والحديدة هي مهمة جداً في الحرب الدائرة في اليمن، فعدا عن أنها آخر المدن الكبيرة التي يسيطر عليها الحوثيون خارج المناطق الجبلية، فهي تشكل منفذاً بحرياً فائق الاهمية يسمح للحوثيين بالاستحواذ على مداخيل مالية مهمة جراء الرسوم المفروضة على الحاويات والبضائع كما التواصل مع العالم الخارجي لا سيما إيران ما عزّز الاتّهامات حول تزويد الحوثيين بالسلاح والذخائر عبر هذا المنفذ البحري.
لكنّ المعركة التي ترعاها وتساهم فيها الولايات المتحدة الأميركية من خلال توفير المعلومات من الجوّ وتأمين المساندة الفعالة عبر الطائرات من دون طيار كانت قد طرحت سابقاً، ولكنّ تمنّعَ واشنطن أدّى الى عدم تنفيذها.
ففي العام 2016 تقدّمت الإمارات بخطتها للسيطرة على الحديدة وصولاً الى فرض تسوية سياسية تُنهي الحرب. لكنّ إدارة الرئيس باراك أوباما تذرّعت بأمورعدة لعدم الموافقة. الخطة نفسها يجري تنفيذها اليوم مع فارق أنّ واشنطن باتت متحمّسة لها.
وتقول التقارير إنّ هنالك 1500 جندي وضابط إماراتي يوفّرون الدعم الجوّي والمدفعي والبرّي لقواتٍ يمنية يصل عديدُها الى حوالى 25 ألف عنصر.
وبخلاف الانطباع السائد إلّا أنّ الهدفَ الاستراتيجي حول الشرق الأوسط لم يتبدّل بين إدارتي ترامب وأوباما حيال المطلوب من إيران، ولكنّ الأسلوبَ هو الذي اختلف.
ففيما راهنت ادارة أوباما على أنّ «احترام» نفوذ إيران وتركها توسّع دائرة مكاسبها سيجعلها أكثرَ مرونةً وواقعيّةً في التفاهم مع واشنطن حول حماية المصالح الأميركية وعدم تهديدها، كما أنّ الانفتاح الإيراني سيعزّز دور جناح الإصلاحيين ويقلّص نفوذَ المحافظين، رأت إدارة ترامب انّ الأسلوب الأميركي المتّبع أدّى الى مزيد من التصلّب للسياسة الإيرانية والى شعور بالقوة وبالثقة بالنفس وبالتالي رفض التعاون والتفاهم مع الاميركيين، وانّ الرهان على الإصلاحيين وهم. لذلك تعتقد إدارة ترامب أنّ السبيل الوحيد لجرّ إيران الى طاولة التفاهم السرّي مع الولايات المتحدة الأميركية يبقى في إيصال الضغط عليها الى ذروته من خلال تهديد نفوذها.
وهو ما يعني أنّ الهدف لم يتغيّر لناحية إلزام طهران بالتفاهم مع واشنطن، فالأسلوب هو الذي تغيّر.
ومن هذه الزاوية يمكن قراءةُ عملية الحديدة في اليمن.
وعدا عن أنّ الضغط سيدفع لإقناع طهران بالجلوس والتفاوض مع واشنطن، إلّا أنّ الإدارة الأميركية تريد إزاحة كابوس اليمن عن كاهل السعودية، مرة من أجل حماية عملية انتقال العرش من دون وجود مطبّات ومخاطر خارجية أو داخلية، ومرة أخرى من أجل إقفال أيِّ باب من أبواب الضغط مع البدء بتطبيق خطة «صفقة العصر» ما بين إسرائيل والفلسطينيين والتي تتضمّن في أحد بنودها التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل.
ومن هذا المنطلق فإنّ ما حصل في الأردن لا بدّ من التوقف عنده ملياً.
ففي الكتاب الفضائحي «نار وغضب» والذي اتّهم تسريب معلوماته المستشار الاستراتيجي السابق لترامب، كشف ستيف بانون عن مشروع يقضي بتلزيم فلسطينيّي غزة لمصر والضفة الغربية للأردن. واضاف: «لندع البلدَين يتعاملان مع هذا الموضوع أو يغرقان فيما هما يحاولان. السعوديون على شفير الهاوية وكذلك المصريون كلهم خائفون من الموت من بلاد «فارس» ثم قال: «روسيا لاعب أساسي ربما هذا السبب».
كلام بانون لم يتغيّر كثيراً بعد مغادرته مكتبه في البيت الأبيض. نقل ترامب السفارة الأميركية الى القدس وتحيَّن الفرصة للبدء بتطبيق ما بات يُعرف بـ»صفقة العصر»، والأهم أنه عاد وقبل بتعيين جون بولتون في موقع مستشار الامن القومي وهو أحد اهمّ المواقع في الإدارة الأميركية. صحيحٌ أنّ المعروفَ عن بولتون تشدّده وولعه بالمواقف العاصفة، إلّا أنّ الأهم أنّ بولتون يُعتبر متخصّصاً في الملف الإسرائيلي والخيوط المتشابكة في الشرق الأوسط.
