مع عودة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى بيروت اليوم، تنصرف الأنظار مجددا إلى الملف الحكومي لإعادة وضعه على الطاولة، قبل وصول المستشارة الالمانية انجيلا ميركل مساء بعد غد الخميس، والتي تستمر زيارتها إلى اليوم التالي، وسط احتمال متزايد بمغادرة الرئيس نبيه برّي إلى الشاطئ الإيطالي، في رحلة استجمام عائلية، أخطر بها الرئيس المكلف.
تستأنف حركة الاتصالات حول الحكومة، بعدما هدأت السجالات بين فريق بعبدا الرئاسي وفريق المختارة السياسي، بزيارة الرئيس الحريري إلى القصر الجمهوري، للاستماع إلى ملاحظات الرئيس ميشال عون على التصور الذي اودعه اياه، قبيل سفره، إلى موسكو، في ما خصّ توزيع الحصص الوزارية على الطوائف الست الكبرى، والكتل النيابية الممثلة لها.
ووفقا للمعلومات التي رشحت عن الدوائر الرئاسية، فإن التصور بعضه مقبول، والبعض الآخر يحتاج إلى تفاهم رئاسي حوله، لا سيما في ما خص توزير النائب طلال أرسلان أو حصة «القوات اللبنانية» والأحزاب المسيحية من دون التيار الوطني الحر، الذي يُشكّل مع حصة بعبدا حصة قائمة بذاتها.
ومن المتوقع، وفقا لهذه المصادر، ان يتم البحث بمهلة زمنية للانتهاء من التأليف، بالنظر إلى الضغوطات المحيطة بالاقتصاد اللبناني، على الرغم من تأكيدات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان الليرة بعيدة عن الانهيار، فضلا عن الوضع الأمني المتفلت في البقاع الشمالي والمحافظتين البقاعيتين ككل، والذي كان موضع بحث مستفيض بين وفد من نواب بعلبك- الهرمل وقائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، من زاوية عدم التأخير بتنفذ الخطة الأمنية، وإعادة النظر بالعناصر المشاركة في عملية التنفيذ، على ان تواكب العملية خطة تنمية اجتماعية واقتصادية، فضحت جانباً من العجز عن وضعها سيول رأس بعلبك، والمساعدات المطلوبة للتعويض عن الخسائر التي تسببت بها السيول في المنازل والمزروعات والتي أدت إلى وفاة امرأة.
ولا تخفي مصادر سياسية معنية ان يكون الوضع الإقليمي الذي يشهد توتراً على غير محور، سواء في اليمن أو سوريا والعراق، فضلا عن غزة والأردن من العوامل الضاغطة على عملية التأليف، تسريعاً أو تبطيئاً مع الأخذ في عين الاعتبار ان الفترة المسموحة لعملية التأليف لم تستنفذ شهرها الأوّل بعد..
أزمة تأليف الحكومة
وفيما يفترض ان يدير الرئيس الحريري فور عودته اليوم إلى بيروت، محركات تأليف الحكومة بأقصى سرعة ممكنة ليتمكن من تشكيل حكومته قبل نهاية حزيران، قبل ان تداهمه عراقيل وعقبات جديدة بدأت تطل برأسها أو بأذرعها من بعيد، فإن مصادر سياسية موثوقة قراءتها للأمور، تخشى ان تكون مسألة تأليف الحكومة، دخلت فعليا في أزمة رسمت تفاصيل مؤشراتها الحرب الكلامية التي دارت رحاها في عطلة عيد الفطر بين الحزب التقدمي الاشتراكي و«التيار الوطني الحر»، والتي وان كانت انفجرت على خلفية تغريدة النائب السابق وليد جنبلاط اتهم فيها العهد بالفشل، إلا ان خلفياتها الحقيقية، تولدت من مسألة تمثيل الحزب الاشتراكي في الحكومة، وخاصة بعدما تناهت إلى جنبلاط معلومات افادته بأن الرئيس ميشال عون لم يوافق على الأفكار التي عرضها الرئيس الحريري عليه قبل سفره إلى موسكو ومنها إلى السعودية لتمضية إجازة العيد مع عائلته هناك، بالنسبة إلى تمثيل الكتل النيابية في الحكومة بحسب احجامها واوزانها السياسية. ومنها مسألة التمثيل الدرزي، واشتراط رئيس الجمهورية ان يتمثل الجميع في الحكومة، بما في ذلك النائب طلال أرسلان والأقليات، أي بمعنى آخر الطائفة العلوية والسريان، وهو ما لم يلق أصداء إيجابية لدى الرئيس المكلف.
