أبدى لبنان أمس الخميس، استعدادًا مشروطًا لرفع إجراءات وزارة الخارجية الأولية التي اتخذَت بحق المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان، تحت تأثير ضغط أوروبي واستياء من اللغة اللبنانية "التي تتهم الأوروبيين بالعمل على توطين اللاجئين في لبنان".
ورغم محاولة وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل احتواء "الاستياء الأوروبي" تجاه الموقف اللبناني بما يخص اللاجئين، والتصعيد ضد مفوضية اللاجئين، فإن الموقف الغربي تجاه الاستجابة اللبنانية للأزمة، بدا رادعًا لـ "أوهام لبنان" تجاه عودة جماعية للاجئين، أو اتهام الأوروبيين بالدفع لإبقائهم.
بدوره، قال السفير الألماني في بيروت مارتن هوث أمس الجمعة إن المجتمع الدولي "مستاء من الاتهامات الكاذبة المتكررة له، بأنه يعمل على توطين اللاجئين في لبنان"، وجاء ذلك بعد اتهام باسيل لمفوضية اللاجئين والمجتمع الدولي بالحيلولة دون عودة اللاجئين السوريين لبلدهم من لبنان.
في السياق ذاته، قالت مصادر لبنانية مطلعة نقلًا عن صحيفة "الشرق الأوسط" على الاجتماعات مع المسؤولين اللبنانيين بعد اندلاع الأزمة في الأسبوع الماضي، إن "هناك إجماعًا دوليًا على استنكار لغة الدولة اللبنانية حول التوطين"، مؤكدة أن "توطين النازحين غير وارد"، وقالت إن هناك "تمنيًا غربيًّا بعدم الاستمرار بلغة باسيل في هذا الخصوص"، وأكدت المصادر نفسها أن هناك "رفضًا مطلقًا لأي عودة منظمة وبأعداد كبيرة لأن هذه أوهام في المرحلة الحالية، وسط إقرارهم بأن أي عودة فردية هي خيار للنازح لا يعارضه فيه أحد"، وأضافت المصادر إن الموقف البريطاني والموقف الأميركي "هما الأكثر تشددًا في هذا الملف".
وبموازاة ذلك، تدخل الدول الغربية على خط رادع لـ "التمادي اللبناني بالاتهامات"، كان وزير الخارجية جبران باسيل يحتوي الموقف، إذ أبدى استعدادًا مشروطًا للتراجع عن إجراءاته تجاه المفوضية، وأبلغ باسيل المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في جنيف، أمس، أنه مستعد لرفع إجراءات الخارجية الأولية التي اتخذت بحق المفوضية إذا رأى تغيراً في السياسة المعتمدة، كما أنه مستعد لزيادتها في حال عدم حصول تغير، بحسب "الشرق الأوسط".
من جهته، قال باسيل ردّاً على سؤال: "لقد سمعت اليوم (أمس) من المفوض السامي، كلامًا يدل على حسن نية وتجاوب، وسننتظر إجراءات وسياسة عملية يتم تطبيقها في لبنان"، وأشار إلى أنه "بانتظار أن يتحقق هذا الكلام عبر أمور عملية تحصل في كل من جنيف وبيروت"، وقال إن وجوده في مقر المفوضية العليا للاجئين في جنيف كوزير خارجية لبنان هو "لإيصال رسالة مباشرة إلى المفوض العام وهي أننا لا نبحث عن مشكلات مع المفوضية العليا للاجئين أو مع المجتمع الدولي، بل إننا نريد حلاً لأزمة لم يعد لبنان يحتملها لأن اقتصاده سينهار بوجود مليوني نازح ولاجئ سوري، لأن السياسة المعلنة والواردة على موقع المفوضية بكل بساطة هي منع العودة المبكرة وهي سياسة مرفوضة".
من جهة أخرى، لفت باسيل بعد لقائه غراندي إلى أنه لا يطلب من المفوضية تشجيع النازحين السوريين على العودة، وقال: "شرحنا له الإجراءات التي تقوم بها المفوضية على الأرض، والتي تؤدي إلى إخافتهم من العودة ووعدنا أنه سيتحقق منها، وأبلغنا عدم قبوله بأن تحصل الأمور بهذا الشكل، وهذا أول أمر إيجابي وعد بمتابعته".
من ناحيته، أشار إلى "أننا راغبون برؤية إجراءات تتخذها المفوضية إزاء النازحين الراغبين بالعودة، الذين يتوزعون على 3 فئات، تتمثل الأولى في (النازحين السوريين الاقتصاديين الذي يذهبون باستمرار إلى سوريا، ويستفيدون من بطاقات النزوح التي توفر لهم مساعدات ليس من المفتَرَض أن يحصلوا عليها)"، وبالسوريين الذين يودون العودة وكل ظروف عودتهم مؤمنة بما فيها منزلهم وأرضهم والموافقة من السلطات السورية، بالسوريين الراغبين بالعودة لكنهم خسروا منازلهم، وأضاف: "نصحت بعدم المراهنة على وجود خلاف بين اللبنانيين، لأن الجميع يجمع على عودة النازحين إلى سوريا، ونحن مقبلون على مرحلة جديدة حيث تصبح سوريا آمنة أكثر وتصبح معها عودة السوريين ممكنة أكثر"، ودعا إلى وجوب "التعاون في هذه المرحلة الجديدة عبر سياسة جديدة يتم فيها استبدال منع العودة المبكرة بتشجيع العودة الآمنة والكريمة".
في السياق، عرض باسيل الوضع في سوريا وأزمة النازحين مع المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، وأشار ردًّأ على سؤال عن اجتماعه مع دي ميستورا، إلى أنه "جرى تبادل المعلومات حول اتجاه الأمور في سوريا"، لافتًا إلى أن المبعوث الأممي "كان أوَّل من تحدث عن تخفيف الاحتقان في مناطق معينة وتأمين العودة لها، واليوم يتحدث عن إعادة الإعمار في سوريا، وهذا ما يتجاهله المجتمع الدولي، وهو يعرف أن عودة النازحين إلى سوريا باتت ممكنة أكثر فأكثر"، لافتًا إلى أنه "طلب المساعدة في هذا الموضوع وأن هذه العودة تسرع الحل السياسي للأزمة والمصالحة بين السوريين وإعادة الإعمار".