قدم الحزب التقدمي الاشتراكي طعنا بمرسوم التجنيس لدى مجلس شورى الدولة، طالباً وقف تنفيذ المرسوم، عملاً بأحكام المادة 77 من قانون نظام مجلس شورى الدولة وقبل أن يشكل هذا المرسوم حقاً مكتسباً لأي من أفراده.

“الأنباء” حصلت على نسخة من الطعن الذي قدمه المحامي نشأت الحسنية الى المجلس بوكالته عن النواب بلال عبدالله وهادي ابو الحسن وفيصل الصايغ.

وفي ما يلي نص الطعن:

"جانب مجلس شورى الدولة الموقرة

مراجعة إبطال مع طلب وقف تنفيذ

المستدعون:

النواب السادة:

بلال عبدالله.

هادي أبوالحسن.

فيصل الصايغ.

(وكيلهم المحامي نشأت الحسنيّة، بموجب سند توكيل مرفق صورة عنه ربطاً مستند رقم 1).

المستدعى ضدها: الدولة اللبنانية (فخامة رئيس الجمهورية، دولة رئيس مجلس الوزراء، معالي وزير الداخلية والبلديات) الممثلة بشخص رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل.

القرار الإداري والمطلوب إبطاله: المرسوم رقم 2942 تاريخ 11/5/2018 القاضي بمنح الجنسية اللبنانية وقبول تجنس الأشخاص المذكورة أسماؤهم في المرسوم المطلوب إبطاله, بالجنسية اللبنانية.

(صورة عن المرسوم كما جرى نشره على الصفحة الخاصة بوزارة الداخلية والبلديات مرفقة ربطاً مستند رقم 2).

تاريخ النشر: لم ينشر المرسوم في الجريدة الرسمية، كما لم تسلم الجهة المستدعية صورة طبق الأصل عن المرسوم رغم تقدمها بطلب رسمي إلى وزارة الداخلية والبلديات صاحبة الإختصاص.

(صورة عن الطلب المقدم إلى وزارة الداخلية مرفق ربطاً مستند رقم 3).

(صورة عن إيصال بإستلام الطلب من وزارة الداخلية مرفق ربطاً مستند رقم 4).

-2-

أولاً : فـي الوقائــــــع :

بتاريخ 11/5/2018 صدر عن فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس الوزراء ومعالي وزير الداخلية والبلديات, المرسوم رقم 2942, والذي قضى بمنح وإعطاء الجنسية اللبنانية لأكثر من أربعماية شخص من جنسيات مختلفة عربية وأجنبية بينهم فلسطينيون وسوريون, وقد تبين أن هذا المرسوم (الذي صدر وجرى التكتم عليه وأخذت الأوساط السياسية ومنهم وزراء في الحكومة ونواب, علماً به, من خلال تسريبات صحفية) والذي لم ينشر في الجريدة الرسمية ولم يعلن عنه رسمياً في باديء الأمر بل جرى نشره بعد فترة طويلة من صدوره إنشغل فيها الرأي العام بهذا المرسوم الذي أجمع اللبنانيون أنه أقل ما يقال فيه أنه مرسوم غريب عجيب, حيث إضطرت وزارة الداخلية وبعد مطالبات عديدة من جهات رسمية ومجتمع مدني ورأي عام ضاغط خضعت الإدارة نتيجتها وفقاً لتصريح معالي وزير الداخلية “أن موضوع الإطلاع على المرسوم بات مسألة رأي عام” ولذلك نشر على موقع وزارة الداخلية الإلكتروني إلاّ أن الوزارة لم تسلم أي من الأشخاص والهيئات والمراجع صورة طبق الأصل عنه الأمر الذي أكد الشكوك المثارة حوله بحيث أجمع المراقبون في تعليقاتهم حول المرسوم على أنه هرب “تهريب في ليلة ظلماء” وأن ورائه مصالح سياسية ومالية كون من شملهم المرسوم لا علاقة لهم بالوطن لبنان ولم يقدموا له أي خدمات أو لهم فيه أصول لبنانية بل جلّ ما في الأمر أنهم من أصحاب النفوذ والمصالح المالية.

إن ما يعزز الشكوك والريبة إضافة للعيوب التي شابت هذا المرسوم, توقيعه بعد الإنتخابات النيابية مباشرة وتسريب صدوره بعد وقت من توقيفه بشكل خفي وسري دون عرضه أو إعلام الوزراء به, في مرحلة البحث بتشكيل حكومة جديدة بعد إعتبار أن الحكومة الحالية دخلت في تصريف الأعمال الفعلية والواقعية التي هي أقوى من مرحلة تصريف الأعمال كما ينص عليها الدستور وكان ذلك في مرحلة دخول الحكومة في تصريف الأعمال دستورياً بعد إنتهاء ولاية المجلس النيابي القديم, على أثر الإنتخابات النيابية الأخيرة, وإعتبار الحكومة بفعل الدستور مستقيلة.

