اليوم أوّل أيام عيد الفطر السعيد في لبنان والعالمين العربي والإسلامي. ولبنان يمضي عطلة العيد موحداً، بعدما أعلن كل من دار الفتوى والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ان اليوم الجمعة 15 حزيران هو الاول من شوال، وأول أيام العيد لعام 1439هـ.
وإذا كانت مرجعيات وقيادات إسلامية أعلنت عن اعتذارها تقبل التهاني بالمناسبة، وسط أجواء ترقب إزاء ما يجري في المنطقة من تصعيد للمواجهة، فإن الأنظار قفزت من «المونديال» الذي بدأ شهره بافتتاح حاشد سياسي وشعبي في موسكو، إلى ترقب ما بعد عطلة العيد المبارك.
وفي هذا الإطار، وقبيل عودته إلى بيروت بداية الأسبوع المقبل، انتقل الرئيس المكلف سعد الحريري من موسكو، حيث التقى الرئيس فلاديمير بوتين إلى جدّة، لقضاء إجازة العيد مع عائلته، وحيث سيؤدي صلاة العيد إلى جانب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمّد بن سلمان، حيث ترددت معلومات انه عاد ايضا إلى بلاده، مع الرئيس الحريري.
وعلمت «اللواء» ان الرئيس بوتين أكّد للرئيس الحريري دعمه في عملية تأليف الحكومة، والوقوف إلى جانب لبنان، الذي يتوق إلى تعزيز استقراره عبر حكومة وحدة وطنية.
عقبات تشكيل الحكومة
وفيما أمل الرئيس الحريري، ان تشكّل معاني عيد الفطر الذي يحتفل به اللبنانيون والعرب والمسلمون اليوم، مزيدا من تعميم أجواء التوافق السياسي وتضافر الجهود للتحقيق اماني اللبنانيين وتطلعاتهم بالنهوض نحو الأفضل، معتذراً عن عدم استقبال المهنئين بالعيد لوجوده خارج لبنان، ازدادت العقد امام تشكيل الحكومة العتيدة مع تشدد تمسك الحزب التقدمي الاشتراكي بتمثيل كتلة «اللقاء الديموقراطي» بثلاثة وزراء، والكلام المستجد عن عقدة في التوزير الأرمني، حيث رفض حزب الطاشناق تسمية شخص للمعقد الثاني من الأقليات، في وقت لم يتم فيه إيجاد حل لمطلب «القوات اللبنانية» بالتمثيل المتساوي مع حصة «التيار الوطني الحر»، وسط تصاعد الخلاف بين الطرفين.
واضيف إلى هذه العقبات، عقبة جديدة تمثلت بمطالبة «حزب الله» بوزارة الصحة، كوزارة خدماتية، كشف عنها الرئيس نبيه برّي، في حين تتمسك «القوات» بهذه الحقيبة، وتعتبر ان وزيرها غسّان حاصباني نجح في ادارتها. وان كان ليس معروفاً ما إذا كانت ستجدد تسميته لهذه الحقيبة، رغم انه اتجاه غالب.
وبهذه العقبة أو العقدة الجديدة، ازدادت العقد إلى خمس، وهي: إلى جانب عقد التمثيل السني من خارج تيّار «المستقبل»، كلاً من عُقد: «القوات اللبنانية»، «التيار الحر»، التمثيل الدرزي بالحزب الاشتراكي، العقدة الأرمنية، وعقدة وزارة الصحة.
لكن مصادر متابعة عن قرب لاتصالات التشكيل قالت لـ«اللواء»: ان الخلافات قد تطيل عمر التشكيل نحو ثلاثة اسابيع او شهر، لكننا لا زلنا ضمن المهلة المعقولة لتشكيل الحكومات في لبنان، وطالما الرغبة موجودة لدى الجميع بتسهيل التشكيل فلن تطول اكثر من ذلك.
