عام 1964 وكنت لم أتجاوز الثلاثة عشر عاما تعرفت من خلال النشاط المدرسي على مجموعة تلامذة كانوا شكلوا بمبادرة ذاتية "فريقا" للعب كرة القدم مع "فرق" شبيهة في مدارس أخرى. كان التعرف إليهم بمناسبة "إعجابهم" بأدائي كحارس مرمى في مباراة كانت تجري حبيا على ملعب عام مجاور لمدرستي. لقد تمكنت من منع تسجيل أي هدف في مرماي.. وقرروا الطلب مني أن أنضم إليهم فوافقت. هكذا اشتركتُ في المباراة الأولى معهم على ملعب بعيد ضد مجموعة مدرسية أخرى وكلنا تلامذة مرحلة متوسطة. في هذه المباراة "التاريخية" كان مهاجمو الفريق المنافس قد نجحوا حتى منتصف الشوط الثاني في تسجيل 12 هدفاً في مرماي! ولذلك قررتُ وأنا ألاحظ النظرات التي تقدح شرراً من مشجعي فريقي والتي كانت تتجه نحوي، أن أتسلّل من المباراة قبل أن تنتهي لأتلافى احتمال التعرض للضرب من قبل بعض غاضبي "فريقي" وهربتُ تاركا المرمى بلا حارس. لقد بقيت أسابيع أتلافى المرور قرب ذلك الملعب.
هذا أبرز ما في "تاريخي" الكروي الذي غادرته منذ ذلك الحين كلاعب لأتحول إلى متابع هاوٍ لمباريات كرة القدم العالمية وخصوصا كمئات الملايين لمباريات كأس العالم باستثناء مرة وحيدة عدت فيها إلى اللعب مع بعض صحبة الجامعة خلال رحلة إلى سهل عدلون على شاطئ الجنوب قبل أن تأخذ بالتهامه تدريجيا المصالح الخاصة والمشاريع الوقحة عليه ناهيك بثقافة الباطون التي تلتهم محيطه وتاريخه البيئي والحضاري.
هذا هو ماضيَّ الكروي الذي استبدلت كرة القدم فيه بلعب البليار الكلاسيكي(الثلاث كرات). ولولا ذلك وبعض رياضة قيادة الدراجات الهوائية ( وبعض السباحة)، وكلها متقطِّعة، لكنتُ بلا حاضر رياضي.
هكذا أَستقبل كأس العالم في موسكو هذا العام كما استقبلته منذ سنين طويلة بعواطف برازيلية جارفة وانشداد انكليزي وإعجاب ألماني. مع حرج في ضرورة الوفاء لفرنسا التي تحتضن بنتين من بناتي الثلاث كمواطنتين كاملتي الحقوق، كذلك الامتنان نفسه لأستراليا التي تحتضن الثالثة.
طبعا انضمام مصر بصورة خاصة، وبعض الدول العربية والمسلمة، يجعلني سعيدا وقلقا هذه المرة. مصر بنظري كانت دائما برازيل العرب بمعنى أن ظاهرة العبادة الشعبية فيها لكرة القدم وما تحتله في حياتها العامة والخاصة كانت تجعلها دائما برازيل العرب ولكني كنت أسأل نفسي ما السبب في أن هذا الشغف في الحياة الوطنية المصرية بكرة القدم لم يُترجم بما يستحقه من رتبة دولية على غرار مستوى اللاعب - الظاهرة محمد صلاح أو بعض انتصارات الفرق المصرية على المستوى القاري الإفريقي؟
الجواب طبعا على هذا السؤال ليس رياضيا هنا، بل هو سياسي وبنيوي يتعلق بنقص إمكانات مصر التنموية كدولة وكمجتمع. من حسن الحظ هذا العام لدى مصر فرصة تليق بها مهما كانت نتائجها مثلما أرجو بحرارة وقلق أن تليق بأي دولة عربية ومسلمة وعالمْ ثالثية. لكن مصر قضية رياضية لا تنفصل عن كل مشاكل موقعها ومعضلاته الثقافية والاقتصادية والسياسية بل الحضارية.
أعود إلى "عصبيتي" البرازيلية.
باختصار يأتي هذا المونديال وأنا لا زلت أشعر بخسارة البرازيل أمام ألمانيا ( 7-1) في المونديال السابق كإهانة كاملة وليس كمجرد خسارة تثير الأسى. لا زلت أسأل كيف يمكن أن تحدث هكذا خسارة تليق بفريق من الدرجة الرابعة وليس بالبرازيل. هل يمكن البرازيل أن تقوم بعد من هذه الخسارة الفضيحة؟ (ليست بعيدة كثيرا عن خسارتي في صباي!)
أسئلتي هنا ليست تقنية، فمعلوماتي محدودة جدا على هذا الصعيد، وإنما في بنية البرازيل كبلد، وهو على أي حال نمر اقتصادي صاعد في أميركا الجنوبية؟ شعرت يومها أن هذا لم يكن انهيار فريق وإنما انهيار بلد بكامله بعكس ما حدث في أحد المونديالات للفريق الفرنسي الذي انهار كفريق (زعران يومها) وليس كبلد.
هيا أيها الصفر الخضر الأنيقون هذا العام لتثبتوا أن ذلك كان الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.
أما الإنكليز، حيرتي الدائمة بين أسلوب لعبهم الرائع، وهم مخترعو اللعبة، وبين حماقاتهم المدهشة، فلننتظر!
أخيرا هؤلاء السوبرمان الألمان بشر أم أجهزة؟
وكل التمني اليوم بالتوفيق للفريق السعودي.