وأن المرسوم المطعون فيه بظروف إنشائه وتوقيفه وصدوره لم يعرض بطبيعة الحال على مجلس الوزراء المناط به السلطة الإجرائية بعد التعديل الدستوري الذي طال صلاحيات رئيس الجمهورية بعد إتفاق الطائف, ويمكن لهذا السبب أي لفقدان المرسوم لأسبابه وموجباته القانونية ومبرراته الفعلية التي تستوجب منح الأشخاص الوارد ذكرهم في المرسوم الجنسية اللبنانية لم يتم نشر المرسوم وأن قدمت لعدم النشر أسباباً قانونية سنثبت عدم صحتها.

-3-

كما أن المرسوم خلا من أسبابه الموجبة ولم ينشر في الجريدة الرسمية رغم إلزامية تعليله وأسبابه الموجبة ونشره وفقاً لقانون الحق بالوصول إلى المعلومات الذي ألزم الإدارة نشر كل المراسيم التنظيمية والفردية مع أسبابها الموجبة تحت طائلة الإبطال كما نص القانون أعلاه.

كما تناول المرسوم منح الجنسية اللبنانية لأشخاص فلسطينيين خلافاً لأحكام الدستور وأشخاص متمولين وأصحاب نفوذ ويشكلون عطاءً مالياً لأعضاء السلطة الحاكمة في سوريا الموضوعين على لائحة الإهاب الدولي في الوقت الذي توقف البحث في قانون الجنسية لأسباب أعلنها أصحاب الموقف الرافض أولها الخوف من التوطين وما يسبب ذلك من خلل في التوازنات الطائفية التي تتناقض ومقدمة الدستور وميثاقية العيش المشترك, ليتبين أن الجهة الرافضة لإقرار قانون جديد للجنسية تحت تلك المسميات هي من قامت بتجنيس فلسطينيين وسوريين وأجانب غير معروفة سيرتهم وأعمالهم وثروتهم مشكوك بقانونيتها.

وهذا ما دفع مجلس شورى الدولة على قاعدة عدم مراعاة المصلحة الوطنية والتمهيد للتوطين المرفوض دستورياً وعدم المساواة بين المواطنين والنقص الحاصل في التحقيقات إلى إعادة النظر بمرسوم التجنيس الحاصل عام 1994 على المراجعة المقدمة من الرابطة المارونية ضد الدولة اللبنانية.

إن المستدعين ومن موقعهم الوطني يدركون أهمية الجنسية في الحياة الوطنية والتي تشكل وفقاً للفقه والإجتهاد الذي أرساه رجال قانون كبار “رابطة بين الشخص والدولة” والتي “هي رابطة من نوع “الوطنية الفعلية” التي تنبع أصلاً من وحدة الشعور الوطني الذي يفتخر أبناء الوطن الواحد أو على الأقل عن تقارب مثل هذا الشعور” والتي ” هي بالتالي رابطة سياسية, قانونية”.

كما يعايش أي أفراد الجهة المستدعية, معاناة الآلاف من الأشخاص الذين ولدوا في لبنان وعاشوا على أرضه وإنتموا إليه وتعززت لديهم الروابط بهذا الأرض وبأبناء الوطن ولم يستطيعوا الحصول على جنسيته رغم توافر الشروط القانونية لذلك, إضافة لمواطنات لبنانيات الأصل تزوجوا من عرب وأجانب وهم وأولادهم مقيمون منذ طفولتهم في لبنان لم يستطيعوا منح جنسيتهم لأولادهم في الوقت الذي يحصل أشخاص لا علاقة لهم بالوطن ولم يعيشوا ولم يقدموا له خدمات تذكر على الجنسية اللبنانية دون أن تعرف المعايير والأسباب الموجبة التي أملت منح هؤلاء الجنسية اللبنانية والتي يتوقف عليها دون سواها إصدار متل تلك المراسيم بحيث خلى المرسوم من أي معيار وأي مبرر قانوني أو واقعي لمنح الجنسية الأمر الذي جعل من هذا المرسوم مشوب بعيوب كثيرة جعلت منه مسألة قانونية ومسألة رأي

