تقديمات الاتحاد الأوروبي مجتمعاً.
في كانون الثاني الماضي حطّ رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فرانك فالتر شتاينماير في بيروت بزيارة اكتسبت أهمية استثنائية لكونها الأولى لرئيس ألماني إلى لبنان منذ 120 عاماً، علماً أنّها أتت قبل أسابيع قليلة على مؤتمرات دعم لبنان.
وعلى هذا الأساس لا يمكن فصل هدف زيارة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل عن سياسة بلادها، لكن المفارقة تكمن في أنّ هذه الزيارة، جاءت في ظروف طرأت مع مستجدات التعاطي اللبناني مع المجتمع الدولي واتهامه بالسعي لتوطين النازحين ودمجهم في السوق الاقتصادية اللبنانية. فتهديد الوزير باسيل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، لم يمرّ مرور الكرام أوروبياً. وهذا ما دفع الوزير العوني خلال لقائه المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في جنيف إلى إبداء الاستعداد «المشروط» لرفع الإجراءات التي اتُخذَت بحق الهيئة الأممية.
وبحسب المصادر، فإنّ زيارة ميركل رُتبت بناء على تقارير أعدّها السفير الألماني في لبنان مارتن هوث عن سياسة الخارجية اللبنانية تجاه أزمة النزوح، واقتراحه أهمية قيام مسؤول رسمي من بلاده بزيارته، وعقده لقاءات مع المراجع الرسمية الثلاثة. وتردّدت معلومات، أن لا رغبة ألمانية بحضور الوزير باسيل لقاء ميركل مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
في موازاة ما تقدّم، لا شك في أنّ المقاربة الأوروبية لأزمة النازحين تنناقض كلياً مع أولوية الحكومة اللبنانية التي ترى أنّ قضية العودة ليست خاضغة للنقاش. فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون بحسب مصادر قصر بعبدا لـ»البناء»، لن يقايض على عودة السوريين الآمنة لا الطوعية إلى قراهم، لا سيما أنّ 90 في المئة من سورية بات محرّراً من الإرهاب.
لقد أصبحت مشكلة النازحين أزمة وجودية تتطلب تدخل المجتمع الدولي لحلها بأسرع وقت، بدلاً من مسارعة منظماته إلى تخويف السوريين وسوق حملات التهويل وإثارة الفزع، تقول مصادر التيار الوطني الحر لـ»البناء».
المنطق يقول إن لا مبرّر لبقاء النازحين في لبنان. لكن الحقيقة تخالف هذا المنطق. فعودة النازحين، كما ترى المصادر المطلعة على الموقف الغربي، هي رهن الحلّ السياسي. حلّ يتوقف على المساعي الروسية، فموسكو تلعب دوراً إيجابياً ومهمّاً تجاه حلّ الازمة. فهناك توافق روسي أميركي حول إنجاز حلّ سياسي ينص على إخراج القوى الأجنبية كافة من دون استثناء من سورية.
ما تقدّم قد يكون بادرة فرج لعودة النازحين، بيد أنّ أوساطاً متابعة تشدّد على أنّ العودة لا تزال بعيدة المنال. الحكومة الجديدة المنتظرة لن تتمكّن من استئصال هذه الأزمة قبل بزوغ فجر انتهاء الحرب. وبالتالي فإنّ التركيز على أهمية التنسيق مع الحكومة السورية لا يزال خارج السياق ما دامت الأطراف كافة مقتنعة في أنّ الدعم الغربي للبنان هو رهن احتضان النازحين، وأنّ العودة لن تحصل من خارج إرادة الأمم المتحدة.