حتى اللحظة، لم يَقُلها الحريري، ولم يعلن رسمياً رفع «فيتو» رفض جلوس وزير سنّي لا يضع ربطة عنق «زرقاء» إلى الطاولة المستطيلة، باستثناء من يسمّيه رئيس الجمهورية ميشال عون، إنسجاماً مع تجربة حكومة العهد الأولى. لكنّ التسريبات الخارجة من «بيت الوسط»، تؤشّر في وضوح الى هذه الممانعة، وتظهر مدى امتعاض رئيس الحكومة المكلّف من منح «خصم» من «بيت أبيه» مزيداً من الخدمات و«الامتيازات» السلطوية.
ومع ذلك، يتصرّف أحد النواب من «نادي الاعتراض» على أساس أنّ قدميّ الحريري لم تطأا «الأرض المُحرّمة». طالما أن لا موقف رسمياً يوثّق ممانعته، فهذا يعني أنّ رفع السقوف خلال هذه المرحلة بالذات، ليس أكثر من «بالونات حرارية» سرعان ما ستذوب مع بدء المشاورات الجدية.
يؤكد النائب نفسه أنّ الكلام المتطاير من هنا وهناك لا يعدّ رفضاً رسمياً يُبنى عليه، خصوصاً أنّ مشاورات التأليف لا تزال في مُربّعها الأول، ولم تغرق في التفاصيل انتظاراً لانكشاف الرؤية الاقليمية، التي يحاول الحريري التعرّف عن كثب الى مناخاتها لكي يغوص في العمق.
ولهذا، لا يزال الرهان على تأكيد رئيس الحكومة المكلّف لحظة تكليفه سعيه الى تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تستثني أي فريق، وأنه يمدّ يد العون الى الجميع. على هذا الأساس يقول النائب نفسه إنّ 8 نواب سنّة سمّوا الحريري لرئاسة الحكومة دعماً للاستقرار الذي صار الرجل جزءاً منه، وكرد إيجابي على فرضية مدّ اليد.
ويعتبر أنّ التسريبات التي تتحدث عن رفض رئيس الحكومة المكلف توزير سنّي من خارج النادي الأزرق، تتناقض مع سياسة مد اليد التي يعلنها الرجل، حيث يُنتظر منه أن يبدأ سياسته الانفتاحية مع أبناء طائفته قبل تعميمها على الآخرين من أبناء الطوائف الأخرى.
ويسارع هذا النائب الى التشديد على أنّ من بَلع وجود «القوات» الى جانبه بصفة الشراكة، في استطاعته أن يستوعب أبناء طائفته الذين تعاملوا معه بإيجابية، خصوصاً أنهم يمثّلون شريحة واسعة من الناخبين.
وإذا ما تذرّع الحريري بتشتّت النواب العشرة، وعدم انضوائهم في تكتل واحد يستحق أن يكون ممثلاً في الحكومة، فإنّ هذا المبدأ لا يسري مثلاً على النائب فيصل كرامي كما يقول عارفوه، كونه ينتمي الى تكتل وطني متعدد طائفياً ومناطقياً يضمّ 7 نواب ويفترض أن يمثّل وزارياً بنحو وازن اذا ما تمّ تكريس النسبية في نتائج الانتخابات النيابية معياراً للتوزير.
ويؤكد عارفو كرامي أنّ اللقاء مع الحريري خلال الاستشارات النيابية كان ودياً جداً، لم يأت خلاله رئيس الحكومة المكلّف على ذكر أي ممانعة أو رفض من جانبه، حيث بادره كرامي الى القول: «جئناك للمصاهرة وليس للمقاهرة»، تعبيراً عن رغبة التكتل في التعاطي بإيجابية مع مضيفه.
ومع ذلك، يمكن لنواب 8 آذار أن يقدّموا كل البراهين والقرائن التي تثبت بالوجه العلمي شرعيتهم في التوزير، ولكن موقف حليفيهما الشيعيين، أي رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حزب الله»، قد يصنع كل الفارق. حتى الآن يعتصم الحزب بالصمت، فيما يرصد بري تطورات التأليف بعين تسهيل المخاض الحكومي. ولهذا يخشى بعض هذا الفريق أن يسحب الثنائي الشيعي يديه من أي ضغط قد يمارسه لإدخال سنّي من حلفائه الى «الجنّة الحريرية».
يرى أحد النواب من هذا المحور أنّ هذا لا يعني أبداً انّ الثنائي الشيعي سيقف متفرّجاً على مشروع إقصاء حلفائه السنة من الحكومة، مؤكداً أنّ بري قال أمامه كلاماً واضحاً عن ضرورة تمثيل هذه الشريحة السنية بما يتناسب وحجمها.