-4-

عام ومسألة حقوق حيث هناك الآلاف من المستحقين للجنسية اللبنانية لم يرد ذكرهم في المرسوم كأبناء وادي خالد والقرى السبعة وأولاد الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي فجاء المرسوم ليؤكد فقدان الشروط الموضوعية وإلزامية وإنعدام الشفافية في الإدارة وأن الوصول إلى الحقوق والخدمات ليست قائمة على أساسا الحق بل على قاعدة قرب هذا الشخص من الزعماء والمسؤولين السياسيين في الوقت الذي يجب أن تكون الإدارة وقراراتها هي لرفع الظلم والغبن لا لزيادته وتهميش فئات واسعة من المواطنين المستحقين للجنسية ومن المفيد الإشارة لتأكيد هشاشة وعدم مراعاة هذا المرسوم للقانون وإفتقاده لحيثياته وركائزه وأسبابه الموجبة إلى الآتي :

– طلب فخامة رئيس الجمهورية ممن لديه معلومات مفيدة حول الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في المرسوم الإبلاغ عنها, وكان ذلك بعد صدور المرسوم وقبل نشره في حين كان يتوجب إجراء مثل هذا الأمر قبل صدوره.

– إستدعاء فخامة رئيس الجمهورية لمدير عام الأمن العام وتكليفه إجراء تحقيق أمني يتناول الأشخاص المشمولين بالمرسوم, وذلك أيضاً بعد التوقيع على المرسوم, في حين أن القانون ألزم إجراء مثل هذا التحقيق قبل صدور المرسوم, إذ أن هذه التحقيقات هي ركن أساسي من ركائز صحة المرسوم وقانونيته.

– تصريح معالي وزير الداخلية لتبريره حجب المرسوم وعدم نشره أن هناك تعديلات ستطرأ على الأسماء الذين شملهم المرسوم وكان هذا بعد التوقيع على المرسوم بحيث جرى فعلاً إستبدال وإلغاء أسماء من المرسوم وهذا يؤكد أن المرسوم برمته باطل لعدم وجود ما يبرر منح هؤلاء الجنسية اللبنانية سوى مصالح مالية وسياسية على ما يبدو.

وآخرتلك المؤشرات على هشاشة المرسوم موقف غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي أكد أن المرسوم الذي صدر على “حين غفلة وبأسماء مشبوهة لا تشرف الجنسية اللبنانية”.

أن كل ذلك إن دلّ على شيء فهو يدل على العيوب الكبيرة التي شابت المرسوم ومخالفته للقواعد الدستورية والقانون والأعراف والذي يقتضي معه إبطال هذا المرسوم برمته بعد أخذ القرار بوقف تنفيذه.

-5-

ثانياً : فـي القانــــــون :

في طلب وقف التنفيذ:

أن المراجعة الحاضرة تستند إلى أسباب جدية مهمة, كما سنبين لاحقاً.

كما أن المرسوم المطعون فيه المطلوب إبطاله يلحق بالمصلحة الوطنية العليا للدولة السياسية والديمغرافية والمادية والإجتماعية ضرراً فادحاً ويمس المفاهيم الوطنية والمباديء الدستورية والقانونية الأمر الذي يستدعي أخذ القرار في غرفة المذاكرة بوقف تنفيذ المرسوم موضوع المراجعة وقبل أن يصبح للأشخاص الوارد ذكرهم أي حق مكتسب وذلك لحين البت بالأساس وإبطال المرسوم.

2- في أن للمستدعين الصفة المشروعة والمصلحة الثابتة للطعن في المرسوم المطلوب إبطاله

باديء ذي بدء لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم ” الصفة والمصلحة للطعن بالقرارات الإدارية ليست مفهوماً جامداً وقاعدة صارمة وإن صار إجتهاد مجلس شورى الدولة على تكريس قاعدة عدم جعل مراجعة الإبطال مراجعة شعبية يقيمها من يشاء, بل إشترط أن يكون لمقدم المراجعة مصلحة شخصية ومشروعة ومباشرة لإبطال القرار المطعون فيه بمعنى أن يكون القرار الإداري يمس مباشرة وبصورة أكيدة الوضع القانوني لمقدم المراجعة.

إن هذا المفهوم ووفقاً لإجتهاد مجلس شورى الدولة يمكن له أن يتوسع وفقاً للموضوع الذي تتناوله مراجعة الإبطال وأهميته وما تمكن أن ينتج عنه من ضرر وبالتالي فإن المراجعة الحاضرة تتوافر فيها الصفة لمقدمها سواء لناحية تضيف مفهوم الصفة والمصلحة او التوسع في تفسيرها فهي المقدمة من نواب يمثلون كتلة نيابية وازنة, ومن موقعهم كونهم يمثلون الأمة والشعب اللبناني بكل فئاته عملاً بأحكام المادة 27 من الدستور التي تنص علل أن ” عضو مجلس النواب جمعاء ولا يجوز أن تربط وكالته بقيد أو شرط” فالنائب إضافة إلى دوره التشريعي ومراقبة أعمال السلطة الإجرائية ومدى ملائمتها للدستور والقوانين والأنظمة والتدخل لتصحيح أي خلل او إساءة لإستعمال السلطة من قبل السلطة الإجرائية وأجهزتها والحرص على تأمين مصالح الدولة العليا ومصالح المواطنين اللبنانيين عليه وبوكالته عن عموم المواطنين, أن يتقدم بأي مراجعة تحفظ حقوقهم م ومصالحهم.

