لم يسجّل أمس أيّ تطور ملموس على جبهة تأليف الحكومة لوجود الحريري في الخارج، على رغم انشغال كل الاوساط السياسية بأفكار ومعلومات حول التشكيلة الوزارية العتيدة، أو حول ما يمكن أن تكون عليه، وذلك في ضوء التصور الذي وضعه الرئيس المكلف قبَيل سفره بين يدي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
لكن مصادر نيابية بارزة إستغربت الكلام الذي يطلقه البعض عن «مساعٍ جدية وناشطة» تجري لتذليل العقبات التي تعترض ولادة الحكومة، وقالت انّ الحريري لم يقدّم بعد تشكيلة وزارية واضحة وجدية من الحقائب والأسماء مشفوعة بتوزيعة محددة على القوى التي سيتم إشراكها في الحكومة. وقالت لـ«الجمهورية»: «بكل صراحة ووضوح لم يظهر رسمياً بعد وجود عُقد لأنه لم تطرح تشكيلة وزارية جدية بعد، وكل ما يصدر من هنا او هناك هو عبارة عن مواقف ـ شروط يطرحها الطامحون الى المشاركة في الحكومة بغية الحصول على الحصة الوزارية التي يطمحون إليها عدداً ونوعيّة حقائب».
وتخوّفت هذه المصادر من أنه في حال ستؤلّف الحكومة من الآن وحتى نهاية الشهر الجاري، فإنّ ولادتها ستتأخر طويلاً لأنّ التدخلات والعقبات ستتكاثر في طريقها داخلياً، وربما خارجياً، فضلاً عن تعاظم الخلافات داخلياً حول ملفات خلافية جديدة يمكن ان تظهر بعد مرسومي التجنيس والقناصل اللذين لم ينته الخلاف حولهما فصولاً بعد.
بري
ولوحظ أمس دخول رئيس مجلس النواب نبيه بري فترة من الصمت حول موضوع تأليف الحكومة، ولكنه بَدا امام زوّاره مستاء من التأخير، خصوصاً انّ الجميع يستعجلون ولادة الحكومة. ونقل البعض عنه تخوّفه من انّ تأخر إنجاز الاستحقاق الحكومي نتيجة ما بدأ يظهر من تطورات داخلية وخارجية لا يبعث على الارتياح.
«كلام بكلام»
وقالت مصادر مشاركة في الاتصالات لـ«الجمهورية» انّ «كل ما طُرح حتى الآن من حلول لتذليل العراقيل التي تعترض تأليف الحكومة، ولإنهاء أزمة مرسومي التجنيس والقناصل لم يرقَ الى مستوى الترجمة العملية بعد، وما زال «كلاماً بكلام». وأكدت هذه المصادر «انّ وزير المال علي حسن خليل سيبعث بعد عطلة العيد برسائل الى الدول المعنية بالقناصل الواردة أسماؤهم في المرسوم الخاص بهم، معتبراً انّ تعيينهم غير قانوني، وذلك في حال لم يرسل وزير الخارجية جبران باسيل اليه هذا المرسوم ليوقّعه خلال اليومين المقبلين، وذلك تنفيذاً لما اتفق عليه من حل لهذا الامر خلال الاتصالات التي جرت خلال الايام القليلة المنصرمة.
النازحون
وفي حين لم يهلّ هلال تشكيلة الحريري الحكومية بعد، وفيما اجتمع ملوك الأمم ورؤساؤها وحكامها أمس في موسكو لمشاهدة افتتاح «لعبة الفقراء»، يمرّ عيدٌ آخر على السوريين وهُم يعانون الوجع والتشرد والتفتت داخل سوريا وخارجها.
وفيما حضن لبنان النازحين السوريين على رغم ضيق مساحته وإمكانياته، يبدو أنّ الأرقام الاقتصادية المُخيفة حول نتائج النزوح اليه تفرض نفسها في هذا الملف، فيصرّ المسؤولون وعلى رأسهم رئيس الجمهورية على المجتمع الدولي للعمل الجدي والعملي لبدء عملية عودة هؤلاء النازحين إلى بلدهم، خصوصاً بعد توافر مساحات كبيرة آمنة في سوريا.
وفي هذا الاطار أبلغ عون إلى ممثلي «مجموعة الدعم الدولية للبنان»، الذين التقاهم أمس، انّ «عودة النازحين السوريين الى بلادهم لا يمكن ان تنتظر الحل السياسي للأزمة السورية والذي قد يتطلب وقتاً، وانّ إمكانات لبنان لم تعد تسمح ببقائهم على ارضه الى أجل غير محدد، نظراً لِما سبّبه ذلك من تداعيات سلبية على مختلف الصعد لا سيما الوضع الاقتصادي، حيث تجاوزت الخسائر التي لحقت بلبنان ما يقارب عشرة مليارات دولار اميركي». وأضاف: «اننا أوفياء للالتزامات التي قدمناها للنازحين السوريين، وما نطالب به هو البدء بعمليات العودة، ليس لأن لا ارادة لنا على استمرار استقبالهم، بل لأنّ قدراتنا لم تعد تسمح بذلك». وأكّد أنّ «لبنان َوفي لالتزاماته تجاه الامم المتحدة والدول الصديقة، وحريص على المحافظة على هذه العلاقات المتينة، خصوصاً مع الدول التي تساعده».
وعلى خط أزمة النزوح نفسه، أوضح الوزير جبران باسيل انّ وجوده في مقر المفوضية العليا للاجئين في جنيف، كوزير لخارجية لبنان، هو لإيصال رسالة مباشرة الى المفوض العام، وهي «اننا لا نبحث عن مشكلات مع المفوضية العليا للاجئين او مع المجتمع الدولي، بل اننا نريد حلاً لأزمة لم يعد لبنان يحتمّلها، لأنّ اقتصاده سينهار بوجود مليوني نازح ولاجىء على ارضه، إذ إنّ السياسة المعلنة والواردة على موقع المفوضية بكل بساطة هي منع العودة المبكرة، وهي سياسة مرفوضة».