فريق بولتون يتحدث بكثير من الغموض حول مستقبل الأردن. ففيما المطلوب من الرئيس المصري تفكيك ألغام قطاع غزة وأخذ الجميع باللين او بالقوة الى دويلة غزة وجزء صغير من سيناء، فإنّ المطلوب من الأردن التزام تطويع الضفة الغربية والقبول بنقل عرب إسرائيل الى داخل الكيان الأردني، وهو ما يقضّ مضاجعَ العرش بالتركيبة الداخلية الأردنية وقد أصبحت خطرة في ظلّ تراجع نسبة البدو الذين يشكّلون عمادَ العرش مقاربة بنسبة الأردنيّين - الفلسطينيين. ومع إدخال عرب إسرائيل تصبح المسألة قاتلة وهو ربما ما يجعل استعادة مشروع أرييل شارون حلّاً مطلوباً. ومشروع شارون يقضي بتقسيم الأردن الى دولتين واحدة للأردنيين وثانية للفلسطينيين، اما إسرائيل فتصبح دولة يهودية صافية.
ومن هذه الزاوية يجب قراءة أحداث الأردن والتي يقول فريق بولتون إنها قابلة للتجدّد في مهلة اقصاها سنة من الآن.
وفي سوريا تضغط واشنطن على إيران عبر إسرائيل وستضاعف من ضغوطها وهي تقوم بترتيب الجبهة الجنوبية لسوريا وأكثر فهي تعمل على تأسيس خريطة جديدة تحاكي واقعاً جغرافياً مستقبلياً جديداً.
وروسيا ايضاً ليست «غريبة عن أورشليم». هي تستفيد من مصالحة واشنطن مع كوريا الشمالية وخلال التخطيط لمدّ أنبوب غاز الى كوريا الجنوبية أرخص ثمناً من الغاز الذي تشتريه الآن.
وفي 25 أيار الماضي وخلال منتدى سان بترسبرغ الاقتصادي الدولي وقّع ممثلون عن حكومة إقليم كردستان في العراق اتّفاقيةً جديدةً لتطوير البنية التحتية للغاز الطبيعي مع شركة النفط الروسية العملاقة «روسنفت». واستناداً الى اتّفاقيةٍ سابقة وافقت الشركة الروسية على بناء خط أنابيب لنقل الغاز الى تركيا يستوعب 30 مليار متر مكعب سنوياً ما يفتح الباب أكثر لموسكو في قطاع الطاقة في الشرق الاوسط. ومن البديهي الاعتقاد أنّ كل ذلك لا يحصل بمعزل عن واشنطن. تريد الإدارة الأميركية إرغامَ طهران على التعاون من خلال سوريا ايضاً، فيما يمكن لموسكو أن تلعب دوراً مساعِداً.
أما لبنان فلم يعد يقلق واشنطن كثيراً بمعنى أنّ الضغط عليه لم يعد بحاجة لجهد وتحضير. فالأوساط الدبلوماسية تعتقد أنّ لبنان أضحى ساقطاً بالمعنى الاقتصادي والمالي. فالمناعة المالية الذاتية لم تعد موجودة وعندما نصل الى استحقاق يكفي التلويح بالهاوية المالية لينتظم القرار اللبناني بالصف. ووفق هذا المعنى فإنّ الفساد كان ضرورياً في الداخل اللبناني للوصول الى الواقع الحالي وتطويع القرار اللبناني.
وطالما أنّ المطروح حصول تغييرات جغرافية اساسية في خرائط المنطقة فإنّ على لبنان أن يخاف من التمييع الحاصل في ملف النازحين السوريين.
ففي الداخل السوري تغييرات جذرية أصابت خريطة الانتشار الديموغرافي، وكي لا نكون سذجاً فإنّ إعادة ترتيب خريطة السلم لا بد أن تخضع لمعاني سياسية لا إنسانية، لتحاكي صورة المستقبل على أنقاض دروس الماضي وتصبح معها الخريطة الجيوسياسية مضمونة.
واستتباعاً فإنّ التلكّؤ في حسم موضوع النازحين السوريين في لبنان خطأٌ قاتل كما كان البند 49 من الموازنة خطأً جرى تصحيحُه قضائياً، وكما كان التعاطي اللبناني البارد مع مؤتمر بروكسل خطأً ايضاً، ومعه يصبح توقيتُ إصدار مرسوم التجنيس بفلسطينيّيه وسوريّيه في غير وقته بتاتاً، ويصبح القانون رقم عشرة في سوريا مقلقاً.
حتى الآن ما تزال إيران ترفض الانصياعَ للضغوط الأميركية لحسابات لها علاقة بمصالحها ومدى نفوذها، لكن في هذا الوقت على لبنان أن يحصّنَ نفسَه من الأخطاء وأن يسرع في ولادة الحكومة وهو ما يعمل له رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من خلال حركة ناشطة في الكواليس أدّت الى تحقيق خطوات الى الأمام مع القوات اللبنانية، وهو ما يشجّع عليه «حزب الله» الذي يحسب للحكومة من خلال الصورة الأوسع في المنطقة.