وعند وجود مصلحة جماعية كمصلحة وطنية جامعة فقد إستقر العلم والإجتهاد وعلى إعتبار أن للهيئات والأفراد وخاصة في الموضوع الذي يتعلق بالمرسوم المطعون فيه مصلحة وصفة للطعن في الأعمال الإدارية, تنظيمية كانت أو فردية, عندما ترمي من خلال تلك المراجعة للدفاع عن المصالح التي أوكل إليها الشعب اللبناني بموجب الدستور والقوانين إلى النائب الدفاع عنها, فالنائب الذي يحمل

-6-

توكيلاً عاماً غير مشروط وغير مقيد من أفراد الشعب اللبناني للدفاع عن مصالحه وحقوقه له الصفة والمصلحة للطعن في هذا المرسوم إذ من بين أفراد الشعب اللبناني هناك العديد منهم له مصلحة شخصية ومشروعة ومباشرة لإبطال القرار المطعون فيه هذا لمس بصورة مباشرة وأكيدة الوضع القانوني لأشخاص يمثلهم النائب ومنهم الجهة المستدعية حيث من النائب إذ من بين من يمثلهم أشخاصاً كثر أصابهم هذا المرسوم بضرر بالغ أكيد وثابت ومن هذا الموقع الصفة والمصلحة تقدمت الجهة المستدعية بطلب المراجعة الحاضرة.

وهذا الأمر متفق عليه أيضاً سواء كانت المصلحة مادية أو معنوية.

فعليه

تكون الجهة المستدعية ذات صفة ومصلحة للطعن في المرسوم موضوع هذه المراجعة التي يقتضي قبولها لهذه الجهة.

3– في ان المرسوم المطعون فيه خاضع لرقابة مجلس شورى الدولة:

إن إجتهاد مجلس شورى الدولة مستقر على إعتبار أن شرعية المراسيم التي تجيز أو ترفض أو تسحب التجنيس المعطى لأي شخص تحضع لرقابة القضاء الإداري.

وقد أكدت قرارات مجلس شورى الدولة العديدة في هذا المجال سواء في لبنان أو في فرنسا تؤكد هذا الرأي, كما أن الفقه يجمع أيضاً على هذا الأمر.

فعليه

تكون المراجعة مقبولة شكلاً كون الإختصاص للطعن بهذا المرسوم من صلاحية مجلسكم الكريم الأمر الذي يستوجب قبول المراجعة لهذه الجهة أيضاً.

4– في الشكل:

بما أن المرسوم المطعون فيه لم ينشر في الجريدة الرسمية فتكون المهلة مفتوحة للطعن به.

وبما أن وزارة الداخلية التي تقدم لها طلب خطي سجل أصولاً لديها برقم 12969/ودب 2018 للإستحصال على صورة طبق الأصل عن المرسوم ولم تسلم صورة طبق الأصل عنها بل إكتفت بنشر المرسوم على صفحتها الإلكترونية يجعل هذه المراجعة مقبولة شكلاً لو إفتقدت لصورة طبق الأصل عن المرسوم.

وبما أن المراجعة الحاضرة جاءت مستوفية كافة شروطها الشكلية فيقتضي قبولها شكلاً.

-7-

5– في الأساس:

إن المرسوم المطعون فيه مشوب بعيب عدم الإختصاص وفقدان الأساس والعلل القانونية والأسباب الموجبة لصدوره:

جاء في المادة 3 من القرار 15 الصادر في 19/1/1925 المعدل بالقانون الصادر بتاريخ 11/1/1962 أنه:

” يجوز أن يتخذ التابعية اللبنانية بموجب قرار من رئيس الدولة بعد التحقيق وبناء على طلب يقدمه:

الأجنبي الذي يثبت إقامته سحابة خمس سنوات غير منقطعة في لبنان.

الأجنبي الذي يقترن بلبنانية ويثبت أنه أقام مدة سنة في لبنان غير منقطعة منذ إقترانه.

الأجنبي الذي يؤدي للبنان خدمات ذات شأن ويجب أن يكون قبوله بموجب قرار مفصل الأسباب.