تمثيل الأرمن
وبالنسبة لتمثيل الارمن، اوضح الامين العام لحزب الطاشناق النائب هاغوب بقرادونيان لــ«اللواء»: ان موضوع تمثيل الارمن هو المشكلة الاقل في موضوع تشكيل الحكومة، وهناك توافق على تمثيل الارمن بوزيرين اذا كانت حكومة ثلاثينية، اما اذا ارادوا تمثيل الاقليات فيجب ان تكون الحكومة من 32 وزيرا. وهناك توافق ان يتمثل حزب الطاشناق بوزير واحد، ولن نقبل بأقل من حقيبة السياحة، بينما الاسم المقترح يأتي لاحقا. الا ان المسألة العالقة تتمثل في الارمني الثاني، وهناك وجهات نظر مختلفة حول من هي الجهة التي ستسمي الوزير الثاني. ونحن لا مشكل لدينا في ان يكون من حصة احد من رئيسي الجمهورية او الحكومة المكلف.
اضاف: لكن نحن نطرح اختيار شخصية من القوى التي تتمتع بتمثيل شعبي وليس بالضرورة بتمثيل نيابي فقط، ويجب ان يمثل الوزير الثاني البيئة الارمنية ايضا، وهناك احزاب ارمنية تتمتع بتمثيل شعبي، فليتم اختيار احد الشخصيات منها، التزاما بمعيار توزير الاكثر تمثيلا في طائفته، وفي حال تجاوز هذا المبدأ يكون هناك محاولة ضرب لاتفاق الطائف وللميثاقية.
الريّس: لا تراجع
وبالنسبة لتمثيل اللقاء الديموقراطي، قال مفوض الاعلام في الحزب التقدمي رامي الريس لـ«اللواء»: ان لا تراجع عن تمثيل الحزب التقدمي واللقاء الديموقراطي بثلاثة وزراء دروز، مذكّرا «أن معيار تمثيل الاقوى في طائفته وضعته قوى سياسية أخرى وليس الحزب التقدمي الاشتراكي، وهو الآن يطالب بتطبيقه».
واضاف: الحزب التقدمي هو الاقوى تمثيلا في طائفته فلديه سبعة نواب من اصل ثمانية علماان الجميع يعلم كيف حصل انتخاب النائب الثامن، (اشارة الى ترك مقعد شاغر للنائب طلال ارسلان على لائحة اللقاء الديموقراطي في عاليه).
واضاف حول امكانية تمثيل اثنان دروز وواحد مسيحي بدل الدرزي؟ قال الريس: هذا الامر غير مطروح، النتيجة الطبيعية للانتخابات ووفق منطق الاقوى في طائفته ومقولة الميثاقية واستعادة الحقوق التي تغنوا بها وعطلوا الحكومات والمجلس النيابي لأجلها، ان يتم تمثيل الحزب التقدمي بثلاثة وزراء ونقطة على السطر. الموقف واضح وتم تبليغه للمعنيين.
وفي حال اذا اصر التيار الحر او الرئيس ميشال عون على تمثيل ارسلان من حصتهما؟ قال الريّس: لسنا مسؤولين عن ايجاد الحل ولا عن تمثيل اطراف اخرى في الحكومة. من اخترع مقولة العقدة الدرزية ليجد لها الحل. نحن بالنسبة لنا لا توجد عقدة درزية في التمثيل الحكومي.
أزمة النازحين
وكان البارز، أمس، بالنسبة لملف أزمة النزوح السوري في لبنان، هو الموقف الذي أبلغه الرئيس ميشال عون لممثلي مجموعة الدعم الدولية للبنان، «بأن عودة النازحين السوريين إلى بلادهم لا يُمكن ان تنتظر الحل السياسي للأزمة السورية الذي قد يتطلب وقتاً، وان امكانات لبنان لم تعد تسمح ببقائهم على أرضه إلى أجل غير محدد، نظراً لما سببه ذلك من تداعيات سلبية على مختلف الصعد، لا سيما الوضع الاقتصادي حيث تجاوزت الخسائر التي لحقت بلبنان ما يقارب عشرة مليارات دولار أميركي، توزعت على مختلف القطاعات وفق دراسة اقتصادية بالأرقام سلمها رئيس الجمهورية لسفراء المجموعة الدولية الذين زاروه أمس في قصر بعبدا، بناء لطلبهم.
