ما زالت أجواء المراوحة تخيم على مسار تشكيل الحكومة العتيدة على الرغم من انقضاء عطلة الفطر وفي ظل غياب أي معطى يتعلق بالتشكيلة الحكومية، ويستعد رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى السفر لتمضية إجازة خاصة في الخارج.
لم تحرز محركات الفرقاء تقدما. فأزمة التأليف لم تنته فصول تعقيداتها الداخلية والخارجية، وطالما أن الحكومة لم تبصر النور. ورغم ذلك، ترى أوساط سياسية أنه من المبكر الحديث عن ولادة التشكيلة الحكومية. فالمشاورات السياسية لم تستوفِ بعد الوقت الكافي للتشكيل، فالتاريخ يشهد على الجمود السياسي الذي كان يرافق مسار تأليف الحكومات السابقة. لقد باتت ورقة الرئيس المكلّف سعد الحريري والتي سلّمها لرئيس الجمهورية بحكم الساقطة بعدما رفض عون تركيبتها لأنّها لم تلحظ ما طلبه وخصوصاً على صعيد الحقيبة الدرزيّة الثالثة وموقع نائب رئيس الحكومة، ومن جهة أخرى، نجد مشكلة قضية النازحين السوريّين ما بين الحريري وجبران باسيل، قد تنتهي بعرقلة تشكيل الحكومة وسط تمسّك كل فريق بمطالبه في تقاسم الحصص وعدد الوزارات، خصوصاً أنّ المعركة نشبت بين "التيّار الوطني الحر" و "الحزب التقدّمي الاشتراكي" برئاسة النائب السابق وليد جنبلاط.
كلّ ذلك يحصل والأمور لا تزال في المربّع الأوّل من مساعي التأليف، إذ إنّ البحث في الحقائب السياديّة وتوزيع الحقائب الخدماتيّة وتلك العاديّة لم ينطلق بعد، مع توقّعات بوقوع خلافات وإرباكات عديدة في المرحلة الثانية من التشكيل في حال نجح الحريري في تجاوز المطب الأوّل. تحرك الحريري للخارج يعطي انطباعاً بأن الولادة الحكومية تتطلب مظلة خارجية ومشورة سعودية تحديدا، وإلا دخل لبنان بالمحظور جراء حدة الاستقطابات في الوضع الاقليمي، وما يزيد من الارباك عند الرئيس الحريري فهو الاحراج الناتج عن تصريح قائد فيلق القدس قاسم سليماني حول تشكيلة "حكومة لبنان المقاوم" إنطلاقا من إنتصار حزب الله بالانتخابات النيابية وحصده 74 مقعدًا نيابيًا والتي لا قدرة للبنان على تحمل تبعاته، وما سيزيد من المتاعب أو العراقيل محليا السجال الذي إندلع بين الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر فور عودة وليد جنبلاط والوفد المرافق من السعودية بعد لقائهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
الحريري يسعى للسير بين النقاط في حقل ألغام لإدراكه دقة المرحلة إقليميا، لذلك يحاول التخفيف من الشراهة المفتوحة عند الاطراف السياسية في لبنان لتكريس هيمنتها السياسية، فهو يحاول التخفيف من إندفاعة التيار الوطني الحر لتحجيم حصة القوات اللبنانية، وكذلك معالجة العقبات الاساسية ومنها الحصة الدرزية وتمثيل النواب السنة من خارج تيار المستقبل.
إقرأ أيضًا: عُقد أمام تشكيل الحكومة اللبنانية!
من المؤكد أن الانتخابات النيابية أفرزت واقعاً سياسيا يصعب على الحريري تجاهله أو إدارة الظهر عن نتائجه. ووفق الاجواء السائدة في قيادة تيار المستقبل فإن الحريري سيحاول فرض أمر واقع جديد في لبنان على ضوء المستجدات الداهمة على لبنان من باب التطورات الاقليمية المتسارعة، هذا الواقع سيزيد من التعقيدات في الواقع المحلي ما سيؤدي تلقائيًا لتأخير تشكيل حكومة العهد الاولى من باب رفض مطالب الحريري وأولها منح القوات حصة وازنة وكذلك حصر التمثيل الدرزي بكتلة جنبلاط وتاليا رفض إعطاء مقعد سني خارج تيار المستقبل، هذا الامر قد يشكل منعطفًا خطيرًا في لبنان ومن الصعب التكهن بنتائجه في ظل الازمات الكبيرة والكثير الضاغطة، لم يتجاوز بعد وقت التأليف الفترة الاعتيادية غير المقلقة لتشكيل الحكومات في لبنان، ومع هذا لا بد من اخذ هواجس الناس بعين الاعتبار، حول الوقت المطلوب هذه المرة. والانتباه لطبيعة الملفات المالية والإقتصادية المقلقة في البلد من جهة، وواقع الإقليم خصوصاً في مرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق مع ايران من جهة ثانية ، تلزم الجميع تحديد سقف زمني، واخذ نموذج حكومة تصريف الاعمال، كمسودة للنموذج المقبل.
لاشك أنّ كل هذا سيعطي نتائج جيدة ولن تُترك الأمور للمراوحة والاشتباك المفتوح. على الرغم مما أوحى به مسؤول كبير وكأنّ سبب تعطيل تأليف الحكومة خارجي، ولكن من دون ان يحدّد مصدره او هويته، حيث قال: "بحسب معلوماتي لا يوجد قرار بالتعطيل من الداخل، وإن كانت مطالبات القوى السياسية بالنسبة للحكومة فيها شيء من التعجيز، والمطالبات أمر طبيعي يحصل دائماً في بازار التأليف حيث تحاول القوى السياسية رفع سعرها وحصّتها في الوزارات ونوعيتها. كلّ ذلك لا يمكن اعتباره عاملاً تعطيلياً من الداخل، وعدم وجود هذا العامل يجعلنا نفترض انّ سبب التعطيل خارجي".
ورداً على سؤال حول "المعطّل الخارجي"، قال: "لا توجد معلومات يقينية حتى الآن حول هذا الموضوع، ولكننا لا نرى جديّة خارجية حقيقية في تشجيع اللبنانيين على تشكيل حكومة.
وفي أي حال، عودة الرئيس الحريري وحركته المرتقبة هي التي ستحدّد الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وثمّة إشارات أطلقها أخيراً حول نيّته بتزخيم حركة التأليف بعد العيد".