وبالفعــــــل

” إن قرار رئيس الدولة بمنحه الجنسية اللبنانية على النحو المعروض والمبين أعلاه في متن المادة 3 المذكورة يعتبر فعلاً إدارياً ) Acte administratife ) نافذاً, شريطة أن يستوفي هذا الفعل الإداري مقومات الشرعية الإدارية كافة وفي طليعتها صدوره عن المرجع المختص قانوناً”.

ومن المتفق عليه أن هذا الفعل الإداري هو الأداة القانونية التي تتم بموجبها ممارسة السلطة الإجرائية في الدولة (Le Pouvoir Executif).

وهكذا, كان يحق لرئيس الدولة – لأنه رئيس السلطة الإجرائية وكان آنذاك قبل التعديل الدستوري عام 1990 ونقل جزء من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء – إتخاذ التدابير المنفرة ذات الطابع التنظيمي سواء كانت أنظمة مستقلة أو ذات طابع فردي, كمرسوم التجنيس, وفق مقتضيات القانون.

لكن هذه السلطة الإجرائية, التي كان رئيس الدولة اللبنانية يتمتع بها منفرداً, قد إنتقلت إلى مجلس الوزراء بموجب أحكام الدستور اللبناني الأخير الصادر في 21 أيلول 1990 عملاً بإتفاق الطائف, وقد نص الدستور المعدل في مادتيه السابعة عشرة والخامسة والستين على ما يلي:

-8-

المادة 17: تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء وهو يتولاها وفقاً لأحكام هذا الدستور.

المادة 65: تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء.

كما أن المادة 102 من القانون الدستوري المذكور نصت:

“ألغيت كل الأحكام الإشتراعية المخالفة لهذا الدستور”.

وقد أكدت على ذلك كل الأراء الدستورية التي أجمعت على أن صلاحيات رئيس الدولة, الإجرائية, إنتقلت إلى مجلس الوزراء بإستثناء ما حدد الدستور لرئيس الجمهورية من صلاحيات حصرية يمكن له ممارستها منفرداً وقد إستندت تلك الأراء إلى روحية ورغبة وإرادة المشترع التي بينتها في محاضر مناقشات الدستور اللبناني وتعديلاته ” الصادرة عن مجلس النواب, المديرية العامة للدراسات والأبحاث, الطبعة الأولى 1993, الصفحات 394,399,و402.

كما أن المواد 51, 52, 53, 54, 55, 56, 57, و 58 من الدستور اللبناني الأخير (21/9/1990) عددت الصلاحيات الحصرية المناطة برئيس الجمهورية والتي لم تتضمن أي إشارة إلى الصلاحية الفردية التي كان رئيس الدولة يتمتع بها سابقاً لناحية منح الجنسية اللبنانية, إذ إنحصرت هذه الصلاحية من ضمن صلاحيات عديدة أخرى بمجلس الوزراء دون سواه.

وعلى فرض أن صلاحية منح الجنسية اللبنانية تعود لرئيس الدولة منفرداً وهي “سلطة إستننسابية” وفقاً للعرف السائد قبل إتفاق الطائف والتعديل الدستوري الحاصل عام 1190, إلاّ أن هذه “السلطة الإستنسابية” ليست مطلقة ومحررة من أي قيد أو شرط بل هي على العكس معلقة على شروط عددتها المادة 3 من القرار 15 الصادر عام 1925 وتعديلاته اللاحقة, إذا إشترطت تحت طائلة المنع أي الإبطال أن يتخذ رئيس الجمهورية مثل هذا القرار دون مراعاة الشروط الواردة في متن المادة 3 وسيتيبين لمجلسكم الكريم بعد ضم الملف الإداري والإطلاع على الملفات الخاصة بكل من شملهم مرسوم منح الجنسية اللبنانية المطعون فيه, والمطلوب وقف تنفيذه, أنه لم تتم أي تحقيقات جدية حول الأشخاص الوارد ذكرهم بالمرسوم ومدى توافر الشروط القانونية لمنحهم الجنسية اللبنانية فأي من هؤلاء لم يثبت إقامته في لبنان ولم يؤدي أي خدمات ذات شأن كما لم يجرٍ أي تحقيق جدي حول هؤلاء الأشخاص الذين تحوم وفقاً لمعلومات أولية متداولة عليهم شبهات قد تعرض المصلحة الوطنية للخطر على ضوء القرارات الدولية المعمول بها لمكافحة تبييض وتهريب الأموال أو أن لهم دوراً معيناً في ما يجري من أحداث سياسية وأمنية على مستوى المنطقة والعالم مما قد يجعل لبنان في مواجهة مع العالم هو

-9-

بغنى عنها وهذا ليس من قبيل التحليل والموقف السياسي الذي قد يقول البعض أنه يخرج عن صلاحية مجلس شورى الدولة بل على العكس فإن مجلس شورى الدولة ومن موقعه كسلطة رقابة شاملة على الأعمال الإدارية التي تصدر عن السلطة الإجرائية من صلاحيته إن لم نقل من واجبه التحقق من مدى ملائمة القرارات الإدارية للمصلحة الوطنية العامة والشاملة.

