خلال اللقاء الأخير في قصر بعبدا قبَيل عيد الفطر سلّم الحريري إلى عون تصوّراً لحجم الحكومة وتوزيعة للحقائب والحصص الوزارية من دون الأسماء، لا تختلف كثيراً عن حكومته الحالية التي تصرّف الأعمال. وأوحى الحريري لعون أنّه يمكنه ان يسير بها إنْ وافقَ عليها، وعرضَ معه للعراقيل والعقد التي تعوق تأليف الحكومة من دون التوقّف عند ما يقال من وجود معوقات أو نصائح اقليمية للبعض بالتريّث في تأليف الحكومة، انتظاراً لتطوّراتٍ ما تمكّنه من تحسين شروطه وتكبير حصّته في التشكيلة والوزارية.
ويؤكّد معنيون بتأليف الحكومة أنّ عدّاد احتساب الوقت في شأن تأليف الحكومة قد بدأ أمس مع انتهاء عطلة عيد الفطر وبعد اعتبار الفترة التي امتدّت من بين يوم التكليف الى العيد «فترة سماح» تمكّنَ خلالها الرئيس المكلف من سَبر أغوار المواقف الداخلية والخارجية حول ما يمكن ان تكون عليه حكومته حجماً ومضموناً، وتمّ استبعاد فكرة حكومة الـ 32 وزيراً نزولاً من الجميع عند موقف الحريري الذي لم يؤيّد حكومةً بهذا الحجم اقترَحها البعض بغية تمثيلِ الأقلّيات الإسلامية والمسيحية (الطائفة العلوية والأقليات المسيحية). ويقال إنّ رئيس الجمهورية هو من اقترَح هذه الفكرة على الحريري، ولمّا رفضَها اقترَح عون ان يتمّ تمثيل الأقليات في حكومة تضمّ 26 وزيراً، أو حتى ثلاثين وزيراً المطروحة الآن. لكنّ الحريري استبعد تمثيلَ الأقليات لأنه سيكون على حساب الطوائف الصغرى التي تمثَّل عادةً في حكومات من هذا الحجم، وتحديداً على حساب الطائفة الدرزية التي تمثَّل بثلاثة وزراء، ولا يمكن ان تقبل بالتخلي عن مقعد منها للطائفة العلوية، وكذلك على حساب الأقليات المسيحية، حيث لا يمكن الأرمن أن يتخلّوا عن أحد مقعدين وزاريَين لهما في مِثل هاتين الحكومتين.
وإذ طويَ موضوع تمثيل الأقليات، على رغم الوعد الذي كان رئيس الجمهورية قد قطعه للأقلّيات المسيحية بتمثيلها بوزير، فإنّ البحث عاد ليتركّز على تأليف حكومة من ثلاثين وزيراً فقط، وضرورة ان يَستعجل الحريري في تأليفها، بغَضّ النظر عن الأحداث الجارية على الساحتين الاقليمية والدولية وما يمكن ان يكون لها من انعكاسات او تداعيات على الاوضاع في لبنان. علماً أنّ كثيراً من المتابعين يَنظرون الى الوضع الاقليمي بعينِ الارتياب والتخوّف من ان يشهد احداثاً خطيرة بدأ الحديث عنها منذ أواخِر العام الماضي حيث قيل يومها كلامٌ كثير وشاعت معلومات عن حرب اقليمية وشيكة تكون ساحتها لبنان وسوريا بالدرجة الأولى، والآن توسَّع الحديث عن هذا الامر اكثر فأكثر ليشملَ احتمالَ توجيه الولايات المتحدة وإسرائيل ضربةً عسكرية لإيران، قد تتسبّب بحرب تبدأ في منطقة الخليج لتصلَ الى الجبهة اللبنانية والسورية.
وهذه السيناريوهات الحربية ترخي بظلالها على المعنيين بتأليف الحكومة الجديدة والمنقسمين الى فريقين: الاوّل يستعجل التأليف حتى تكون هناك حكومة كاملة الصلاحيات تستطيع التصدّي لأيّ طارئ يمكن ان ينجم من ايّ حرب اقليمية. والثاني يقول بأنّ اوضاع البلاد تستوجب ولادة حكومية سريعة بغية التصدّي للاوضاع الاقتصادية والمالية التي يُجمع كثير من المعنيين على انّها خطيرة وتستوجب معالجات فعّالة، لأنّ ما اعتُمد لها من معالجات منذ العام الماضي وإلى الآن ( هندسة مالية وسواها) لها طابع «الموَقّت ريثما..» وليست معالجات ناجعة ودائمة.
