في 19 كانون الاول الفائت رصدت آخر صورة جمعت الخصمين في كادر واحد. زيارة مفاجئة للوزير جبران باسيل ترافقه زوجته الى دارة النائب وليد جنبلاط في كليمنصو بحضور زوجته نورا وتيمور جنبلاط. طغى الطابع العائلي على الزيارة، لكنّ دلالاتها كانت سياسية بامتياز. سريعاً، غرّد جنبلاط قائلاً: «لقاء سياسي ودي وصريح مع باسيل، واتفقنا على ضرورة تمتين العلاقة الثنائية معه ومع «التيار الوطني الحر» والتعاون لمعالجة وحلّ مواضيع عالقة من أجل مصلحة الوطن».
كلام ديبلوماسي تكفّلت لاحقاً مفاوضات التحالف حول الانتخابات النيابية بنَسفه من أساسه. في مقابل تحالف «تيار المستقبل» و»الحزب الاشتراكي» و»القوات اللبنانية»، بعد محاولة جنبلاطية لإرساء «التفاهم» المشترك في الجبل، وضع الوزير باسيل يده بيد النائب طلال إرسلان ووضع نصب عينيه استعادة المقاعد المسيحية الخمسة في كتلة رئيس «اللقاء الديموقراطي».
إرتفعت المتاريس مجدداً بين الطرفين، الى درجة بَدت فيها «مصالحة الجبل» كأنها لم تكن، والزيارة التي قام بها رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» ميشال عون عام 2010 الى المختارة وتجوّل خلالها بين قرى الشوف بسيارة «البيك» كانت بمثابة إبرة مخدّر.
بعد انتخابه رئيساً للجمهورية بتسعة أشهر، قصدَ عون الشوف مجدداً حيث شارك في قداس سيدة التلة في دير القمر، قبل الانتقال الى المقر الصيفي لرئاسة الجمهورية بالتزامن مع إحياء «الاشتراكي» للذكرى 16 للمصالحة برعاية البطريرك بشاره الراعي. قاطعَ جنبلاط الزيارة «لأسباب صحية»، كما قال.
وكان قد سَبق هذا المشهد ختم «جرح» بريح، أوّل قرى الجبل المهجّرة، من خلال زيارة الرئيس السابق ميشال سليمان والبطريرك بشاره الراعي الى الشوف عام 2014.
مدّ وجزر حَكَم العلاقة المضطربة الجنبلاطية العونية منذ عودة الأخير من المنفى. قاموس التخاطب بين الطرفين طَغت عليه دوماً عبارات «التقاتل» الكلامي الى درجة دفعت عون في فورة غضب الى الطلب من جنبلاط أن «يضبّ لسانه». بالتأكيد، تكفّلت تحالفات الانتخابات النيابية الماضية ونتائجها وصولاً الى الشروط المتحكّمة بتأليف العودة بإعادة عقارب العلاقة الى ما دون الصفر.
آخر «آثار» التقارب «المصطنع» بين المختارة وبعبدا رصدت في كلام جنبلاط بعد مشاركته في الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة، حيث أشار الى ضرورة «تضييق الخلافات والتركيز على بناء الداخل». علماً أن جنبلاط كان قد قال في 15 شباط الماضي عند زيارته عون في بعبدا «إنّ الثوابت الوطنيّة وثروتنا في أياد أمينة»، قبل أن يفجّر النائب جنبلاط «تغريدته» من النروج، التي طالت أداء العهد وباسيل في ملف النازحين، كان الكلام «الكبير» يُسمَع من دائرة القريبين من زعيم المختارة بأنّ «الشارع الجنبلاطي لن يسكت على التطاول» على حصّة «وليد بيك» الثلاثية في الحكومة»، في إيحاء غير مباشر بأنّ الاعتراض لن يبقى أسير الغرف المغلقة وقد يأخذ شكل الاعتراض الحزبي الموسّع!
