نشرت مواقع رسميّة ـ عراقيّة وعربيّة ـ خبراً مفاده أن مجتبى خامنئي ـ النجل الثاني لخامنئي ـ زار بغداد منذ الأول من يوم أمس، بصحبته الجنرال قاسم سليماني، وقد اجتمعا في مأدبة إفطار أقامها السفير الإيراني إيرج مسجدي في السفارة الإيرانيّة في بغداد، حضرها نوري المالكي و هادي العامري وقيادات كبيرة في الحشد الشعبي، وذكر مصدر عراقي أن رئيس الوزراء حيدر العبادي قد دُعي للاجتماع إلا إنّه اعتذر.
الموقع الرسمي لجريدة الجريدة الكويتيّة ذكر ـ عن مصدر عراقي ـ أن خامنئي الإبن شدد في كلمة له على (إن إيران لن تسمح للشيوعيين والعلمانيين والبعثيين بالسيطرة على الحكم في العراق)..!!
مؤكداًً (أن طهران ستقف أمام أي مشروع يغير موقع العراق، ويعيده إلى الحلف المعادي لها مهما كان الثمن)..!!
وأفادت المصادر أن مجتبى خامنئي حمل رسالة شخصيّة من والده إلى المرجع الأعلى في النجف الأشرف السيد علي السيستاني (دام ظلّه).
وسنقف على عدة نقاط وردت في الخبر:
1. مَن هو مجتبى خامنئي؟
مجتبى هو الإبن الثاني للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، من مواليد 1969، طالب علم، ويُعتبر الآن الرجل الأقوى في إيران، فهو يُُدير من خلال مكتب والده مؤسسة الحرس الثوري التي تسيطر على كل الملفات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنيّة والاجتماعيّّة في إيران.
وقد اتخذ من (اللواء محمّّد علي جعفر) قائد الحرس، وقاسم سليماني مُُساعدين له في إدارة الملفات الداخلية والخارجيّّة.
وهناك شائعات تتردد في طهران أنه يتُُم إعداد مجتبى هذا ليكون خلفاً لوالده في منصب الولي الفقيه.
2. مَن يُمسك بالملف العراقي في إيران؟
لم يعُد خفيّاً على أحد أن الملف العراقي يُدار من خلال اللواء قاسم سُليماني " قائد فيلق القُدس" وهو عنوان عسكري له دلالة واضحة أن إيران تعتبر العراق مُستعمرة لها، وتتعامل معه على هذا الأساس، لذلك هي تعتمد خطاب التهديد والوعيد مع قواه وأحزابه وساسته، وإلا مَن أعطى لمُُجتبى خامنئي الحق بأن يُقرر ـ هو ـ مَن سيحكم العراق..؟!
ومََن أعطاه الحق بأن يُهدد العراق ـ حكومةً وشعباً ـ بأن بلاده ستقف أمام أي مشروع يبعده عنها مهما كان الثمن..؟!
فـ (مهما كان الثمن) دلالة واضحة أن إيران جادّة في حرق اليابس والأخضر إذا ما تعرضت مصالحها في العراق إلى الخطر.
وحضور ابن خامنئي بنفسه إلى بغداد لإدارة مشاورات تشكيل الحكومة العراقيّة يُشير إلى أن إيران قلقة جدّاً على مصالحها وأطماعها في العراق، وأنها صادقة في مواجهة المشروع الوطني (مهما كان الثمن) الذي سيدفعه العراق من دماء أبناءه وتدمير مدنه وما تبقى من بناه التحتيّة.
3. أين موقع ساسة وأحزاب العراق مِن كل هذا؟
للإجابة على هذا السؤال لا بُد من التفرّع والتفكيك، فساسة العراق وقواه الحزبيّّة على ثلاثة اتجاهات:
أ. الأحزاب الموالية لإيران، وبالطبع فهؤلاء منهم مَن هو مؤدلج ويرى في طهران أنّها قبلة المقاومة وزعيمة محورها، ومنهم مَن تورّّطوا في أعمال قذرة كلفتهم بها طهران فارتبط مصيرهم بها، والفريقين سيقبلون وينفذون كل ما يُملى عليهم.
ب. ذو النفوس الضعيفة والمصالح الضيقة، أولئك الذين يحملون شعار (ياهو الياخذ أمّي يصير عمّّّي) واعتقد أوضح مصداق على هؤلاء المالكي، فهو حينما كانت أمريكا تصول وتجول في العراق كان أمريكيّّاًً أكثر من الأمريكيين أنفسهم، حتى أنّّه عرض على بوش خبرته في مكافحة الإرهاب للوقوف بوجه حزب الله اللبناني، في المؤتمر الذي أقامته أمريكا 2008 لمُكافحة الإرهاب في العالم إثر تداعيات حرب تموز 2006 فيما بين "حزب الله "و إسرائيل!!
وحينما ضعف الوجود الأمريكي، وأصبحت إيران هي السيّد في الشارع العراقي ـ بفضل ميليشياتها ـ أصبح الرجل إيرانيّّاًً أكثر من الإيرانيين.
ت. الأحزاب والتيّّارات الوطنيّّة، والمثال الأوضح على هؤلاء التيار الصدر بقيادة السيد مقتدى الصدر (أعزّه الله) وهم ـ الآن ـ بين خيارين أحلاهما مُر، أما الرضوخ للإرادة الإيرانية، وسياساتها الجائرة في العراق، أو الوقوف بوجه هذه الإرادة، مما يعني الذهاب إلى حرب أهليّّة تأكل اليابس والأخضر، وتمضى بالعراق إلى المجهول.
وأعتقد ـ جازماً ـ أن سماحة السيد مقتدى الصدر ـ بعد إعلانه التحالف مع قائمة الفتح قبل ـ على مضض ـ بالوجود الإيراني الذي أصبح أمراً واقعاًً ـ كما جدار العزل العنصري في إسرائيل ـ لكنّّه سيكون العصى التي تكبح هذا الوجود، وتحد من حركته، وحجم تأثيره على العراق وشعبه ـ للحفاظ على ما تبقى من هذا البلد المحطّم ـ إلى أن يأذن الله بالخلاص من جارة السوء ويُدخلها في محنة داخلية لا تذر ولا تُبقي للطغيان من شيء.
أو يُفيق الشعب العراقي من نومته، ويقرر طرد الفاسدين وسادتهم من العراق، وهذا حُلم يكاد يكون أصعب من حلم تحرير فلسطين، بدليل ما ستقرؤونه من الشتائم والسباب من أتباع (محور المساومة) ردّاًً على هذا المقال، وحينها ستعرفون مستوى أخلاقهم.
بقلم عبد الجليل النداوي
حُُرر في زمن محور المُساومة، بتاريخ 13/ 6/ 2018