وقال الرئيس عون لهؤلاء السفراء: «ان لبنان وفيّ لالتزاماته تجاه الأمم المتحدة والدول الصديقة، وحريص على المحافظة على هذه العلاقات المتينة، خصوصاً مع الدول التي تساعده، والتي هي دائماً موضع شكر وتقدير وليست موضع شك لا بالدول ولا بالاشخاص، الا اننا في المقابل، نعتقد بأن الالتزامات السياسية تتغير مع المتغيّرات التي تحصل ميدانياً، الأمر الذي يجعلنا غير قادرين على انتظار الحل السياسي للأزمة السورية حتى تبدأ عودة النازحين إلى بلادهم.
وإذ ميز عون بين عودة النازحين والحل السياسي، رأى ان هذه العودة باتت ممكنة على مراحل إلى المناطق التي باتت آمنة ومستقره في سوريا، وهي تتجاوز بمساحتها خمس مرات مساحة لبنان، ومعظم النازحين في لبنان يقيمون في هذه المناطق التي أصبحت آمنة.
وقال ان «ما نطالب به هو البدء بعمليات العودة ليس لأن لا إرادة لنا على استمرار استقبالهم، بل لأن قدراتنا لم تسمح بذلك».
اما أعضاء المجموعة الدولية، فقد تحدثت باسمهم المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان السيدة برنيل دالر كارديل التي أوضحت انها قدمت مذكرة تناولت رؤية دول المجموعة لمستقبل التعاون مع لبنان، مع بعض المبادئ الأساسية غير الرسمية التي نشجع الحكومة اللبنانية التي ستشكل على اخذها في الاعتبار، والتي ترتكز على قرار مجلس الأمن الرقم 1701، وكذلك على اتفاق الشراكة الذي تمّ التأكيد عليه في مختلف المؤتمرات الدولية التي عقدت من أجل لبنان ومع لبنان في الأشهر الستة الأخيرة، في أشارة إلى مؤتمرات باريس وروما وبروكسل، الا ان كارديل لم تشر في تصريحها إلى الأزمة الحالية بين وزارة الخارجية والمفوضية العليا للاجئين، غير انها قالت ان المجموعة جدّدت التأكيد للرئيس عون على الطبيعة المؤقتة لوجود النازحين السوريين في لبنان، واننا اتفقتا على وجود حاجة لدفع الشراكة بين لبنان وشركائه الدوليين بطريقة بنّاءة ومثمرة للتعامل مع هذا الملف، وقد شددنا معاً على أهمية هذا الامر».
لكن المثير للانتباه هو انه فيما كانت السيدة كارديل تستخدم تعابير ديبلوماسية، للاشارة إلى الأزمة الحالة مع مفوضية اللاجئين، كان السفير الالماني في لبنان مارتن هوث الذي كان في عداد وفد سفراء المجموعة الدولية، يكشف في حديث نقلته له وكالة «رويترز»، ان «المجتمع الدولي مستاء من الاتهامات اللبنانية الكاذبة والمتكررة له بأنه يعمل على توطين اللاجئين السوريين في لبنان»، مشددا على ان «الامم المتحدة ملتزمة بالكامل بعودة اللاجئين السوريين».
وسبق للسفير هوث ان عمل كموظف في البعثة الديبلوماسية الالمانية في بيروت، وقبل تعيينه سفيراً لبلاده شغل منصب مدير لجنة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية الالمانية.
وفي تقدير مصادر سياسية، ان الانتقادات اللاذعة للسفير الالماني مرشحة لأن تضيف عنصراً جديداً على الأزمة في المفوضية، وربما ايضا على زيارة المستشارة الالمانية انغيلا ميركل إلى بيروت في 21 حزيران الحالي، حيث من المقرّر ان تلتقي الرؤساء الثلاثة، وبطبيعة الحال سيكون السفير هوث في عداد الوفد الالماني المرافق.
موقفان داعمان
ومهما كان من أمر هذه الأزمة المستجدة، كان لافتاً أيضاً، الموقف الداعم من «القوات اللبنانية» لموقف رئيس الجمهورية من ملف النازحين السوريين، والذي نقله وزير الإعلام ملحم رياشي للرئيس عون، موفداً من رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، مؤكدا على ضرورة العودة الآمنة لهؤلاء النازحين إلى بلدهم بالتنسيق مع المجتمع الدولي ومن دون الاصطدام معه، وهو ما أكده جعجع ايضا لممثلة مفوضية اللاجئين في لبنان ميراي جيرار.
