ما بين إرسال رسالة قصيرة على هاتف أحد الوالدين أو إرسال وصلٍ مع التلميذ عن استحقاق تسديد ما تبقّى من القسط المدرسي، تعدّدت الوسائل، أمّا الكابوس فواحد على الأهل، «مِن أين لنا لنُسدّد الأقساط؟». يأسف الأباتي داود رعيد للمنحى الذي اتّخذه هذا العام الدراسي في بعض المؤسسات التربوية قائلاً: «المؤسف أنّ البعض لم يعد يتحدّث عن التربية إنّما عن الأموال، علماً أنّ المدارس رسالتُها التعليم، لقد غاب الحديث عن نوعية التعليم، كأنّنا «نفَضنا» أيديَنا وركّزنا على المنحى المادي»، لافتاً في حديث لـ»الجمهورية» إلى أنّ «هذه السنة «سكّرت لِسكور» لجهة أيام الإضرابات، فمِن أصل 160 يوم تدريس، البعض «بالكاد» علَّم نحو 140 يوماً»، لذا تمنّى «نقلَ الصراع التربوي إلى القانون وحلّه بعيداً من الاعتصامات والإضرابات حفاظاً على نفسية التلميذ وروحية التعليم».
سُبات عميق
همُّ الأباتي رعيدي، الذي يُشاركه به معظم التربويين، ناجمٌ عن «إستقالة الدولة من تأديةِ واجبها التربوي»، فيوضح: «كأنّ الدولة استقالت من مهمتها، مكتفيةً في تأمين خدمة التعليم لـ 30% من أبنائها، فيما المدارس الخاصة تُعلّم 70% حيث المدارس الكاثوليكية تشكّل نسبة نحو 40%». ويضيف: «في ما لو أراد الطلّاب التوجّه إلى المدارس الحكومية، فهي غير مؤهلة لاستقبالهم لا لوجستياً ولا لجهة عددِ الأساتذة ولا على المستوى التعليمي». ويتابع مستطرداً: «كم مسؤول من الذين يتصدّرون الشاشات سجّل ابنَه في مدرسة رسمية، حتى يومنا هذا؟ أعتقد النتيجة صفر، لعدم ثقتهم بما تقدّمه». وتابع بنبرةٍ حاسمة: «حتى وإن كان البلد في خطر الإقبالِ على الإفلاس، يجب أن لا نوقف تعليمَ الناس، لذا على الدولة إعادة حساباتها في دعمِ القطاع التربوي».
مقاضاة الدولة... كيف؟
أمّا عن المبادرة التي لجأ إليها في مدرسته منعاً لأيّ تشنّجٍ تربوي، خصوصاً وأنّها تضم نحو 3 آلاف تلميذ، فقال: «بدايةً أعطينا الأساتذة حقوقهم بالنسبة إلى غلاء المعيشة والرواتب وفقَ الجدول 17، من دون الدرجات الستّ، لذا توجَّب علينا زيادة 650 ألف ليرة على التلميذ، تحمّلت المدرسة 200 ألف ل.ل. والأهالي 450 ألف ل.ل.». أمّا بالنسبة إلى عقدة الدرجات السِتّ وتأمين مصدر تمويلها، فيوضح: «منذ لحظة الحديث عن القانون 46، بدأت المدارس الخاصة تُحذّر من مخاطر القانون لأنّه ليس لصالح أحد. وبعدما سقطت كلّ المهل القانونية للطعن بالقانون، وحِرصاً على الأهل والأساتذة والتلاميذ، فكّرنا بطريقة لمقاضاة الدولة وتحميلِها تكاليفَ حقوق الأساتذة.
لذا أطلقنا مبادرةً جديدة من خلال رفعِ عريضة «ربط نزاع» لاستصدار قرار إداري من قبَل وزارة التربية يخوّلنا اللجوءَ إلى التقدّم بطعنٍ أمام مجلس شورى الدولة لتجاوز حدّ السلطة. وذلك انطلاقاً من اعتبار المدرسة مرفقاً عامًا تقوم بتأديةِ خدمةٍ عامة من خلال رفعِ المستوى التعليمي للطلّاب عملاً بمبدأ استمرارية المرافق العامة وإلزامية التعليم المنصوص عليها في الدستور اللبناني، وشرعة حقوق الإنسان، طالبين اتّخاذَ جميع الإجراءات اللازمة لدرءِ الخطر عن هذا المرفق واستطراداً إنشاء صندوق يموَّل من الحكومة اللبنانية ويدعم الزيادات للأساتذة».
ويضيف: «أقدمنا على هذه الخطوة في 2 أيار وأمام وزارة التربية بحسب القانون شهران للردّ، ونحن بالانتظار وعلى أساسه نتحرّك باتجاه مجلس شورى الدولة». ويضيف: «بذلك نكون صوَّبنا البوصلة، ووحّدنا التوجّه بين المدارس والأهالي والأساتذة، فلا يضيع حقوق أستاذ ولا يتكبّد الأهالي تمويلَ الدرجات السِت، في حال أبقَت الدولة على الدرجات الست لأساتذة التعليم الخاص».
هذا ما نخشاه
لا يُخفي الأباتي رعيدي خشيته من المسار القانوني الطويل، ولكن «هل نقف نتفرّج» على الخلافات بين الأهالي والإدارات والأساتذة؟ لا بدّ من البحث عن مخارج تُلزم الدولة تكبُّد ما شرّعته بارتجالية». وما يزيد «الطين بلّة»، بحسب رعيدي «مضيُّ نحو 10 أشهر على القانون 46، ولم نسمع إلّا بأنّ العمل قائم على تقريب وجهات النظر، ولكن هذا غير كاف، فقد سمعنا سيلاً من الوعود ولم نلمس شيئاً». ويضيف: «لتتحمّل كلّ جهة المسؤولية الملقاة على عاتقها، لا سيّما وأنّ القطاع التربوي، عدا عن أنه مرفق عام يقوم بتأدية خدمة وطنية، فهو القطاع الوحيد والأوّل في لبنان الذي نتغنّى به والذي أعطى للبنان وجهَه المُشرق». وينهي رعيدي حديثه محذّراً من استفحال المشكلة مطلعَ السنة: «القسم الأكبر من المدارس الصغرى ستقفِل أبوابها، لا سيّما في الأطراف، فالأزمة، دون شك، ستستفحل في السنة المقبلة، إن لم تعالَج بشكل فوري ومسؤول حفاظاً على أولادنا ومستقبلهم».