وعلى كل حال فإن خلو المرسوم من التحقيقات قبل إصداره وهذا أمر بات معلوماً وبخاصة بعد أن إستدعى فخامة الرئيس مدير عام الأمن العام وتكليفه إجراء تحقيق أمني دقيق وشامل خير دليل على عدم وجود تحقيق جدي في الأمر علماً كما أسلفنا الذكر أن التحقيق الأمني الجدي, الموضوعي والمسؤول هذا يجب أن يتم قبل صدور المرسوم فهو مقدمة للموافقة أو عدم الموافقة على منح الجنسية وليس تحقيق لاحق فغاية المشترع من فرضه التحقيقات الوافية قبل منح الجنسية ترمي إلى تلافي الوقوع في أخطاء فادحة كمنح الجنسية اللبنانية للمجرمين سواء كان دولي أو مجلس أو لأشخاص محكومين سابقاً بأحكام شائنة ولو غير قطعية – أو لأشخاص رفض سابقاً طلبهم القضائي- أو لأشخاص يقومون بنشاطات حزبية أو سياسية أو دينية لا تتفق مع سياسة الدولة أو تمس أمنها أو نطامها السياسي أو الإقتصادي أو الإجتماعي.

(يراجع بهذا الشأن: الدكتور سامي عبدالله: الجنسية اللبنانية والأستاذ بدوي أبو ديب: ” الجنسية اللبنانية, 1974).

وكان يمكن, لو جرى التحقيق كما يجب, وثم الأخذ بأراء الوزرات والإدارات المختصة والمعنية, ألا نقع في المحظور إذ بات هذا المرسوم سابقة قد تشكل إنعكاساً خطيراً على مستوى ليس العيش المشترك فحسب بل على مصلحة الدولة العليا, السياسية والإقتصادية والأمنية.

ولذا بحسب ما إستقر عليه الإجتهاد, تعتبر جوهرية كل صيغة كان من الممكن أن تؤدي, فيما لو جرى التقيد بها, إلى تعديل في وجهة نظر الإدارة وإلى صدور قرار إداري مخالف للقرار المشكو منه (أي المرسوم المطعون فيه) من ذلككما نص القانون على التحقيقات والإستشارات المسبقة, بحيث يمكن تلافي أي خطأ أو الوقوع في المحظور نتيجة إغفال تلك الإجراءات الواجب مراعاتها والإلتزام بها قبل صدور مرسوم التجنيس المطعون فيه.

(شورى لبنان 26 أيار 1964, فرحة:م.أ 1964 ص 164… ألخ).

وتعتبر جوهرية أيضاً كل صيغة وضعت لضمان حقوق الأفراد – مثال ذلك: التعليل الذي فرضه النص ( المادة 3 من قانون 15/25 – البند3) – والذي يعتبر من الإجراءات الجوهرية والمقومات الأساسية, بحيث أن إغفاله أو عدم إحترامه من قبل مصدري المرسوم المطعون فيه, يجعل من المرسومهذا الأخير مشوباً بعيب عدم التعليل ومستوجباً الإبطال.

-10-

(شورى لبنان 7 تشرين الثاني 1979, حاتم, قرارات مجلس الشورى 1979, جزء 4, قرار رقم 322..).

وذلك يؤكد ما سبق وأشرنا إليه بعدم وجود سلطة إستنسابية مطلقة في الموضوع وإلا لما كان النص فرض التحقيق المسبق. كما أنه لا يجوز للسلطة الإدارية, تحت ستار ممارسة صلاحياتها الإستنسابية – في حال وجودها – إرتكاب التجاوزات غير المقبولة والدخول في حلقة القرارات أو التدابير التعسفية البعيدة كل البعد عن مقتضيات المصلحة الوطنية العامة. ولذا, فإن القضاء الإداري وسع من مجال رقابته على مثل هذه التدابير فدخل في صلب الملاءمة ليبطلها عنما تكون مشوبة بالخطأ في التقدير, إستناداً إلى صلاحية مجلس شورى الدولة الواسعة كسلطة مراقبة إدارية شاملة.

وعليه يكون المرسوم المطعون فيه باطلاً لهذه الناحية أيضاً.

