هل تندلع أزمة سياسية ـــ إدارية ـــ قانونية بين وزير الداخلية نهاد المشنوق والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم؟ بوادر هذه الأزمة ظهرت أمس، بعد تسريب «الداخلية» خبراً مفاده أن المشنوق سيُصدر مذكرة يُلغي بموجبها قرار إبراهيم القاضي بعدم «تختيم» جوازات سفر الإيرانيين القادمين إلى لبنان عبر المنافذ الحدودية اللبنانية. 
 

سبب قرار إبراهيم متصل بالصعوبات التي يواجهها الإيرانيون الذين يزورون لبنان في حال رغبتهم في الحصول على تأشيرات دخول إلى عدد من الدول الغربية والعربية. فبعض الدول تشتبه في كون الإيراني الذي يحمل جواز سفره أختام دخول وخروج لبنانية منتمياً إلى الحرس الثوري الإيراني، وأنه زار لبنان بقصد مساعدة حزب الله. وعلى هذا الأساس، تجري عرقلة حصول مواطنين إيرانيين على تأشيرات دخول إلى دول عديدة.
ما ان انتشر خبر قرار إبراهيم حتى ثارت بشأنه زوبعة سياسية وإعلامية ودبلوماسية. سفراء الدول الغربية والعربية المعادية لإيران يستفسرون عن القرار، مستغربين «تقديم تسهيلات للإيرانيين». السعودية شنّت حملة إعلامية عليه، فربطت وسائل إعلامها (صحيفة «الشرق الأوسط» التي يملكها الملك سلمان، نشرت خبراً تحريضياً على القرار، على رأس صفحتها الأولى أمس) بين قرار المدير العام للأمن العام و«تسهيل نقل الأموال وانتقال المقاتلين إلى سوريا»! هذا الربط التحريضي على لبنان والمديرية العامة للأمن العام يتجاهل أوضح الحقائق المنشورة في مواقع تتابع الشؤون العسكرية والاستخبارية، والتي تكشف تفاصيل الرحلات الآتية مباشرة من إيران إلى سوريا، وتحمل معدات ومقاتلين، من دون أي حاجة إلى الاجواء والأراضي اللبنانية.
الوزير نهاد المشنوق الذي «لم يبلع» قرار إبراهيم قرر أمس التحرك، وإصدار مذكرة لإلغاء التدبير الذي أمر به المدير العام للأمن العام. فهو يرى أنه بصرف النظر عن قانونية القرار وطبيعته الإدارية، فإن شأناً كهذا هو سياسي بحاجة إلى قرار من السلطة السياسية. أما اللواء إبراهيم، فيؤكد قانونية قراره. ومن المفيد هنا التذكير بأن صلاحيات المدير العام للأمن العام تكاد تكون غير محدودة، لجهة آلية إدخال أجانب إلى لبنان وإخراجهم منه. كذلك فإن «عدم التختيم» على جوازات السفر هو إجراء معتمد في عدد كبير من دول العالم، تلجأ إلى التسجيل الإلكتروني للعابرين، أو أنها تختم أوراقاً منفصلة عن جواز السفر. وبحسب ما أكّدت مصادر معنية بالقضية، فإن إبراهيم لن يتعامل مع مذكرة المشنوق من زاوية سياسية، بل إدارية وقانونية. وفي حال كانت المذكرة قانونية، فسيلتزم بها. أما إذا لم تكن كذلك، فمن غير المستبعد تجاهلها أو ردّها إلى وزير الداخلية مع التعليل المناسب.
المشنوق، الموجود خارج البلاد، لم يُصدر مذكرته بعد. إلا أن ما يتسرّب من «الداخلية» يشي بمعركة سياسية ـــ إدارية بين الرجلين، تذكّر بتلك التي اندلعت بين المدير العام السابق للأمن العام، اللواء الراحل وفيق جزيني، ووزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت، خريف عام 2006، يوم رفض جزيني تنفيذ قرار فتفت القاضي بإقامة ربط إلكتروني بين الأمن العام وفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي. وحينذاك، حظي جزيني بغطاء سياسي من الرئيس نبيه بري وحزب الله، أدى في النهاية إلى عدم تنفيذ قرار فتفت بإنزال عقوبة مسلكية بحق المدير العام. فهل تتكرر تلك التجربة بين المشنوق وإبراهيم، أم ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون سيفتح الباب لتسوية القضية بـ«التي هي أحسن»؟