وكذلك كان لكتلة «الوفاء للمقاومة» موقف مماثل، حيث أكدت استعدادها الكامل للتعاون الإيجابي من أجل الإسراع في معالجة هذا الملف بما يحقق مصلحة لبنان والنازحين معاً، معتبرة ان ملف عودة النازحين السوريين بشكل طوعي وآمن يحتاج إلى مقاربة شجاعة ومسؤولية بدأنا نلمس مؤشرات واعدة بشأنها.
وأوضحت مصادر مطلعة لـ«اللواء» أن موقف الرئيس عون أمام سفراء مجموعة الدعم الدولية كان واضحا في تأكيده أن لبنان ليس على عداء مع الدول وهو وفي لالتزاماته.
وأكدت المصادر أنه للمرة الأولى يحصل السفراء على تقرير رسمي ومفصل عن القطاعات في لبنان التي تأثرت بالنزوح السوري . وأفادت أن الجو الدولي بدأ بالتبدل لأن المسؤولين الدوليين ايقنوا أن المشكلة ليست شخصية وان لبنان يبدي القلق من استمرار وجود النازحين السوريين في ظل غياب قدرة لبنان على التحمل.
ولاحظت المصادر أن تصريح المنسقة الخاصة للأمم المتحدة بعد لقائها الرئيس عون تضمن موقفا مستجداً لاسيما في رفض التوطين والحديث عن الوجود المؤقت للنازحين، وكل ذلك يدل على أن الأمور تعود إلى السير في مسارها الصحيح.
وعلم أن اللقاء بين عون والوزير الرياشي تناول الملف الحكومي والملاحظ أن الرياشي يعمل على تقريب وجهات النظر بين القوات والتيار الوطني الحر.
باسيل في جنيف
في هذا الوقت، أجرى وزير الخارجية في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل، سلسلة محادثات في جنيف، شملت المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، والمبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا تناولت بصورة محددة موضوع النازحين السوريين، في ضوء الأزمة الحاصلة مع المفوضية الدولية.
وأكّد باسيل، بعد هذه الجولة من المحادثات، ان وجوده في مقر المفوضية في جنيف هو لإيصال رسالة مباشرة الى المفوض العام غراندي، وهي اننا لا نبحث عن مشاكل مع المفوضية أو مع المجتمع الدولي، بل اننا نريد حلاً لازمة لم يعد لبنان يحتملها لأن اقتصاده سينهار بوجود مليوني نازح ولاجيء على أرضه، لافتاً إلى ان السياسة المعلنة والواردة على موقع المفوضية هي بكل بساطة منع العودة المبكرة، وهي سياسة مرفوضة.
وقال انه شرح لغراندي الإجراءات التي تقوم بها المفوضية على الأرض والتي تؤدي إلى اخافتهم من العودة، وان المفوض السامي وعد بأنه سيتحقق منها، وابلغنا عدم قبوله ان تحصل الأمور بهذا الشكل، وهذا أوّل أمر إيجابي وعد بمتابعته.
وأوضح انه أبلغ غراندي ايضا عن استعداده لرفع الإجراءات التي اتخذت بحق المفوضية إذا رأى تغييراً في السياسة المعتمدة، كما انه ستعد لزيادتها في حال عدم حصول تغيير، ناصحاً بعدم المراهنة على وجود خلاف بين اللبنانيين لأن الجميع يجمع على عودة النازحين إلى سوريا خاصة ونحن مقبلون على مرحلة جديدة حيث تصبح سوريا آمنة أكثر وتصبح معها عودة السوريين ممكنة أكثر.
وأشار، رداً على سؤال عن اجتماعه بـ«دي ميستورا»، إلى ان المبعوث الدولي كان أوّل من تحدث عن تخفيف الاحتقان في مناطق معينة، وتأمين العودة لها، وهو اليوم يتحدث عن إعادة الاعمار في سوريا، وهذا ما يتجاهله المجتمع الدولي، وهو يعرف ان عودة النازحين إلى سوريا باتت ممكنة أكثر فأكثر.
وقال: «انه طلب منه المساعدة في هذا الموضوع، خاصة وان هذه العودة تسرّع الحل السياسي للأزمة والمصالحة بين السوريين وإعادة الاعمار».