ينتهى الشهر ولكلّ شيء نهاية. المُشاهدة مُتعِبة، والكتابة مُتعِبة، لكنّ تعب المسؤولية خارج القياس والمقارنة. حاولنا الإحاطة بالمشهد، إنما البشر عادة محدودو القدرات. مسلسلات شاهدناها برغبة، وأخرى أدركنا أنّها إهدار للوقت، وتابعنا المشاهدة. كانت ضرورات. ينتهي الشهر بعد ضجيج درامي كاد أن ينخر الرأس. معظم ما شاهدناه مُفرغ من المحتوى، عاجز عن بلوغ ذروة الإعجاب النقدي. موسم الخيبة. خفيفٌ عابر، عُمر الدهشة فيه لحظة. دخل "تانغو" القلب، وفرض التعلُّق به وانتظاره بسعادة، لكن في المطلق، تُفتَقد أعمالٌ تُخرجكَ من رمضان بمشاعر من اكتفاء. نحكم على ما تسنّت مُشاهدته، وعذراً على ما لم يُتح الوقت المرورَ عليه. مرة أخرى، البشر عادة محدودو القدرات.
نبتعد هذه السنة من تصنيف الأعمال بين "الأفضل والأسوأ" بالمعنى الحرفي للتصنيفات، ونوضح: المكتوب رأي أخير بأعمال شاهدناها، ولعلّ بعض ما فاتنا كان يستحقّ حضوره هنا، فثمة أعمال كـ"رحيم"، "أبو عمر المصري"، "الرحلة"، "الواق واق"، "بالحجم العائلي"، "موت أميرة" وسواها، وصَلَنا صداها وفرَضَ ضيقُ الوقت الاكتفاء بما وصل. نختم الموسم على هذا الشكل: "تانغو" ("أل بي سي آي"، "أم بي سي") الأقرب إلى المزاج والقلب، كاراكتيراته جزء من انتظارنا اليومي. مسلسل بإيقاع مضبوط وتوتّر عالٍ. أبطاله الأربعة مشغولون بحرفية، والجميع تقريباً يتألّق. من الأعمال القادرة على تحويل الكليشيه إلى حدث. مليء بالاتقان والمفاجأة.
مسلسل من مزاج آخر وزمن مغاير: "ليالي أوجيني" ("سي بي سي") أيضاً يلامس الوتر الحسّاس. رقيق، عذب، جميل الإطار، عاطفيّ، يحاكي الأعماق الإنسانية. أعمالُ مصر بيد، وهو وحده بيد. ليس ذلك من باب القيمة، بل الجوّ والنوستالجيا وطابعه الرومانسي. التعامل معه يتمّ على مهل، كأنّه ثمة خشية من إزعاجه أو تنغيص سكينته. من المسلسلات المفضّلة.
على عكس خفّة خياراته السابقة، عادل إمام هذه السنة بين الكبار. طرح إشكالية البحث عن الحقيقة من دون تهريج. أضحكَ باللحظة المناسبة والأسلوب المناسب. مسلسله "عوالم خفية" ("سي بي سي") ناجح بمهارة بطله وإمساكه ملفّه بمسؤولية. كلّما قلّب صفحةً، طرح سؤالاً، والسؤال يشرّع الأبواب. مسلسل تابعناه بجدّية، لنشهد عودة الزعيم بثقة إلى #رمضان.
"لعنة كارما" ("النهار" المصرية") من مسلسلاتنا المفضّلة ضمن ما تابعناه. هيفا وهبي ماهرة في ملعبها. قدماها ثابتتان، وأرضها خصبة. بطلة سيناريو يُسرّع مرور الوقت. تطلّ بكامل القدرة على الإغواء والإقناع والإثبات بأنّها رقم درامي صعب. أخرج الحبّ رئيسة العصابة على طورها. أعادها إنسانة. وضعها أمام فرصة مصالحة الحياة والارتماء بحضن الأم. اللحظة الأخيرة قبل فوات الأوان بمثابة عُمر.
إنسانٌ قد يجعلك تعشق كلّ ما حوله وتغفر الخطأ. عابد فهد في دور جابر سلطان هو الكاراكتير الرمضاني الأول، ممتاز بالدور، متفوّق بالحضور. لمسلسل "طريق" ("أم تي في"، "أم بي سي") مكان خاص، ليس هو المكان المخصّص لأي مسلسل. كلاهما تألّق: فهد ونادين نجيم بدور أميرة المجتهدة. يُحسب للعمل طرحه إشكالية المرأة العاملة والفروق الفكرية والاجتماعية بين الزوجين. هو من النوع القادر على الإبقاء في مراتب متقدّمة رغم الثغر. نجيم حالة درامية متقدّمة، أميرة أخرجت أصدق ما فيها.