يكشف ذلك جزءاً أساسياً من الأزمة. فموقف جنبلاط من موضوع النزوح السوري لم يكن جديداً على السمع، وهو المعترض أساساً على واقع التعامل «وكأنّ اللاجئ السوري أتى من القمر ليحتلّ بلادنا وعلى ظهره الفلسطيني الذي لا وطن له»، على حدّ قوله. أما تهجّمه على «العهد الفاشل» فجديده فقط قرار المختارة المجاهرة علناً أنّ السير بالتسوية الرئاسية ومنح جنبلاط صوته وبعض أصوات «اللقاء الديموقراطي» لانتخاب عون رئيساً لا يعني تغيير «البيك» رأيه بأنّ «العهد فاشل من اللحظة الأولى»، كونه لم يقتنع يوماً بأنّ عون جدير بالجلوس على كرسيّ بعبدا».
هكذا قرّر جنبلاط فتح النار مباشرة على «العهد»، بعدما كان يحيّد عون شخصياً ويصعّد ضد جبران باسيل ووزراء «التيار الوطني الحر» الذين دخلوا، مع نواب «التيار» وقياداته، في اليومين الماضيين في حفلة مزايدات داخلية بوجه المختارة على قاعدة «رَدّي أقوى من ردّك»، بخلاف ما قيل إنّ هناك «أمر عمليات» حزبي بالردّ بالجملة على رئيس «اللقاء الديموقراطي»!
وفق المعلومات، أدى تدخّل قريبين من الرئيس المكلف سعد الحريري، بينهم الوزير غطاس الخوري، منذ مساء السبت الى إرساء هدنة سُمع خلالها من الطرفين تأكيدات بالالتزام بها «طالما ليس هناك نيّة عرقلة لجهود الحريري في تأليف الحكومة».
لكن الهدنة لم تَنسحِب حتى الآن تنازلاتٍ على مستوى حلّ العقدة الدرزية. حتى الآن هناك اتجاه رئاسي لتبنّي توزير النائب طلال إرسلان. وحين يُسأل بعض النواب العونيين عن معيار الميثاقية في توزير نائب «سقط» إنتخابياً في بلدته، يردّون بسؤال آخر: «وأين الميثاقية بنجاح نواب مسيحيين الى جانب جنبلاط بغير أصوات المسيحيين»؟!
في مقابل هذا الواقع، هناك تشدّد من جانب جنبلاط بالحصول على الحصة الدرزية الثلاثية كاملة في الحكومة و»القرار محسوم»، بتأكيد مصادر رئيس «اللقاء الديموقراطي».
لكنّ اللافت في الحرب الكلامية، التي اندلعت بين «الاشتراكيين» وتكتل «لبنان القوي»، وقوف النائب المنتخب تيمور جنبلاط على الحياد حيث بقي بمنأى عن «التغريد» و»التسعير».
في هذا السياق، تقول أوساط تيمور جنبلاط «انه مؤيّد بالكامل لموقف والده في الموضوع السوري وفي ملف النازحين السوريين، إذ سبق له أن عبّر عن رأيه الرافض بإرسال هؤلاء النازحين «لكي يقتلوا في بلدهم»، مشيرة الى «أنّ تيمور يتجاوز والده ربما، باعتبار المسألة مبدئية أكثر منها سياسية»!
وتؤكّد الأوساط أنّ تيمور «لن يَنجرّ الى الدخول في سجالات من هذا النوع، قياساً الى «نوعية» الردود التي صدرت»!
وتشير المعلومات أنّ تيمور، وعلى رغم شبكة العلاقات التي ينسجها تدريجاً مع القوى السياسية، لم يفتح خطوط تواصل رسمية حتى الآن مع النواب والوزراء العونيين، خصوصاً في الجبل وبعبدا، وأنّ التواصل لا يزال ضمن الأطر الحزبية. والعلاقة بين الطرفين التي توصف بـ»الباردة» تفتح باباً للتساؤل إذا كانت الكيمياء التي غابت على مستوى عقود بين ميشال عون ووليد جنبلاط قد تجد لها مكاناً بين القيادات العونية، وتحديداً جبران باسيل وتيمور جنبلاط!