وفي تقدير المصادر، ان الرئيس الحريري الذي قاد من مكان اقامته في السعودية، حركة اتصالات واسعة في اتجاه تهدئة الأرضية المشتعلة بالسجالات، يلتزم التحفظ الشديد في تعامله مع المناخات السلبية التي خلفتها الأزمات التي رافقت تكليفة بتشكيل الحكومة، والتي كان أحد أطرافها دائما «التيار الوطني الحر»، سواء من خلال السجال بين «التيار» و«القوات اللبنانية» على خلفية اختلاف الاحجام، أو انفجار أزمة النازحين السوريين والتي استولدت أزمة بين وزير الخارجية جبران باسيل ومفوضية اللاجئين لتغطية أزمة مرسوم التجنيس، أو أزمة مرسوم القناصل الفخريين رغم انها سلكت اخيرا طريق الحل، بعد تدخل «حزب الله» لضمان التوقيع الثالث لحليفه وزير المال علي حسن خليل، وصولا إلى الحرب الكلامية مع الحزب الاشتراكي والتي طاولت «نبش القبور» والأمور الشخصية، ذلك لأنه يُدرك ان وقف السجالات مجرّد اجراء موضعي، لا يتعدى كونه مجرّد هدنة مؤقتة، لأنها في الأساس كانت نتيجة اختلافات عميقة بين القوى السياسية المعنية على أداء الحكم والاقصائية التي ينتهجها «التيار الحر» أو تفرّده برسم السياسات الخارجية للدولة، بمعزل عن رأي رئيس الحكومة، منذ ان بدأ العد العكسي لتأليف حكومة ما بعد الانتخابات والتي يحلو للتيار ان يُسميها «حكومة العهد الاولى».
وتبعاً لهذه الأجواء المتشائمة التي خيمت على البلاد، أمس، ساد اعتقاد عند فريق معني مباشرة بالصراع القائم، ان مهمة الرئيس المكلف باتت غاية في الصعوبة، ان لم يكن أكثر من ذلك، ما حمل الرئيس نبيه بري الذي يستعد لتمضية إجازة خارج لبنان قد تكون في إيطاليا أو اسبانيا، على ان يستبعد أي إمكانية في الوصول إلى اتفاق على تشكيل الحكومة في المستقبل القريب والذي يتمناه الرئيس المكلف الذي يعطي الأولوية لفض الاشتباك السياسي على ان ينصرف إلى التفاهم على الحصص مع القوى المعنية.
ولم يتسن بعد معرفة نتائج الاجتماع الذي جمع المعاونين السياسيين للأطراف المعنية بأزمة «العقدة الدرزية»، والخلاف حول حقيبة الصحة أي الوزير غطاس خوري عن الرئيس الحريري والوزير خليل عن الرئيس برّي والنائب وائل أبو فاعور عن جنبلاط، الا ان أبو فاعور أبلغ تلفزيون «الجديد» إصرار الحزب الاشتراكي على تمثيله بثلاثة وزراء دروز، رغم اعتقاده ان لا شيء مستعصياً، لكنه رأى ان على «التيار الحر» ان يعرف حجمه من دون تضخم، نافيا ان يكون تمثيل «القوات» في الحكومة عقدة بل هو أمر طبيعي.
واعتبر أبو فاعور ان موضوع التمثيل الدرزي ليس مسألة ضمانة، ولكن إذا كان هناك من يريد الانقلاب على نتائج الانتخابات فهناك مشكلة.
وكشف أبو فاعور ان الاتصالات قائمة مع «حزب الله» بالنسبة لرغبة الحزب الاشتراكي الحصول على وزارة الصحة، مشددا على إصرار الحزب على هذا المطلب، وانه لا يقبل بحجز الحقائب، وكأن الوزارات أصبحت عقارات خاصة.
العهد يرد على جنبلاط
واللافت في هذا السياق، انه رغم ان الرئيس عون لا يريد التدخل في السجال الحاصل بين الحزب الاشتراكي و«التيار» ويفضل عدم الدخول في جدال ورد، الا ان مقربين من العهد لاحظوا ان استهداف جنبلاط لرئيس الجمهورية، لا يرتبط بالنجاح أو الفشل، وإنما بمسار تشكيل الحكومة أو بعض الاحجام التي لا تعكس، بحسب قولهم، حقيقة الواقع.
واعتبر المقرّبون ان مسألة التصويب على الرئيس عون ربما يعتبرها جنبلاط ورقة رابحة، بعدما شعر ان دوره في تأليف الحكومات أضحى مغيباً، وهو الذي كانت له اليد الطولى في التأليف عبر موفديه النائبين أبو فاعور وغازي العريضي.
وادرج هؤلاء في سياق الدفاع عن العهد جردة حساب عن أبرز الإنجازات التي حققها، مؤكدين انه كان الاجدر بجنبلاط ان يقول أين فشل العهد الذي يريد تمثيل الجميع في الحكومة الجديدة، وهل هذا خطأ؟ ولماذا حرمان هذا الفريق، أو ذاك من التمثيل وتحت أي حجة؟ مشددين على ان ما من مبرر لحملة جنبلاط على العهد.
ميركل في بيروت
إلى ذلك، أكدت مصادر موثوق بها لـ«اللواء» ان أزمة سوريا وتداعياتها على لبنان، بما في ذلك أزمة النزوح السوري، ستكون في صلب محادثات المستشارة الالمانية انجيلا ميركل التي ستصل إلى بيروت الخميس، ويقيم على شرفها الرئيس الحريري عشاء تكريماً مساء، ثم تلتقي اليوم التالي، أي الجمعة، الرئيسين عون وبري.