 إن المرسوم المطعون فيه مشوب بعيب مخالفة القانون:

أن المرسوم المطعون فيه خالف أحكام القانون المتعلق بالحق بالوصول إلى المعلومات النافذ والساري المفعول الذي أكدّ وتحدث عن موجب تعليل القرارات الإدارية التي لم تكن موجودة وملزمة قانوناً قبل صدور القانون إذ ورد فيه ” على الإدارة أن تعلل قرارات إدارية غير تنظيمية تحت طائلة الإبطال وسوف يتأكد لمجلسكم الكريم أن المرسوم المطعون فيه جاء خالياً من أي تعليل خلافاً للأحكام القانونية الملزمة الأمر الذي يستوجب إبطاله لهذه الناحية.

الخطأ في الوقائع:

– فالمرسوم المطعون فيه صدر خالياً من أي تعليل كما ذكرنا أعلاه أو أسباب موجبة ومقنعة ومتلائمة مع القانون.

– وهو غير مستند إلى أية واقعة صحيحة من تلك التي فرضها الدستور أو القانون:

فليس ثمة أي توفر للشروط الشخصية أو الموضوعية, التي علق على وجودها منح الجنسية, وعددتها المادة 3 من القانون 15/25 على نحو ما أشرنا سابقاً.

ج- وهناك خطأ في القانون:

– لقد طبقت السلطة الإدارية قانون الجنسية بشكل خاطيء, إذ خالفت أحكامه ( قي ما يتعلق بالطلبات – والإستمارات – والملفات – والتحقيق … ألخ).

-11-

– وكذلك, إنها خالفت أحكام الدستور الصريحة والملزمة, فلم يقترن المرسوم موضوع الطعن بموافقته السلطة الدستورية المختصة, أي مجلس الوزراء.

– وخالفت السلطة الإدارية أيضاً المباديء والأسس القانونية العامة ومنها على الأخص:

مبدأ المساوة بين المواطنين في الحقوق والواجبات:

(أي الأعباء العامة), فعززت فئة على حساب فئة أخرى, وقبلت تجنيس فئة أو مجموعة أشخاص هي لا تستحق ذلك, على حساب فئة طلبت ذلك, وهي تستحق ذلك, مع هذا أهملت طلباتها, دون أي مبرر قانوني يستدعي منح الجنسية.

وهكذا, خلق المرسوم المطعون فيه خللاً جسيماً في التوازن الطائفي المعتمد في التمثيل النيابي والوظائف العامة والتي نصت عليها وثيقة الوفاق الوطني, وفرق بين مواطنين متاويين بالحقوق والواجبات وأعطى إمتيازاً لآخرين على حساب فئة مماثلة تستحق منح الجنسية.

مبدأ وقيم ومفاهيم الحقوق الإنسانية:

لقد خرق الرسوم المباديء الأساسية لحقوق الإنسان والمعاهدات الدولية التي وقع عليها لبنان فأعطى الجنسية للبعض دون أي مبرر وحرم الكثير ممن لا جنسية لهم ويعيشون دون هوية أي شخصة قانونية وهو أحد المباديء التي تضمنتها شريعة حقوق الإنسان إذ منع بقاء أي شخص دون هوية قانونية وشخصية, في حين أن هؤلاء المحرومين من جنسيتهم الوطنية هم لبنانيو الأصل ينتسبون إلى هذا الوطن مقيمون على أرضه من أجيال دون أن تعترف الدولة بحقهم الإنساني في الحصول على جنسيتها.

وهذا ما يناقض مبدأ عدم التقيد بالمعاهدات الدولية التي لها أولوية على المباديء القانونية المقررة بموجب القوانين الوطنية.

ميثاق العيش المشترك:

الذي هو في لبنان, في رأس المباديء العامة, بل هو مبدأ أساسي لا بد من الحفاظ عليه لصون كيان الدولة اللبنانية وجوهر وجودها.

-12-

وفي كل ذلك ما يخالف صراحة أحكام الدستور اللبناني ( البند “ج” من مقدمة الدستور والمادة 7 منه في ما خص مبدأ المساواة, والبند “ي” من المقدمة في ما خص العيش المشترك حيث جاء:

” لا شرعية لأي سلطة (بمعنى آخر لأي تدبير) تناقض ميثاق العيش المشترك”.

يكون المرسوم المطعون فيه وبالتالي باطلاً أيضاً لهذه الجهة.

مخالفة المرسوم لأحكام الدستور لجهة التوطين:
جاء في مقدمة الدستور أن لا فرق للشعب على أساس أي إنتماء كان, أو تجزئة ولا تقسيم ولا توطين.

والدستور الذي منع التوطين بكافة أشكاله سواء بشكل فردي أو جماعي, جاء المرسوم المطعون فيه ليتناقض مع المباديء الدستورية التي هي أسمى من القانون ليفرض توطيناً ليس مقنعاً بل ظاهراً بشكل لا لبس فيه أو غموض.