نتابع، يُرجى عدم الملل. ليس "فوضى" ("الجديد") بوَقْع مسلسلاتٍ كبرى حاكت الأزمة. كان مروراً على المأساة وتحية نازفة إلى ضحاياها. مَشاهد الدمار من الأعلى تقول ما لم تعد للأعماق الإنسانية قدرة على البوح به. لا شيء ينتهي على ما يُرام، لكن لا بدّ من نافذة. هناك حيث يستطيع ضوءٌ قليل أن يخرق كثافة الظلمات من حولنا.
"العاصوف" شأنٌ آخر. حالة من نوع مختلف. تأثير مغاير عن المشهد العادي. مسلسل ("أم بي سي") حمله ناصر القصبي بأنفاسه وكامل القدرة على المواجهة. مفعول جدليته لا يدوم للحظة. يتمتدّ ويتفاعل. سؤال يحرّك أسئلة وكلام يوقظ مشاعر نائمة. لم يكتفِ العمل بالعرض، بل بالنقد. قوّته في نبرته واستعداده لكل شيء. الآمال على القصبي عالية دائماً.
"جوليا" ("أل بي سي آي") ضحكة لطيفة واستراحة مُتعَب. المسلسل ليس من الصنف المُدّعي شيئاً. يُضحِك فحسب، وعلى طريقته. تنقُّل ماغي بو غصن بين الشخصيات يُحسب لها. المشهد برمّته لم يُزعج، وإن تفاوت إيقاعه وأذعن أحياناً للمبالغة. ساعة مُشاهدة وينتهي الأمر. المسألة ليست فلسفة ولا حواجب معقّدة. بسمة كافية لنفضّله على سواه.
لن نؤخر الحديث عن "الهيبة العودة" ("أم تي في"، "أم بي سي"). يلمع كالذهب تيم حسن في شخصية جبل شيخ الجبل. محبوك بإتقان، من رأسه إلى قدميه. شاطر لا يُخطئ، مثل منى واصف في الأداء والحضور والنَفَس. رائعان في مسلسل فَقَد بعض وَقْعه رغم تميُّز أداء البعض، وارتطم بشيء من الزوايا الفارغة. الجزء الثاني محاولة إثبات بأنّ النجاح قادر على الاستمرار. ربما صحيح، لكن بحجم آخر وطعم مختلف. المسألة ليست في الانتشار والشعبية وعشق حالة جبل فحسب. هذا نجاح غير قابل للشكّ. هي في عمق المحتوى وقيمته. في إضافة لم تتحقّق. في الأسماء الكبيرة المُوظّفة بسياق أقلّ حجماً.
ماذا بعد؟ ثلاثة مسلسلات مصرية، بطلاتها نيللي كريم، يسرا، وغادة عبدالرازق. أسماء من وزن، في أعمال ليست دائماً بحجم الآمال. ليس هذا أكثر المواسم الرمضانية جماهيرية بالنسبة إلى الثلاث. وإلى نيللي كريم تحديداً. كانت الأولى طوال سنوات، و"اختفاء" ("دي أم أس") نقلها إلى خطوة لا تُحسب بالأرقام. يسرا في "لدينا أقوال أخرى" ("أس بي سي" و"الأولى" السعودية) وعبدالرازق في "ضدّ مجهول" ("دبي") شأنان آخران. يقدّمان مشهداً رمضانياً متألقاً، إنما بمضمون قد لا يُحدِث إجماعاً ويعجز عن الانتشار بسرعة البرق.
حان دور "ومشيت" ("أم تي في"). المسلسل تحسّن، وعوض الشلل، استعاد المشي على رِجْل واحدة. منذ منتصف رمضان تقريباً، وهو يحاول اتّخاذ منحى آخر. يتغيّر كلّ شيء حين يعلم أمل (بديع أبو شقرا) بوجود ابنته، وتنكشف تدريجاً الخيوط المتعلّقة بجريمة الاغتيال. ليس واحداً من مسلسلاتنا المفضّلة. وقع في الكليشيه والمشهد المُكرر رغم قدرة أبو شقرا على حَمْل المشاعر إلى مكان أعمق. رندا كعدي الأم المذهلة، الممثلة المتفوّقة، الصدق.
قبل الختام بمسلسلين قالت الأرقام أنّهما في المرتبتين الأولى والثانية، نجدّد الرغبة في عودة قصي الخولي إلى المشهد الرمضاني. العودة الفعلية، لا بأدوار لمعانها ضئيل. "هارون الرشيد" ("روتانا خليجية") خطوة أخرى غير موفّقة. قراراته المقبلة ينبغي أن تُحسَب على القلم والورقة.
"الحب الحقيقي" ("أل بي سي آي") ترك المُشاهد أمام تطوّرات مشوّقة، رغم ضعف البنية، اشتدّ عوده بعض الشيء. الياس الزايك ولمى مرعشلي واعدان، لا يُحبطهما مشهدٌ مضطرب، واندريه ناكوزي تمثّل بكيانها. "كلّ الحبّ كل الغرام" ("أل بي سي آي") هو الأسوأ.