وبحسب ما أفاد مصدر ديبلوماسي لبناني، فإن زيارة ميركل التي يرافقها فيها رجال أعمال المان سيجتمعون مع نظرائهم في السراي في غداء يقيمه الحريري الجمعة، تحمل رسالة اقتصادية- سياسية بدعم لبنان وكل ما يحفظ وحدته واستقراره، في ظل العبء الملقى على عاتقه جرّاء استضافته اعداد كبيرة من النازحين، الأمر الذي لا يُمكن ان تتحمله أكثر الدول ازدهاراً، مشيرا إلى انه رغم ذلك تبقى المقاربة الالمانية لازمة النزوح مختلفة عمّا يراه مسؤولون لبنانيون، في إشارة إلى الوزير جبران باسيل، الذي قد يُشارك في المحادثات إذا كان موجودا في لبنان، لإبداء عتبه على السفير الالماني في بيروت مارتن هوث الذي اثار تصريحه عن استياء المجتمع الدولي من الاتهامات الكاذبة بأنه يعمل لتوطين اللاجئين استياء في أوساط الخارجية اللبنانية، رغم انه لم يسجل أي ردّ فعل فوري من الوزير باسيل الذي سيحرص على توضيح الموقف اللبناني القلق لميركل بعد ان توقفت مساعي تقاسم اعداد النازحين. وبعد ان عمدت دول إلى طرد قسم من اللاجئين السويين واقفال الحدود في أوروبا بوجههم.
وقالت مصادر وزارية لـ «اللواء» ان المسؤولين اللبنانيين سيؤكدون للمستشارة الالمانية ان ما من توجه رسمي يقضي بطرد النازحين السوريين بالقوة إنما السعي لعودة الراغبين منهم إلى سوريا وهناك اتصالات تجري لتأمين وسائل الانتقال لدفعة من النازحين وهذا الأمر لا يشمل الـ 3000 آلاف نازح سوري مؤخرا من عرسال وقالت إن لا عرقلة أمام الراغب بالعودة ولا يمكن أيضا ربط العودة بالحل السياسي في سوريا الذي قد يستغرق وقتا.
تأشيرات الإيرانيين
وفي سياق منفصل، بقيت قضية إعطاء تأشيرات الدخول والخروج للرعايا الإيرانيين على بطاقات منفصلة عن جوازات سفرهم حاضرة في النقاشات السياسية، حيث اعتبرها البعض محاولة للالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على بعض الشخصيات والأموال الإيرانية، وسط معلومات من ان وكالة «ايرنا» الإيرانية هي التي سربت الخبر إلى «الواشنطن تايمز» الأميركية ما رفع منسوب الاستغراب عن الغاية من التسريب للإيحاء بأن الإيرانيين باتوا مسيطرين على السياسة اللبنانية، شبيهة بايحاءات قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني عندما أعلن ان «حزب الله» فاز بـ74 مقعداً في البرلمان اللبناني من أصل 128 نائباً.
وفيما ذكرت معلومات صحافية، ان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق، يتجه إلى الطلب من الأمن العام وقف قراره السماح للايرانيين بالدخول إلى لبنان من دون ختم جوازات سفرهم لأن قرارا كهذا يجب ان يتخذ في مجلس الوزراء، نقلت محطة NBN عن مصدر في الأمن العام انه لم يتبلغ شيئا من هذا القبيل، في حين نقلت محطة «الجديد» عن الوزير السابق للداخلية العميد مروان شربل، قوله ان إلغاء الختم على جوازات السفير للعابرين مبني على قانون، وان الوزير المشنوق لم يتسنى له الاطلاع عليه.
اما المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم فقد نفى مجددا ان يكون الأمن العام ميز الرعايا الإيرانيين عن سائر الرعايا بعدم ختم جوازات سفرهم في المطار، موضحا لمحطة L.B.C ان عدم ختم جوازات السفر هو لمن يرغب ولمن لديه أسباب خاصة، وان هذا الاجراء ليس جديدا تكفله القوانين الدولية وحرية التنقل.
وكشف إبراهيم ان كل المعلومات حول حركة المطار تحفظ في الكومبيوتر، والأمن العام بصدد إنشاء معابر الكترونية في المطار.
وكان عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب وهبة قاطيشا وجّه سؤالا لوزير الداخلية عن جدية المعلومات عن أعفاء الرعايا الإيرانيين من اختام الدخول والخروج من وإلى لبنان، وانه إذا كان على اطلاع على الأمر ألم يكن يفترض طرح المسألة على مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب، لافتا النظر إلى ان المدير العام للام العام لديه سلطة إدارية لاعفاء حالات فردية لأسباب خاصة، ومن دون أي انعكاسات سياسية من ناحية ختم جواز السفر أو عدمه، ولكن عندما يتعلق الأمر بدولة أخرى بأكملها وله انعكاسات سياسية فهذه تصبح حكماً من صلاحية السلطة السياسية