فالسلطة التي أصدرت المرسوم إعتبرت أن خطر التوطين هو خطر على كيان الدولة ومؤسساتها وبقائها وإستمرارها وعلى التوازن الوطني وميثاق العيش المشترك وحددت أن من أشكال التوطين منح الجنسية اللبنانية لفلسطينيين وسوريين وكلنا يتذكر الحملة التي شنت من قبل فئات سياسية على من طالب وإنسجاماً مع ما تضمنته معاهدة حقوق الإنسان وشرعتها الدوليه بمنح اللاجئين الفلسطينيين الحقوق المدنية الإنسانية وعلى لجوء المواطنين السوريين إلى لبنان هرباً من القتل والإرهاب ليتبين أن المرسوم المطعون فيه شمل منح الجنسية أفراداً من التابعية الفلسطينية والسورية ليس لهم علاقة بلبنان ولم يولدوا ويعيشو فيه بل لأشخاص متمولين يملكون أكثر من جنسية وليسوا بطبيعة الحال بحاجة إلى الجنسية اللبنانية إلاّ لتسيير أعمالهم والتهرب من القوانين الدولية فباتت الجنسية اللبنانية ملجأ لتغطية تجارتهم وهذا ما دفع بأعلى مرجع ديني في الطائفة المارونية الكريمة إلى التصريح بهؤلاء لا يشرفون الجنسية اللبناني.

إن كل ذلك يفرض على مجلسكم الكريم ومن موقعه كضابط لسلامة القرارات الإدارية أن يتطرق إلى عنصر الملاءمة, لا سيما وأن المر يتعلق بمصلحة وطنية عليا هي في طليعة وأساسا كل الحريات الأخرى التي كفلها الدستور والمباديء العامة للقانون, ورقابته هنا لا تقتصر على صحة الوقائع والوصف القانوني المعطى لها, وأنها تتعدى ذلك إلى الملاءمة أيضاً.

وبالرجوع إلى المرسوم المطعون فيه, لا شك أنه مشوب بهذا العيب بإعتبار أنه قضى بتجنيس المئات من الأفراد دون إتباع الأصول المقررة بالموضوع كما جاء أعلاه, وفي ذلك قرينة ثابتة على عدم ممارسة الجهة الإدارية التي أصدرته سلطتها بشكل مقبول بالنسبة لكل طلب جنسية على إنفراد, وهذا ما يدينه الإجتهاد بالضبط ويقتضي معه إبطال المرسوم المطعون فيه.

-13-

إن المرسوم المطعون فيه, بمنحه الأشخاص بشكل جماعي الجنسية اللبنانية دفعة واحدة (en bloc) خلافاً للقانون وللعادة والعرف والأصول العريقة, جاء مشوباً بشائبة تحرير السلطة الإدارية, التي تجاوزت بقرارها مبدأ الحق المتلازم مع إرادة من صدر المرسوم لأن المراسيم من ركائزها الحق وإلا فقدت مشروعيتها وعرضت المصلحة الوطنية للخطر الأمر الذي يتسوجب إبطال المرسوم لهذه الناحية.

لـكــل هــذه الأســبـاب

ولغيرها التي قد ندلي بها لاحقاً

ولما قد يراه مجلسكم الموقر عفواً

نطلب:

أولاً: إتخاذ القرار وفي غرفة المذاكرة بوقف تنفيذ المرسوم رقم 2942 تاريخ 11/5/2018 المطعون فيه, عملاً بأحكام المادة 77 من قانون نظام مجلس شورى الدولة وقبل أن يشكل هذا المرسوم حقاً مكتسباً لأي من أفراده.

ثانياً: إبلاغ المستدعى ضدها الدولة اللبنانية, صورة عن هذه المراجعة مع المستندات المرفقة بها للجهة المستدعى ضدها للجواب عليها ضمن المهلة القانونيةومن ثم الحكم :

أ: قبول المراجعة شكلاً لورودها ضمن المهلة القانونية مستوفية الشروط القانونية الشكلية كافة.

ب: قبولها في الأساس وإعطاء القرار بإبطال المرسوم رقم 2942/2018 المطعون فيه, وذلك للأسباب الشكلية التي عابت المرسوم ولعيب عدم الإختصاص ومخالفة الدستور والقانون وإساءة إستعمال السلطة وخطأ الإدراة البارز بتقدير شروط منح الجنسية وتعريض المصلحة الوطنية للخطر.

وتفضلوا بقبول الإحترام

مع جميع التحفظات

بالوكالة

المحامي نـشــأت الحسـنيّـه".