ولأنّ الوضع كذلك، يقول معنيّون بتأليف الحكومة إنّ عون لا يستطيع ان يتحمّلَ طويلاً التأخير في تأليف الحكومة، أوّلاً لأنه يعتبر انّ هذا التأخير يسدّد طعنةً خطرة لعهده، خصوصاً وأنه ما يزال يعتبر انّ الحكومة العتيدة هي «حكومة عهده الأولى»، وأنّ بقاء البلاد طويلاً تحت رحمة حكومة تصريف أعمال، إنّما يأكل من رصيد عهده ووهجِه، وبالتالي يُحبطه ويُجهضه، وهو ما يتمنّاه له خصومه في الداخل والخارج.
وفي هذا السياق، قيل إنّ عون صارَح الحريري في آخر لقاء بينهما قبَيل سفر الأخير الى روسيا فالمملكة العربية السعودية، بأنه لا يحبّذ تأخيرَ الولادة الحكومية، وأنه مستعدّ للسير في «حكومة أمر واقع» إذا واجهت مشاريع التشكيلات الوزارية التي طرَحها وسيطرحها الحريري اعتراضات من هنا او هناك، وكلّ فريق لا يقبل المشاركة فيها بحسب الحجم الذي أُعطيَ له عدداً ونوعية حقائب إنّما يكون قد استبعد نفسَه عن هذه المشاركة.
وحكومة الامر الواقع، حسب ما كشَف البعض من افكار مطروحة في شأنها، تتضمّن حصصاً شبهية الى حدّ كبير، بل الى حدّ التطابق مع تركيبة حكومة تصريف الاعمال، مع فارق باختلاف توزيعة الحقائب فقط. وموقف عون في هذا الصَدد هو ان يحدّد المعنيون بالتأليف عددَ المقاعد الوزارية لكلّ فريق سيشارك في الحكومة، وتصدر مراسيم الحكومة فمَن يقبل يكُن قد قبلَ ومن رفض يكن قد استبعَد نفسه من التمثيل الوزاري.
ويقال إنّ الحريري سمع موقف عون باهتمام إلّا أنه لم يحدد موقفاً فورياً، على ان يدرس هذا الخيار الذي يمكن ان يتمّ اللجوء اليه إذا لم يتّفق المعنيون على الحصص المقترحة لكلّ فريق من عدد وزراء ونوعية حقائب سيتمّ تمثيله بها داخل الحكومة، من مِثل «القوات اللبنانية» التي تطالب بأربعة وزراء مع حقائب اساسية فيما يعرَض عليها ثلاثة فقط، وكذلك موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي يطالب بأن تكون الحصة الوزارية المكوّنة من 3 وزراء كاملة له، فيما يعرَض عليه وزيران والثالث للنائب طلال أرسلان أو من يمثّله، فضلاً عن تمثيل بقية المكوّنات بحيث لا يتمّ استبعاد أحد او إلغاؤه لحساب استئثار فريق بعينه في هذه الطائفة او الفئة السياسية أو تلك بالتمثيل على حساب قوى أقلّ منه حجماً ولها حقّ التمثيل، خصوصاً إذا تقرّر أن تؤلف الحكومة على اساس النظام النسبي ونتائج الانتخابات النيابية التي أجريَت على أساسه.
ومع أنه لم يحدَّد أي موعد للحريري لتأليف حكومته، فإنّ المعنيين يقولون إنّ لدى الحريري فترة شهرين من الآن ليؤلّفها، وفي حال لم يوفّق إلى ذلك فربّما تدخل البلاد في اعتذار عن التكليف ليعاد تكليفه مجدّداً أو يتمّ تكليف شخصية أخرى لهذه المهمّة. فعون على ما يُنقل عنه لن ينتظر تأخُّرَ تأليف الحكومة طويلاً وإنّ «حكومة الأمر الواقع» خيارٌ جدّي لديه، ويعتقد أنّ الحريري قد لا يكون بعيداً عنه إذا ظلّ يصطدم بعقدِ التوزير هنا وهناك.