وأبلغ باسيل إلى المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، خلال اللقاء الذي عُقد بينهما أمس في جنيف، استعداده لرفع إجراءات الخارجية الاولية التي اتخذت بحق المفوضية اذا رأى تغيّراً في السياسة المعتمدة، كما انه مستعد لزيادتها في حال عدم حصول تَغيّر.
من جهته، أكّد رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع لممثلة المفوضية العليا للاجئين في لبنان ميراي جيرار، خلال لقائهما في معراب أمس، أنه يدعم موقف عون في ما يتعلّق بضرورة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم في أقرب وقت ممكن، وعدم انتظار الحل السياسي للأزمة في سوريا والذي من الممكن أن يتأخر.
وردّت جيرار، قائلة: «هذا قرار سيادي لبناني، والمفوضيّة تعنى فقط بالجانب الإنساني من الأزمة».
وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ الهدف الأساس من هذا اللقاء، هو الإبلاغ الى جيرار موقف «القوات»، وهو حرصها على مسألتين أساسيتين:
ـ الأولى، أن تظهر أنّ موقف لبنان الرسمي هو موقف موحّد، وأن «القوات» حريصة على أن تُظهر أنّ موقفها يتطابق مع موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لجهة عودة النازحين. وتبلّغت جيرار رسمياً أنه يجب على مفوضية اللاجئين التناغم مع موقف رئيس الدولة في لبنان.
- الثانية، إطلاع جيرار على تصوّر «القوات» إزاء قضية النازحين، وهو أنّ عودتهم النازحين قرار سيادي لبناني، وعلى المنظمات الدولية أن تتعاون مع لبنان من أجل إعادة النازحين، وعلى المجتمع الدولي أن يأخذ في الاعتبار أنّ هذه المسألة أصبحت تُشكّل هماً وقلقاً لبنانياً، كذلك تُشكّل نوعاً من أزمة لبنانية داخلية انطلاقاً من عوامل واعتبارات عدة، أبرزها اقتصادية. لذلك يجب على المجتمع الدولي الحريص على الاستقرار والتوازن في لبنان، أن يدفع في اتجاه تنفيذ هذه السياسة اللبنانية.
وأوضحت هذه المصادر أنّ «القوات» حريصة على أبعاد ثلاثة في هذه المسألة:
- البعد الأول سيادي، فعلى المجتمع الدولي أن يَعي أنّ انهيار لبنان سيؤدي إلى نزوح لبناني إلى جانب النزوح السوري.
- البعد الثاني دولي، فلبنان جزء من الشرعية الدولية، وحريص على أن يكون المجتمع الدولي الداعم والمظلة له في أكثر من ملف اقتصادي وسياسي وأمني سَند له في موضوع النزوح لا العكس.
- البعد الثالث إنساني، فلا يجب أن ندفع بالنازح السوري إلى الموت إذا عاد إلى بلده، لذلك تطرح «القوات» العودة الفورية للنازحين الموالين للنظام، وعلى المجتمع الدولي أن يساهم في نقل المعارضين منهم إلى دولة ثالثة، أو إلى المناطق الآمنة في سوريا.
وأشارت المصادر نفسها إلى أنّ جعجع شدّد في لقائه جيرار، على عنوان واحد وأساسي، وهو أنّ لبنان لم يعد يتحمّل اقتصادياً أعباء هذا النزوح. وبالتالي، على المجتمع الدولي أن يسارع لإعادة النازحين إلى بلادهم. ولفت إلى أنّ جيرار أكّدت أنّ المفوضية معنية بتنفيذ القرار السيادي اللبناني، وأنّ عملها إنساني ولا خلفيات سياسية له. وبدوره، جعجع شدد على البعد الانساني لقضية النازحين، منبّهاً الى أنّ العبء أصبح كبيراً إلى حد لم يعد في استطاعة لبنان تحمّله.
ورأت مصادر «القوات» أنّ هذا الملف «يتطلّب مزاوجة بين الحزم والحكمة، فالحزم بمفرده قد يؤدي الى تفجير هذا الملف بين أيدينا».
بين «التيار» و«القوات»
وعلى صعيد التوتر الأخير الذي شهدته العلاقة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات»، ورَد جعجع على باسيل، الذي صعّد هجومه على الوزراء «القواتيين»، مركّزاً على وزارة الشؤون الاجتماعية التي يتولّاها الوزير بيار بو عاصي، برزت زيارة الوزير ملحم الرياشي لعون أمس.
وكشفت مصادر «القوات» أنّ الهدف من هذه الزيارة هو الإبلاغ إلى رئيس الجمهورية أنّ «القوات» تؤيّد موقفه في موضوع النازحين، إضافةً إلى تأكيد حرصها على المصالحة المسيحية. وقال الرياشي لعون: «نحن سعينا إلى المصالحة من أجل المحافظة على الوجود، وليس من أجل أن نخسر ما هو موجود».
ونقلت المصادر عن عون «حرصه»على المصالحة وعلى «تفاهم معراب»، وأنه أكّد «عدم رضاه» عن هذه الأجواء. وأشارت إلى أنّ «القوات» تبحث مع رئيس الجمهورية في إرساء هدنة بين «التيار» و«القوات» إلى حين إعادة إحياء التفاهم بينهما. ولفتت إلى «أنّ باسيل هو من يَفتعل الاشتباك، وأنّ «القوات» تَردّ لتبديد أي التباس في أذهان الناس، ولتوضح أهداف أي هجوم تضليلي».